الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما السبب الذي يعرف به كون اللفظ مشتركا، فذلك إما الضرورة، وهو أن يسمع تصريح أهل اللغة به.
وإما النظر؛ وذلك أنا سنذكر إن شاء الله تعالى الطرق الدالة على كون اللفظة حقيقة في مسماها، فإذا وجدت تلك الطرق في اللفظة الواحدة بالنسبة إلى معنيين مختلفين، حكمنا بالاشتراك.
ومن الناس، من ذكر فيه طريقين آخرين:
أحدهما: أن حسن الاستفهام يدل على الاشتراك؛ لأن الاستفهام عبارة عن طلب الفهم، وطلب الشيء حال حصوله محال، والفهم إنما لا يكون حاصلا لو كان اللفظ مترددا بين المعنيين.
الثاني: قالوا: استعمال اللفظ في معنيين ظاهرا يدل على كونه حقيقة فيهما؛ وذلك يقتضي الاشتراك.
واعلم: أنا سنبين إن شاء الله تعالى في باب العموم: أن هذين الطريقين لا يدلان على الاشتراك.
المسألة الرابعة: في أنه لا يجوز استعمال المشترك المفرد في معانيه على الجمع
. وذهب الشافعي، والقاضي أبو بكر رضي الله عنهما إلى جوازه، وهو قول الجبائي، والقاضي عبد الجبار بن أحمد.
وذهب آخرون إلى امتناعه، وهو قول أبي هاشم، وأبي الحسين البصري والكرخي.
ثم اختلفوا؛ فمنهم من منع منه؛ لأمر يرجع إلى القصد، ومنهم من منع منه؛ لأمر يرجع إلى الوضع، وهو المختار.
وقبل الخوض في الدليل لابد من مقدمة وهي: أنه ليس يلزم من كون اللفظ موضوعا لمعنيين على البدل أن يكون موضوعا لهما جميعا؛ وذلك لأنا نعلم بالضرورة المغايرة بين المجموع، وبين كل واحد من أفراده، ولا يلزم أن يكون المجموع مساويا لكل واحد من أفراده في جميع الأحكام، فلا يلزم من كون كل واحد من الشيئين مسمى باسم، كون مجموعهما مسمى به.
إذا ثبتت هذه المقدمة فالدليل على ما قلنا: أن الواضع إذا وضع لفظا لمفهومين على الانفراد، فإما أن يكون قد وضعه مع ذلك لمجموعهما، أو ما وضعه لهما:
فإن قلنا: إنه ما وضعه للمجموع، فاستعماله لإفادة المجموع استعمال اللفظ في غير ما وضع له؛ وإنه غير جائز.
وإن قلنا: إنه وضعه للمجموع، فلا يخلو إما أن يستعمل لإفادة المجموع وحده أو لإفادته مع إفادة الأفراد.
فإن كان الأول: لم يكن اللفظ إلا لأحد مفهوماته، لأن الواضع إن كان وضعه بإزاء أمور ثلاثة على البدل، وأحدهما ذلك المجموع فاستعمال اللفظ فيه وحده لا يكون استعمالا للفظ في كل واحد من مفهوماته.
فإن قلت: إنه يستعمل في إفادة المجموع والأفراد على الجمع، فهو محال؛ لأن إفادته للمجموع معناه: أن الاكتفاء لا يحصل إلا بهما، وإفادته للمفرد
معناه: أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منهما وحده، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال.
فثبت أن اللفظ المشترك من حيث إنه مشترك لا يمكن استعماله في إفادة مفهوماته على سبيل الجمع.
واحتج المجوزون بأمور:
أحدها: أن الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة استغفار، ثم إن الله تعالى أراد بهذه اللفظة كلا معنييها في قوله تعالى:} إن الله وملائكته يصلون على النبي {(الأحزاب:56).
وثانيهما قوله تعالى:} ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب .. {؟! (الحج: 18).
أراد بالسجود هاهنا الخضوع؛ لأنه هو المقصود من الدواب، وأراد به أيضا وضع الجبهة على الأرض؛ لأن تخصيص كثير من الناس بالسجود دون ما عداهم ممن حق عليه العذاب مع استوائهم في السجود بمعنى الخشوع يدل على أن الذي خصوا به من السجود هو وضع الجبهة على الأرض، فقد صار المعنيان مرادين.
وثالثهما قوله تعالى:} والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء {(البقرة: 228) إذا أراد به الحيض والطهر؛ لأن المرأة إذا كانت من أهل الاجتهاد، فالله تعالى أراد منها الاعتداد بكل واحد منهما بدلا عن الآخر، بشرط أن يؤدي اجتهادها إليه أو إلى الآخر.
ورابعها: قال سيبويه: قول القائل لغيره: (الويل لك) دعاء وخبر؛ فجعله مفيدا لكلا الأمرين.
والجواب عن هذه الوجوه بأسرها: أن ما ذكروه، لو صح لدل على أن هذه الألفاظ كما هي موضوعة للآحاد، فهي موضوعة للجمع، وإلا كان الله تعالى قد استعمل اللفظ في غير مفهومه؛ وهو غير جائز.
وعلى هذا التقدير: يكون استعماله لإفادة الجمع استعمالا له في إفادة أحد موضوعاته، لا في إفادة الكل على ما بيناه، والله أعلم.
فرعان:
الأول: بعض من أنكر استعمال المفرد المشترك في جميع مفهوماته جوز ذلك في لفظ الجمع، أما في جانب الإثبات، فكقوله للمرأة: اعتدي بالأقراء.
والحق أنه لا يجوز؛ لأن قوله: اعتدي بالأقراء معناه: اعتدي بقرء وقرء وقرء، وإذا لم يصح أن يفاد بلفظ القرء كلا المدلولين، لم يصح ذلك أيضا في الجمع الذي لا يفيد إلا عين فائدة الإفراد.
وأما في جانب النفي، فلم يقم دليل قاطع على أن الواضع ما استعمله في إفادة نفيهما جميعا.
ويمكن أن يجاب عنه: بأن لا يفيد إلا رفع مقتضى الإثبات، فإذا لم