الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفرحون {] النمل: 35 - 36 [، يقتضي أنها أرسلته حتى جاء؛ لأن الإرسال شرط في مجيئه رسولا.
(سؤال)
هذه إضمارات فما الفرق على هذا التقدير بين الاقتضاء والإضمار؟، مع أن الاقتضاء على هذا التقدير إضمار، وهو من باب تعارض احتمالات الألفاظ عند الإضمار منها، وجعل دلالة الاقتضاء غير الخمسة يقتضي أن الإضمار مباين لدلالة الاقتضاء.
جوابه:] أن الإضمار [المراد هناك هو الذي يصير اللفظ مجازا في التركيب نحو قوله تعالى} واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون {] يوسف: 82 [.
فأتى بضمير أهلها، ومع عدمه يصير اللفظ مجازا في التركيب، وهاهنا لا نضمر شيئا يصير اللفظ مجازا، بل يبقى على ما كان عليه، غير أن اللفظ المنطوق به دل بالالتزام على معان أخر غير المدلولية بالمطابقة.
(فائدة)
الإضمار ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يوجب مجازا في التركيب كما تقدم.
القسم الثاني: لا يوجب مجازا في التركيب، إلا أنه لازم للمعنى المنطوق به، إما شرعا، كما في قوله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين {] المائدة: 6 [.
فإنا نضمر محدثين، وكقوله تعالى:} أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر [فعدةٌ من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، فمن تطوع خيرا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون {] البقرة: 184 [] وإما أن نضمر فأفطرتم بناء على أن الدليل دل على أن القضاء لا يكون إلا مع الإفطار، والوضوء لا يكون إلا بعد الحدث [وإما أن تكون الملازمة عادته كما تقدم في قصة موسى في البحر، وبلقيس في الرسالة.
القسم الثالث: إضمار دل عليه الدليل من غير ملازمة، ولا مجاز في الإفراد، ولا في التركيب، كما في قوله تعالى]} قال: بصرت بما لم يبصروا به [فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها، وكذلك سولت لي نفسي {] طه: 96 [، فإنا نضمر: من أثر حافر فرس الرسول عليه السلام، وليس في العادة، ولا في العقل، ولا في الشرع ما يقتضي ذلك، بل دل الدليل على أن الواقع كان كذلك.
فهذه القاعدة تظهر أن دلالة الاقتضاء قد تكون إضمارا كما في (محدثين)، و (أفطرتم).
وقد لا تكون، بل يكتفى بدلالة الالتزام، كما في قول السيد للعبد: اصعد السطح، فإنه لم يضمر شيئا، غير أن لفظه دل بالالتزام على معنى غير المنطوق كما تقول: دل اللفظ بالالتزام على إيجاب الشيء، والأمر على
تحريم جميع أضداده، وفي تحريم الشيء على الأمر بأحد أضداده من غير إضمار، ويكون ضابط دلالة الاقتضاء هو دلالة اللفظ التزاما على ما هو شرط في المنطوق كان بإضمار أم لا، ولا يوجب مجازا في اللفظ.
هذا تحرير اصطلاحهم، والجمع بين إطلاقاتهم، فإنه في مسألة التعارض جعل دلالة الاقتضاء خارجة عن هذا القسم الذي هو الإضمار المجازي.
(سؤال)
ما الفرق بين دلالة الاقتضاء وبين القاعدة الأخرى التي يقولون فيها: إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته ويمكن أن نضمر أمورا، فإنه لا يتعين إضمارها كلها، بل يقتصر منها على فرد، وقعت هذه القاعدة في كتاب (العموم)، وبين المجازات المفردة إذا تعذرت إرادة الحقيقة، وإن تعذرت الفروق أو تفردت فينبغي أن يكون الجميع مجملا عند التساوي، وغير مجمل عند رجحان أحدهما، أو يقال: ليس مجملا مطلقا، ولا يتعين الراجح؛ لأن عمومه لغة، والعموم اللغوي لا يحمل على بعضه لرجحان بعضه، كقول القائل:(من دخل داري فله درهم)، لا يخرج الجهال، أو تتعين الأقارب أو العلماء لرجحانهم، وكل هذا يحتاج للبيان، والإيضاح؛ لأنها قواعد متعددة الوضع، ومختلفة الأحكام، وقليل من الناس من يحققها.
جوابه: لابد هاهنا من استحضار الفرق بين دلالة اللفظ، وبين الدلالة باللفظ، وقد تقدم الفرق بينهما من خمسة عشر وجها.
فإن دلالة الاقتضاء من باب دلالة الالتزام التي هي دلالة اللفظ.
وقولهم: (إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته إلا بإضمار أمور).
معناه يكون اللفظ حقيقة، ويضاف إليه ذلك المضمر، وهذا إن كان لضرورة التصديق، فهذا هو معنى قولهم في كتاب (العموم): المقتضى لا عموم له، كذلك حرره سيف الدين في (الإحكام)، وقيده بهذا القيد.
ومثله قوله عليه] الصلاة [والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ] والنسيان وما استكرهوا عليه [)، فإن الخبر إنما يصدق إذا أضمرنا شيئا آخر؛ لأن الواقع يتعذر رفعه.
وأما الإمام فخر الدين فسوى بين الجميع كما ترى في (المحصول)، وإن كان لا لضرورة التصديق، فهو دلالة الاقتضاء.
وأما المجاز في المفردات إذا دل الدليل على عدم إرادة الحقيقة، فهذا يرجع إلى الدلالة باللفظ لا لدلالة اللفظ، ودلالة الاقتضاء من باب دلالة اللفظ، فافترقت الثلاث قواعد، وظهرت الفروق بينها.
وأما كون الإجمال يعمهما، أو يخصهما، فالإجمال يرجع إلى عدم الدلالة، ودلالة الاقتضاء فيها دلالة الالتزام، فلا إجمال، نعم قد يكون اللفظ
دل بالالتزام على لازم بالنوع غير معين بالشخص، فيكون مجملا بين تلك الأفراد.
وأما المقتضى الذي قالوا فيه: لا عموم له، فإذا استوت الأمور التي بها يحصل بها التصديق، وكل واحد يقوم مقام الآخر على السواء، فهو أيضا مجمل بالقياس إلى تلك الأفراد بخصوصها، ويمكن أن يقال: يثبت واحد منها بالاختيار كالمطلق إذا كان يأتي بكل فرد على البدل، فأي فرد عيناه حصل المقصود به، [إن استوت مع المقصود وإلا بقيت مجملة] نحو شاة من أربعين، وإذا تعذرت الحقيقة، وبقيت المجازات مستوية، فالنقل على أن النص يبقى مجملا، ومتى ترجح أحدهما تعين في الجميع، ولا يعم مع المرجوحية في البعض؛ لأن دلالته ليست لغوية، وإنما هي عقلية، ولم يوجد في العقل ما يوجب شمولها، بخلاف صيغة العموم؛ لأن الوضع اقتضى الشمول، فلا عبرة بالفروق والرجحانات.
تقرير قوله: الشرطية عقلية في قوله عليه الصلاة والسلام: (رفع عن أمتي الخطأ).
معناه: أن العقل دل على أن الواقع لا يصح رفعه، فوجب في العقل مع ضرورة التصديق أن يضمر شيئا آخر يمكن رفعه، وجعل هذا المثال لازما للازم فيه للإفراد؛ لأن هذا الحديث وإن كان جملة مركبة، ففي هذا المركب مفرد، وهو مفهوم الواقع من الخطأ يتعذر رفعه، ومن لوازم تعذر الواقع إضمار أمر يصح رفعه لضرورة التصديق، فينشأ اللزوم فيه عن المفرد، فلذلك مثل به لازم المفرد.
وكذلك قوله: (والله لأعتقن هذا العبد).
مفهوم العتق في هذه الجملة المركبة يتوقف على الملك، فهو لازم لمفرد في المركب.
ثم إن المصنف ذكر لازم المفرد، وقسمه لما هو شرط، ولما هو تابع.
ومثل الشرط بالعقلي، والشرعي، ولم يذكر الباقي، وطلبته في عدة نسخ، فلم أجده، غير أن تاج الدين في (الحاصل) مثله باستعداد الكتابة للإنسان، فإن لفظ إنسان يدل بالمطابقة على الحيوان الناطق، وبالالتزام على أنه كاتب بالقوة، وضاحك بالقوة، وغير ذلك، وهي أمور تابعة لوجود الإنسان.
ومثل لازم المركب المكمل له بقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} [الإسراء: 23]، فإنه يلزم تحريم الضرب، فيحتاج للفرق بين هذا المركب، وبين الحديث في رفع الخطأ، فكلاهما جملة مركبة.
والفرق أن التأفيف بما هو تأفيف ليس فيه ما يقتضي تحريم الضرب، وكذلك التحريم بما هو تحريم إذا تركب التحريم مع التأفيف لزم تحريم الضرب، وأما رفع الخطأ ففي ذلك المركب مفرد وهو مفهوم الواقع يلزمه تعذر الارتفاع كما تقدم تقريره.
وقوله: عند من لا يثبته بالقياس؛ لأن المثبت لتحريم الضرب بالقياس، يقول: اللفظ لا يدل عليه ألبتة، فلا تتحقق دلالة الالتزام، ونحن إنما نتكلم فيها.
وقوله: إن قوله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} الآية [البقرة: 187].
وجعله لازما ثبوتيا؛ لأنه صحة الصوم، والصحة ثبوتية، واللازم العدمي جعله مفهوم المخالفة، ويتعين أن نخصصه بما إذا كان المنطوق به ثبوتيا، كما في حديث الساعة، أما لو انعكس الحال كما في قوله تعالى:{ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} [المؤمنون: 117] فإن مفهومه أن غير الكافرين يفلح، وهو لازم ثبوتي؛ لأن المفهوم أبدا هو نقيض المنطوق، فإن كان المنطوق ثبوتيا كان المفهوم عدميا، أو بالعكس فبالعكس، وهذه كلها لوازم للمركبات؛ لأن المركبات ليس فيها مفرد نشأ عنه اللزوم، كما تقدم تقريره في رفع الخطأ وهو موضوع غامض؛ لأنها كلها جمل مركبة، ويقول السائل: الرفع بما هو رفع لا يلزم منه إضمار، والخطأ بما هو خطأ لا يلزم منه إضمار، فما نشأ اللزوم إلا عن المركب، فلا يجد المستدل جوابا إن لم يلاحظ ما ذكرته لك من أن المركب اشتمل على مفهوم [مفرد] من حيث المعنى، وهو مفهوم الواقع وهذا المفرد هو منشأ اللزوم، وهذا التقسيم كله في دلالة اللفظ لا في الدلالة باللفظ الذي هو مفهوم المخالفة وغيره، وهاهنا مثل آخر أوضح ما في الكتاب، وأظهر دلالة، وها أنا ذاكرها؛ ليتضح الموضع اتضاحا جيدا، ويحصل فوائد أيضا في تلك المثل.
فلازم المركب له صور:
أحدها: قوله عليه الصلاة والسلام [في الحديث القدسي]: يقول الله تعالى: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي
بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا ما أريد).
والتردد على الله محال، لأنه نقيض العزائم التي لا تكون إلا من حادث؛ لأنها نشأت عن الجهل بالعواقب، فإذا ظهرت رجع عما عزم عليه أولا.
فقال العلماء: هذا المركب عبر به عن لازمه مجازا.
وتقريره: أن التردد في المساءة في العادة إنما يكون في حق من عظم قدره عند المتردد، كما إذا أراد أن يضرب ولده، فإنه يتردد في ذلك هل يصادف وجه المصلحة أم لا؟
أما إذا أراد قتل عقرب، أو حية، أو ما ليس له عنده قدر، فإنه يبادر لذلك من غير تردد، فصار عظم القدر لازما لمن يتردد في مساءته، فعبر هاهنا بالتردد عن لازمه الذي هو عظم القدر، فيصير معنى الكلام: المؤمن عظيم القدر عندي، أو ليس عندي أعظم قدرا من المؤمن، ويؤول فهم العقل إلى فهم هذا اللازم من هذا المركب.
وثانيها: قوله عليه [الصلاة] والسلام: (وددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل).
مع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم يعلم أن قتله كفر، فكيف يتمنى الكفر، فإذا تقرر هذا المعنى عند المعقل، فيقول: لهذا الكلام لازم، وهو الشهادة.
فيكون معنى الكلام: تمني الشهادة التي هي لازمة لهذا المركب؛ لما يتعذر حمله على المركب نفسه.
وثالثها: قوله تعالى حكاية عن هابيل وقابيل: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك، فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين} [المائدة: 29].
قال العلماء: كيف يليق بهابيل أن يتمنى حصول الإثم بسبب القتل؟ والقتل من الكبائر، وتمني الكبيرة حرام، مع أن الله -تعالى- حكاه عنهما لنتجنب فعل قابيل، ونتأسى بهابيل، وهذه فائدة نقل قصص من قبلنا إلينا، فتعين حمل هذا المركب على لازمه، وهو إرادة السلامة من قتل أخيه، فإنه لا يسلم من ذلك إلا لأن يترك أخاه لا يقاتله، ومتى تركه قتله، فصار هذا المركب له لازما يؤول العقل إلى فهمه من هذا المركب.
فإن قلت: هذه مجازات عن المركبات، والمجاز من الدلالة باللفظ، لا من دلالة اللفظ، ودلالة الالتزام من دلالة اللفظ فليس هذه المثل بمطابقة.
قلت: وكذلك (رفع عن أمتي الخطأ) لما تعذر حمله على حقيقة المركب حملناه على لازمه، وهذا هو عين المجاز، فالسؤال مشترك.
والجواب المحقق عن ذلك في الكل، أنه قد اجتمع دلالة اللفظ، والدلالة باللفظ في هذه المثل كلها؛ لأن هذه التعذرات في حمل اللفظ على حقيقته أوجبت اعتقاد أن المتكلم ما أراد إلا لازم المركب، لا نفس المركب [وهذا هو الدلالة باللفظ؛ ولأن هذه لوازم في نفس الأمر تفهم عند المركب بسبب هذه التعذرات، وهذا هو دلالة اللفظ فهما معا مجتمعان ثم الملازمة قد تحصل] بين المفرد والمركب، وبعض اللوازم لجوهر المركب نحو: علم
زيد الخير والشر، فمن لوازمه لذاته أنه حي وقد لا يكون لذات المركب، بل الأدلة الخارجية وقرائن الأحوال، واتفاق بعض الأسباب، كما يتفق أن يقدم علينا زيد مع عمرو، فينبغي متى تصورنا زيدا تصورنا عمرا؛ لأنه قارنه في قدومه علينا، ومتى حصلت الملازمة بأحد هذه الأمور حصلت دلالة اللفظ، فإن دل دليل على أن المتكلم استعمل اللفظ في ذلك اللازم، حصل أيضا الدلالة باللفظ، فقد يجتمعان، وقد لا يجتمعان بحسب ما تقتضيه الأدلة، فتأمل ذلك؛ فإن السؤال الذي أوردته يشوش عليك مثل الكتاب، وينتقل البحث من دلالة الالتزام إلى باب المجاز والحقيقة، فيفسد التمثيل إلا أن تلاحظ ما ذكرته لك في الجواب.
(تنبيه)
قال التبريزي: دلالة الالتزام تنقسم إلى ما اقتضاه ثبوت الملفوظ، وإلى ما اقتضاه التصديق.
فالأول كحديث: (رفع عن أمتي الخطأ)، وكقوله عليه [الصلاة] والسلام:(لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) عند من لا يثبت الأسامي الشرعية.
وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23]، {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم، وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق} [المائدة: 3]، وهو يرجع إلى صرف اللفظ عن مقتضى الوضع إلى المجاز لقرينة العرف، أو لتعذر الحمل على الحقيقة، لكن العلماء أفردوا هذا التقسيم بلقب آخر لاقتران القرينة بجنسه.