الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التركيب لا من مجاز الإفراد؛ لأن لا من مجاز الإفراد؛ لأن العرب وضعت السؤال ليركب لفظه مع لفظ من يصلح للإجابة، فحيث ركبته مع ما لا يصلح للإجابة عدلت عن التركيب الأصلي إلى تركيب آخر غير الأصلي، ولا نعني بالمجاز في التركيب إلا هذا القدر، وهو استعمال المركب على خلاف التركيب الأصلي، فمتى رأيت لفظة وضعت لتركيب مع لفظة فركبت مع غيرها، فهو مجاز في التركيب، نحو: أكلت الماء، وشربت العلم، ودخلت في الفضيلة، وخرجت من الشبه، ونحو ذلك، وكذلك الكلمات الزوائد كلها من الأفعال، والحروف وضعت لتركب مع ما ينتظم معناها مع معناه، فإذا ركبت مع مالا ينتظم معناها مع معناه كانت زائدة.
(فالكاف) وضعت لتركب مع المشبه به، فإذا ركبت) لا) معه، كان مجازا في التركيب، و (لا) في قوله تعالى:} لا أقسم بهذا البل} [البلد:1 [إذا جعلناها زائدة، وضعت لتركب مع منفى، وهاهنا ركبت (لا) مع منفى، فهي مجاز في التركيب.
وكذلك سائر الزوائد.
(تنبيه)
ليس كل مضاف محذوف يوجب مجازا في التركيب
؛ فإنك إذ قدرت في قوله تعالى:} وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82 [وتجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون لينتظم المعنى، فإن الرزق لا يكون تكذيبا، وأما كونهم يجعلون الشكر تكذيبا، فيحسن ذكر ذلك لأمثالهم كما تقول: فلان يشكر الله بمعاصيه على سبيل التهكم، والإنكار عليه، فكذلك قدرة العلماء، ولا ينتظم المعنى إلا به، فهذا المضاف المحذوف لا يوجب مجازا؛ لأن العرب وضعت الجعل تركبه مع الرزق، فكان النطق به نطقا بالوضع، بخلاف السؤال مع القرية، وكذلك ما قدروه في قوله تعالى:} لتسألن عن النعيم} [التكاثر: 8 [، وقالوا: عن شكر النعيم، ونظائره في
القرآن كثيرة، وإنما يكون مجازا في التركيب إذا ركبت اللفظة مع ما لا يصلح له في أصل الوضع، والزوائد من الأفعال مثل) كان (في مثل قول الشاعر] الوافر [:
سراة بني أبي بكر تساموا
…
على كان المسومة العراب
تقديره على المسومة، و (كان (زائدة، ونظائره في القرآن وغيره كثيرة، كما في قوله تعالى:} إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} [سورة ق: 37 [، أي: لمن له قلب، وكان زائدة على أحد الوجوه.
قوله: (والنقل نحو: رأيت أسدا).
استعمل هاهنا في المعنى اللغوي دون الاصطلاحي على سبيل المجاز؛ لأن النقل لغة: هو التحويل، وكأن اللفظ حول من وضعه الأول إلى الرجل الشجاع مجازا، فإن اللفظ لا ينفي زمنين حتى يقبل التحويل.
وأما النقل في الاصطلاح: وهو غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهر فيه من غيره، فلم يوجد الأسد، فظهر أن مراده النقل اللغوي.
قوله:) لا يجوز جعل الزيادة والنقصان قسمين قبالة النقل (.
معناه: أن المقسم أبدا لا يجعل قسما مع جملة أقسامه، فلا يقول: العدد إما زوج أو فرد أو عدد، والحيوان إما ناطق أو أعجمي أو حيوان، فيأتي بالمقسم مع جملة الأقسام؛ لأن شأن الأقسام أن يكون بينهما تعاند، وتضاد، كما رأيت في الزوج، والفرد، فإذا جعل المقسم أحدها صار بينه وبينها تضاد، مع انه جزؤها، والشيء لا يضاد جزءه، وجنسه، وهو معنى قولهم: القسم لا يكون قسما؛ لأن الفرد قسم من العدد، وقد صار قسما له؛ لأنه جعل أحد الأقسام، وكل قسم منها يسمى قسما لصاحبه.
قوله:} واسأل القرية} [يوسف: 82 [موضوع لسؤال القرية فيه بحث دقيق، وهو أن المضاف المحذوف هل سبب التجوز، أو محل التجوز.
وبيانه: أن الإمام يلاحظ قاعدة، وهي أن العرب شأن لغتها أن يكون المنصوب بالفعل هو المفعول، فيكون هذا اللفظ في هذه المادة موضوعا لسؤال القرية، فتقدير مضاف محذوف، يكون سبب التجوز، وصيرورة اللفظ مجازا وغيره من أرباب علم البيان، يقول: لفظ السؤال وضع ليركب مع من يصلح للإجابة، فإذا ركب مع غيره صار مجازا، فيكون المضاف المحذوف هو محل التجوز، أي: المتجوز عنه لا سبب المجاز، وينبني على الطريقتين أن المضافات المحذوفات كلها التي يثبت أنها لا توجب مجازا نحو:} وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82 [، ونحوه: هل تكون مجازات أم لا؟
فعلى طريقة تكون كلها مجازات؛ لآن الذي باشره العامل عدل عنه إلى غيره.
وعلى الطريق الأخرى لا يوجب مجازا في التركيب، كما تقدم بيانه، فتأمل هذه المواضع؛ فإنها نادرة الوقوع في كتب العلماء وقل من يقف عليها.
قوله: (وكذلك الزيادة إذا لم تغير إعراباً).
مثاله: قوله تعالى:} فبما نقضهم ميثاقهم} [المائدة:13 [. فإن الباء خافضة لـ) نقضهم (أثبتت بها أم لا، بخلاف:} وكفى بالله شهيدا} [النساء:79 [، فإن الإعراب تغير بزيادة الباء.
وقوله: (أن المجاز لا يكون بالزيادة والنقصان حتى تغير الإعراب).
] ممنوع في جميع الصور [، أما في العطف فمسلم، فإن جاءني زيد وعمرو حقيقة لغوية، وأما في مثل هذه الزيادة في قوله تعالى:} فبما نقضهم ميثاقهم} [المائدة: 13 [، فممنوع على طريق أرباب علم البيان المتقدم من أن العرب وضعت (ما) لتركبها مع صلتها أو صفتها أو جزئها إن كانت مبتدأة فحيث ركبتها لا مع ذلك عريت عن جمعيه يكون مجازا في التركيب للعدول عن الوضع الأصلي إلى غيره، كما تقدم بيانه، فحينئذ لا يشترط في مجاز التركيب تغير المعنى والتركيب معا، بل قد يكون، وقد لا يكون، كما تقدم في المثل السابقة.
قوله: (إذا استعملت لفظة (الدابة (في الدودة والنملة فقد أفيد بها ما وضعت له لغة مع أنها مجاز عرفي (.
قلنا: اجتمع فيها الاعتباران، فهي من وجه حقيقة، ومن وجه مجاز، وقلنا:) ما وضعت له (، يخرج ذلك من الاعتبار المجازى، فإنها من ذلك الوجه لم تفد ما وضعت له، ونظيره قوله في دلالة التضمن: من حيث هو جزؤه، وغيره اكتفى بقرينة الجزئية، كما تقدم بيانه وكذلك قوله في الإيراد على حد المجاز؛ لأن قوله:) غير ما وضع له (يخرج الحقيقة العرفية؛ لأنها من جهة الحقيقة العرفية موضوعة.
قوله: "لفظ السماء في الأرض ليس مجازا فيها".
يريد لعدم العلاقة، وهي شرط في المجاز، ويشكل عليه بما نقله من
علاقات المجاز، فجعل منها إطلاق أحد الضدين على الآخر كقوله تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] والسماء ضد الأرض؛ لأن السماء من العلو، فكل ما علا فهو سماء، حتى سقف البيت، ومنه قوله تعالى:} فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15 [.
قال المفسرون: يمدد بحبل إلى سقف بيته، والسحاب سماء، والأرض من التسافل.
ومنه قول العرب: فلان شديد الأرض أي: شديد التسافل والدناءة من الأخلاق، فالسماء ضد الأرض، لآن العلو ضد التسافل، فكان إطلاق لفظ أحدهما على الآخر جزءا مجازا، أو لأن السماء محيطة بالأرض، فيكون من باب إطلاق لفظ السبب المادي على المسبب، كتسمية الماء بالوادي في قولهم: سال الوادي، أو لأنها تقابلها فبينهما ملازمة عادية، والملازمة علاقة في المجاز كالتعبير عن الإحسان بالرحمة.
قوله: (ينتقض بالأعلام المنقولة).
قوله: بعض الأعلام قد تنقل، ويسمى بها لعلاقة، كتسمية ولد بـ (رمضان)؛ لأنه ولد في رمضان، أو مكي لأنه ولد ب (مكة)، أو حنظلة؛ لأنه ولد في سنة جدبة، أو حرب لأنه ولد في وقت حرب، وهو كثير قصدته العرب وأهل العرف، وتلك المقاصد منقولة عنهم، وقد يكون النقل لا لعلاقة كمن سمى جعفر مع عدم العلاقة؛ لأن الجعفر: النهر الصغير، فالصحيح أنه ينتقض ببعض الأعلام لا بكلها.