الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (الاشتراك أكثر فلو كان أكثر مفسدة لكان الواضع جعله أقل)
قلنا: إنما جاء من أهل العرف بعد الوضع الأول، والمنقول ليس من الوضع الأول أصلا حتى يقال: لم لا يرجحه، ويجعله أكثر ثم إن هذه المشتركات التي يقولون: إنها أكثر إنما جاء أكثرها بطريق النقل، فإن النقل أصله أن يكون مجازا مرجوحا إذا ترجح وصل إلى التساوي، ثم ينتقل إلى الرجحان بعد ذلك فيصير منقولا، ومجازا راجحا، وربما لم تنهض داعية المستعملين بكثرة استعماله بعد أن صار مساويا، فيبقى مساويا للحقيقة الأولى، وضابطنا في الاشتراك التساوي عند السماع، وتردد الذهن على السواء، فنعتقده إذا سمعناه مشتركا، وإنما هو منقول لم ينتهض إلى درجة النقل الصريح، فالكثرة إنما جاءت من قبل النقل، فبطل ترجيحكم.
قوله: (النقل لابد أن يصير إلى حد التواتر فتندفع هذه المفاسد).
قلنا: هذا إذا وقع، والبحث في هذه المسألة ليس في نقل وقع، ولا في شيء من الخمسة وقع، بل في احتمالاتها فقط، والاحتمال ليس من لوازمه وقوع ولا تواتر، وإنما النظر لهذه الأمور باعتبارها ذواتها، ولوازمها، وكثرة مقدماتها أن لو فرضت واقعة، لا باعتبار وقوعها، فكل حقيقة كانت في ذاتها راجحة، فهي راجحة وقعت أم لا، بل لو وقعت لم يحصل نزاع ولا تعارض، بل يتعين الواقع في ذلك اللفظ، فهذا ليس بمتجه.
(تنبيه)
زاد التبريزى فقال: أخل من الاحتمالات بأربعة:
الزيادة: كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].
والتقديم والتأخير كقوله تعالى: {له معقبات من بين يديه، ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11].
معناه: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه، ومن خلفه، وكقوله تعالى:{مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة} [عبس: 13 - 14].
والقلب كقولهم: (أدخلت الخف في رجلي)، (والرجل هي التي تدخل في الخف)، وعرضت الناقة على الحوض.
وتعارض مرجع الضمير، وأسماء الإشارة، كقولنا: كلما علمه الحكيم فهو كما علمه، وقد يعد هذا من باب الاشتراك اللفظي، وليس هو منه، والفرق بينهما لطيف.
ووجه الحصر فيما ذكرناه: أنه إذا انتفت الزيادة والنقصان، وهو الإضمار استقلت ألفاظ القول بالإفادة، وإذا انتفى التقديم، والتأخير، والقلب طابق التركيب المفهوم من المفردات، وإذا انتفى المجاز تعين محل الحقيقة، وإذا انتفى التصرف الشرعي، والعرفي اتحدت جهة الحقيقة، وإذا انتفى الاشتراك اتحد المحمل، وإذا انتفى التخصيص انطبق المراد على ظاهر مفهومه عينا، فانتفى الخلل مطلقا.
قلت: وقيل: {فتول عنهم} [القمر: 6] مستمرا من حيث لا يرونك، فانظر ماذا يرجعون إليك الجواب؟
وقوله: (فهو كما علمه) إن أعدناه على الحكيم يلزم تشبيهه بعلمه، وهولا يشبه علمه، وإن أعدناه على (معلومه) يكون معناه: فهو كما هو في نفس الأمر.
وقوله: (والفرق بينهما لطيف)
يعنى أن الغزالي عده من الاشتراك اللفظي، والفرق أن الاشتراك اللفظي له معنيان:
أحدهما: وضع اللفظ لمعنيين كالقرء.
والثاني: تردد بين معنيين من حيث التركيب لا من حيث الوضع، فسمى إشتراكا لفظيا لاشتراك معنيين في طلب ذلك المتردد بينهما، وذكر غير التبريزى من الاحتمالات المخلة اشتباه الوقف، والابتداء، كقوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7]، وكقوله تعالى:} وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم} [الأنعام: 3]، فالوقف عند قوله:(الله)، والابتداء بقوله تعالى:{في السموات والأرض} ، أي يعلم سركم وجهركم في السموات والأرض، ومن التقديم والتأخير قوله تعالى:{والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 4 - 5]، أي: أحوى غثاء، لأن الأحوى: الشديد الخضرة، والغثاء: ما يحمله السيل، ثم يسود من الماء والشمس.
وأصل الحوة: السواد، ويسمى الأخضر الشديد أحوى لمقاربة السواد.
وكقوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} [النحل: 51]، أي: اثنين إلهين، ومن الاحتمالات اشتباه الإعراب، كقوله عليه السلام:(ذكاة الجنين ذكاة أمه)، روى (زكاة أمه) بالرفع فلا يحتاج إلى ذكاة، وبالنصب فيحتاج، وفيه بحث مذكور في الخلافيات.
ثم قال التبريزي: وأرجع هذه الاحتمالات التخصيص ثم المجاز فإنه اقل؛ وفيه ترك العمل بالحقيقة مطلقا، ثم الإضمار لأنه اعتماد على مجرد القرينة دون اللفظ، ثم الزيادة فإنها إهمال للفظ الموضوع عن الفائدة، ثم التصرف العرفي، والشرعي لأنه نسخ للحقيقة الوضعية، ثم الاشتراك أبعد المراتب، لأنه لا فائدة فيه عند عدم القرينة، ولم يزد التريزي في المسائل العشرة على هذه الكلمات.
وزاد سراج الدين فقال على جوابه على النقل ولقائل أن يقول: اشتهار النقل كيف يزيل نسخ الوضع الأول، ويوقفه على وضع أخر، وقلة وجوده؟ سلمناه لكن التواتر لا يحصل إلا متدرجا، والمفاسد قائمة قبله، ولأنهما إنما يتعارضان في لفظ لا يعلم كونه منقولا ولا مشتركا، نعم لو تعارض لفظ منقول مع أخر مشترك في اثنين مثلا، كان المنقول أولى، لاقتضاء النقل إرادة معين دون الاشتراك، ولا يرد عليه شيء من تلك الوجوه.
مثال المسألة: يقول الحنفي: يجوز للمرأة الرشيدة مباشرة العقد في النكاح على نفسها لقوله تعالى: {أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232].