الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان الحاجة إلى المفردات أن الإنسان لا يستقل بتكميل مهمات معيشته بدون الاستعانة بغيره، والاستعانة بالغير لا تتم إلا باطلاع الغير على حاجته، وقد عرفت أن ذلك لا يحصل إلا بالألفاظ المفردة.
وإنما قلنا: إن الحاجة إلى المشترك غير ضرورية؛ لأنهم إن احتاجوا إلى التعريف الإجمالي أمكنهم ذكر تلك المفردات مع لفظ الترديد، وحينئذ يحصل المطلوب في اللفظ المشترك.
وإذا ظهرت المقدمتان، ثبت رجحان المفرد على المشترك في الوجود وفي الذهن، وهو المطلوب، والله أعلم.
المسالة السادسة: فيما يعين مراد اللافظ باللفظ المشترك:
اللفظ المشترك: إما أن توجد معه قرينة مخصصة، أو لا توجد.
فإن لم توجد، بقي مجملا؛ لما ثبت من امتناع حمله على الكل.
وإن وجدت القرينة، فتلك القرينة: إما أن تدل على حال كل واحد من مسميات اللفظ؛ إلغاء أو اعتبارا، أو على حال البعض؛ إلغاء أو اعتبارا، وإما على حال الكل من حيث هو كل؛ إلغاء أو اعتبارا؛ فهو مندرج تحت حال البعض؛ لأن اللفظ إذا كان مفيدا لكل واحد من تلك الأفراد، وللكل من حيث هو، كل كان الكل أحد الأمور المسماة به، فتكون القرينة الدالة عليه؛ إلغاء أو اعتبارا دالة على بعض ما اندرج تحت تلك اللفظة.
فأما القسم الأول وهو: ما يفيد اعتبار كل واحد من تلك المعاني، فتلك: المعاني إما أن تكون متنافية، أو لا تكون.
فإن كانت متنافية، بقي اللفظ مترددا بينها كما كان، إلى أن يظهر المرجح.
وإن لم تكن متنافية، فقال بعضهم: الأدلة المقتضية لحمل اللفظة على كل معانيها معارضة للدليل المانع من حمل اللفظ المشترك على كل معانيه، فتعتبر بينهما الترجيحات.
وهذا خطأ؛ لأن الدلالة المانعة من حمل اللفظ المشترك على كل معانيه دلالة قاطعة، فلا تقبل المعارضة.
سلمنا قبوله للمعارضة؛ لكن لا معارضة هاهنا؛ فإن الدليلين، إذا اقتضيا حمل اللفظ على كلا مدلوليه أمكن أن يكون اللفظ كما كان موضوعا لكل واحد منهما بالاشتراك، فهو أيضا موضوع للجميع، أو أن المتكلم قد تكلم به مرتين، ومع هذين الاحتمالين زال التعارض، وإذا بطل التعارض، ثبت أنه متى قامت الدلالة على كون كل واحد منهما مرادا، وجب حمله عليهما.
القسم الثاني، وهو: الذي يكون مفيدا إلغاء كل واحد من تلك المعاني؛ وحينئذ يجب حمل اللفظ على مجازات تلك الحقائق الملغاة.
ثم لا يخلو: إما أن نكون تلك الحقائق الملغاة بحال لو لم تقم الدلالة على إلغائها، كان البعض أرجح من البعض، أو ليس الأمر كذلك.
فإن كان الأول: فمجازاتها: إما أن تكون متساوية في القرب، أو لا تكون متساوية:
فإن تساوت المجازات في القرب، وكانت إحدى الحقيقتين راجحة كان مجاز الحقيقة الراجحة راجحا.
وإن تفاوتت المجازات، نظر: فإن كان مجاز الحقيقة الراجحة راجحا، فلا كلام في رجحانه.
وإن كان مجاز الحقيقة المرجوحة راجحا، وقع التعارض بين المجازين؛ لأن هذا المجاز، وإن كان راجحا إلا أن حقيقته مرجوحة، وذلك المجاز، وإن كان مرجوحا، إلا أن حقيقته راجحة، فقد اختص كل واحد منهما بوجه رجحان، فيصار إلى الترجيح.
وأما إن كانت الحقائق متساوية، فإما أن يكون أحد المجازين أقرب إلى حقيقته من المجاز الآخر إلى الأخرى، أو لا يكون:
فإن كان الأول، وجب العمل بالأقرب.
وإن كان الثاني، بقيت اللفظة مترددة بين مجازات تلك الحقائق؛ لما ثبت من امتناع حمل اللفظ على مجموع معانيه، سواء كانت حقيقية أو مجازية.
القسم الثالث: وهو الذي يدل على إلغاء البعض.
فاللفظة المشتركة، إما أن تكون مشتركة بين معنيين فقط، أو أكثر.
فإن كان الأول، فقد زال الإجمال؛ لأن اللفظ لما وجب حمله على معنى، ولا معنى له إلا هذان، وفد تعذر حمله على ذلك فيتعين حمله على هذا.
وإن كان الثاني، وهو أن تكون المعاني أكثر من واحد، فعند قيام الدليل على إلغاء واحد منها، بقي اللفظ مجملا في الباقي.
وأما القسم الرابع، وهو الذي يدل على اعتبار البعض، فهذا يزيل الإجمال، سواء كانت اللفظة مشتركة بين معنيين أو أكثر.