الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: إذا وقع التعارض بين الاشتراك والمجاز، فالمجاز أولى
؛ ويدل عليه وجهان:
الأول: أن المجاز أكثر الكلام من الاشتراك، ولكثرة أمارة الظن في محل الشك.
الثاني: أن اللفظ الذي له مجاز: إن تجرد من القرينة، حمل على الحقيقة، وإن لم يتجرد عنها، حمل على المجاز؛ فلا يعرى عن تعيين المراد، والمشترك لا يفيد عين المراد عند العراء عن القرينة.
فإن قيل: بل الاشتراك أولى؛ لوجوه:
أحدها أن السامع للمشترك، إن شمع القرينة معه، علم المراد عينا؛ فلا يخطئ، وإن لم يسمه، توقف؛ وحينئذ لا يحصل إلا محذور واحد، وهو الجهل بمراد المتكلم.
أما اللفظ المحمول على المجاز بالقرينة: فقد يسمع اللفظ، ولا تسمع القرينة، وحينئذ يحمل على الحقيقة فيحصل محذوران، أحدهما: الجهل بمراد المتكلم، والأخر: اعتقاد ما ليس بمراد مرادا.
وثانيها: أن اٌشترك يحصل بوضع واحد؛ على ما تقدم بيانه.
وأما المجاز: فيتوقف على وجود الحقيقة، وعلى وجود ما يصلح مجازا، وعلى العلاقة التي لأجلها يحسن جعله مجازا، وعلى تعذر الحمل على الحقيقة، وما يتوقف على شيء واحد أولى مما يتوقف على أشياء.
وثالثها: أن اللفظ المشترك، إذا دل دليل على تعذر أحد مفهوميه، يعلم منه كون الآخر مرادا.
والحقيقة، إذا دل الدليل على تعذر العمل بها، فلا يتعين فيها مجاز يجب حملها عليه.
ورابعها: أن اللفظ المشترك يفيد أن المراد هذا وذاك، ودلالة اللفظ على هذا القدر من المعنى حقيقة لامجاز، والحقيقة راجعة على المجاز؛ فالاشتراك راجح على المجاز.
وخامسها: أن صرف اللفظ إلى المجاز يقتضي نسخ الحقيقة، وحمله على الاشتراك لا يقتضي ذلك، فكان الاشتراك أولى.
وسادسها: أن المخاطب في صورة الاشتراك يبحث عن القرينة؛ لأن بدون القرينة لا يمكنه العمل؛ فيبعد احتمال الخطأ.
أما في صورة المجاز، فقد لا نبحث عن القرينة؛ لأن بدون القرينة يمكنه العمل؛ فينصرف احتمال الخطأ.
سابعها: أن الفهم في صورة الاشتراك يحدث بأدنى القرائن؛ لأن ذلك كاف في الرجحان.
أما في صورة المجاز، فلا يحصل رجحان المجاز إلا بقرينة قوية جدا؛ لأن أصالة الحقيقة لا تترك إلا لقرينة.
والجواب: أن هذه الوجوه معارضة بما ذكرناه في الباب المتقدم من فوائد المجازات.