الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولنا: ليس كل عدد زوجا، ولا كل أحد يصحب، ونحو ذلك، فإن السلب إنما ينفي بعض هذه الكلية لا جملة ما فهم من قولنا: ليس كل عدد زوجا الذي هو الكلية، فإن أراد سلب الجميع، فهو باطل بما ذكرناه، إلا زوجا الذي هو الكلية، فإن أراد الجميع، فهو باطل بما ذكرناه، وإن أراد صدق أصل النفي كيف كان أفاده، فإن لفظ (ضارب) وضع لمجموع هذا المفهوم، فإذا انتفى بجملته أو ببعض أجزائه لم يصدق اللفظ بعد ذلك إلا مجازا، وهو المطلوب.
(أسئلة)
الأول: قال النقشواني: كل إنسان يصدق عليه أنه نائم، وليس بنائم لما عرف من اختلاف الزمانين مع عدم التناقض.
الثاني: قال النقشواني: يصدق أن الفرس ليس بحيوان طائر، وأنه حيوان صاهل، فكونه حيوانا، وليس بحيوان جزء من هذين المقدمتين الصادقتين، فلو صدق مقدما خلاف قياس المصنف لصدق أن الفرس حيوان، وليس بحيوان، وهو محال.
الثالث: أن نكتته معارضة بأن يصدق أنه ضارب في الماضي، فيصدق أنه ضارب؛ لأنه جزء من ضارب في الماضي، وإذا صدق ضارب لا يصدق أنه ليس بضارب؛ لأنه نقيضه، ولا ينقلب ذلك في المستقبل، فيقال: هو ضارب في المستقبل، وضارب في المستقبل جزؤه ضارب، مع أنه مجاز إجماعا؛ لأنا نمنع القلب، فإن ضاربا معناه: الضرب كائن منه، والضارب في المستقبل لم يكن منه ضرب.
الرابع: قال: إن الحق في هذه المسألة التفصيل إن لم يطرأ على المحل معنى آخر يضاد الأول، حتى يشتق له منه اسم كالسارق، والزاني، فهو
حقيقة في الحال، وإن تقدم؛ لأن الله-تعالى-أمرنا بقطع يد السارق، وجلد الزاني، فلو ذهب ذلك بالمضي لأقمنا الحدود على غير السارق والزاني، وهو باطل، وإن طرأ الضد، واشتق له منه اسم كالثوب يصبغ أسود لم يصدق حقيقة، وبه يبطل كلام المصنف في اليقظان لا يسمى نائما، والصحابي لا يسمى كافرا لطريان الضد، وهو اليقظة، والإسلام.
الخامس: قال: إن المشتق قد يصدق بدون المشتق منه على ما ذكره في التي بعد هذه المسألة من المكي، والمدني، والخالق، والرازق.
والجواب عن الأول أن المصنف إنما ادعى التناقض في العرف؛ لأنهم يقصدون زمانا واحدا، وهو الحاضر لا بمجرد اللفظ، كما في النائم واليقظان باعتبار الليل والنهار.
وعن الثاني أن قولكم: الفرس ليس بحيوان طائر من باب سلب الأخص، وهو إنما صحح دليله بناء على أنه سلب أخص، فالمتوجه عليه المنع أن مقدمته من هذا الباب، ولم يستدل بصورة السلب والإيجاب مطلقا.
وعن الثالث: بأن قولنا: ضارب في الماضي يمنع صدقه حقيقة، بل مجازا مثل ضارب في المستقبل، وهو إنما ذكر مقدمته بناء على صدق أنه يصدق عليه ليس بضارب في الحال حقيقة، فإن كان ذلك صحيحا ظهر الفرق، وإلا فالمتجه منع مقدمته، ولا حاجة للمعارضة.
وعن الرابع: أن التفصيل ممنوع، والله تعالى لم يأمر بقطع السارق، إلا إذا صار الاسم يصدق عليه مجازا، أو دخل الفعل منه في الوجود، وصار محكوما عليه بالمضي، والله-تعالى-يرتب أحكامه بعد مضي المعنى، وصيرورة اللفظ مجازا، ولا يمنع ذلك إلا غافل عن الأوضاع الشرعية، بل لا يكاد يوجد في الشرعية إلا ذلك في جميع الموارد.
وعن الخامس: أن النزاع في المشتق من المعاني دون الأقسام، فلا يرد المكي، والمدني.
وأما الخالق ونحوه، وإن كان مشتقا من الخلق الذي ليس بجسم.
قلنا: أن يقول: إنما وضعت العرب اسم الفاعل حقيقة لمن هو ملابس للتأثير قام به الأثر أم لا، كان التأثير وجوديا، أو عدميا، ولذلك سمي الإنسان معدما أو فقيرا، وابنا وأبا باعتبار هذه الأمور، وهي ليست وجودا، والله-تعالى- مؤثر في الشيء المرزوق، والمخلوق، فتصدق هذه الألفاظ حقيقة حالة صدور هذه الآثار عنه تعالى، وقبل ذلك وبعده تكون مجازا.
(تنبيه)
قال التبريزي: الحق في هذه المسألة التفصيل، فإن كان صفة أو حلية كالعمى، والعور، أو اسم محل قيام المعنى كالأسود، والعالم، والمتحرك، والمؤمن، والكافر، والنائم، فيشترط بقاء وجه الاشتقاق؛ لأن العالم، ولا علم له محال، وأما ما يرجع إلى نسبة الفعل كالقاتل، والضارب، والخالق، فلا يشترط وجود المعنى حينئذ، والمعنى فيه أن العالم بقيد الذات التي هي محال قيام العلم، فلا يصدق ذلك مع انتفاء العلم، ومفهوم القاتل الذات التي هي مصدر القتل، أو الخلق، وذلك يصدق عليه في الزمن الثاني.
وسر الفرق أن المعنى مفتقر لمحله دائما، وينقسم إلى الأزمنة، فيصدق أن يقال: قام يوما، وقام سنة، فيجوز أن يقوم به أمس هو قيامه اليوم، فلا يكفي في قيام اليوم قيام أمس.
وأما الفعل فإنه يجوز أن يصدر منه أمس، وأيضا يصدر منه اليوم، فإذن لا تعدد في الصدور، فإطلاقه يفيد تحقيق أصل السنة، وهو مسمى الصدور
لا غير، وهو حق مهما أطلق؛ لأن الزمان غير مأخوذ فيه؛ ولهذا يصح أن يقال على الدوام: الله تعالى خالق العالم، ولو قيل: ليس خالق العالم كان كفرا، وإن صح أن يقال: ليس خالق العالم الآن، ولو كان الإطلاق في طرف الثبوت نقيض هذا التفصيل لما كان سلبه كفرا، كما في طرف المعاني والصفات، فإن عالما يسلب بناء على الحال الخالي.
قال: فهذا كلام محقق، وإن لم أجده في المصنفات، ولا ينبغي أن يشكل الأمر عليه بالمصلي، والغاضب، والداخل، والخارج، فلعلك تقول: نسبة الصلاة إلى المصلي نسبة الفعل إلى الفاعل، وكذلك الغصب، والخروج، ثم لا يقال: هو مصل أو غاصب، أ، داخل باعتبار ما كان إلا مجازا، فإنها مغالطة من حيث إن أفعال تقوم بالفاعل، فتصير صفة له إما حقيقة أ، اعتبارا، ومنه المتكلم، والمخبر، فإنه عند أهل الحق هو محل قيام الكلام، ففعله لازم لا مجاوز محل قدرته، فيكون كالمتحرك، فالصلاة، والكلام حركات مخصوصة، فلتفهم ذلك ليجعل قانونا لأمثاله.
وقلت: هذا الكلام منه تهويل بغير تعويل.
وسر الفرق الذي قاله مردود؛ فإن الصدور يتعدد كما يتعدد قيام العلم بالمحل، فصدور زيد عن قدرة الله تعالى غير صدور عمرو، والنسب متعددة، وتكفيرنا لمن قال: الله تعالى ليس خالق العالم إنما كان لأنا فهمنا عنه القضاء بالسلب الكلي في جميع الأزمنة، فالتكفير للمعنى المفهوم، لا للفظ، ثم اعتذاره عن الغاصب ونحوه لا يتم؛ لأنه قد قال: هي صفة حقيقية أو اعتبارا، وكذلك نقول: خلق العالم صفة لله- تعالى- اعتبارا، وكذلك نقول: خلق العالم صفة لله- تعالى- اعتبارا، ولذلك من أسمائه تعالى الخالق، الباريء، المصور.