الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22]، والعقد محرم؛ فكان مرادا؛ لأن الإجماع، أو الدليل عينه.
(تنبيه)
قوله تعالى: {إني أراني أعصر خمرا} [يوسف: 36] دخله مجاز التركيب
أيضا؛ فإن لفظ العصر لم يوضع ليركب مع المائعات من الخمر وغيرها، بل مع الجامد الذي فيه رطوبة، فلما ركب مع لفظ الخمر كان على خلاف الوضع الأول، فكان من مجاز التركيب.
(تنبيه)
لا يتعين المجاز في الاثنين، ولا في كل موضع فيه إطلاق اسم السبب الغائي على المسبب أنه من باب إطلاق السبب على المسبب، بل يصح أن يكون من باب إطلاق المسبب على السبب عكس ما قال؛ لأن السبب الغائي مسبب في الأعيان؛ وسبب في الأذهان على ما سيأتي تقريره، فيصح فيه الوجهان لوجود العلاقتين.
قوله: (وثانيها: إطلاق اسم المسبب على السبب كتسميتهم المرض الشديد بالموت، والمذلة العظيمة بالموت).
معناه: أنهما مسببان فيه في العادة في بعض الأحوال.
قوله: (ويحتمل أن يكون من باب المشابهة).
أي: أنهما تشابها في أن كل واحد منهما فيه مؤلمات وشدائد.
قوله: (العلة الغائية حال كونها ذهنية علة العلل، وخارجية معلولة العلل).
معناه: أن الإنسان أول ما يتصور سترة البيت وإيواءه، فيبعثه ذلك على
تحصيل السبب المادي وهو اللبن وغيره، والسبب الفاعل وهو البناء، والصوري وهو تشكيل البيت على وجه تحصل السترة بالبيت في الخارج، وحينئذ إذا فرعت الأسباب الثلاثة، حصلت السترة بالبيت في الخارج، فهي مترتبة على الثلاثة، فهي مسببة عنها، وهى الباعثة عليها، حال كونها في الذهن، فهي سبب في الذهن، ومسبب في المخارج.
قوله: (نقل السبب إلى المسبب أحسن من العكس).
لأن السبب المعين يقتضى المسبب المعين لذاته، بخلاف المسبب.
مثاله في الشرعيات: وجوب الوضوء له أسباب عديدة، فإذا قيل لك: زيد لامس، تقول: وجب عليه الوضوء، فإذا قيل لك: وجب عليه الوضوء، لا تقول: لامس، بل تقول: حصل منه سبب يقتضى ذلك، فتشير إلى نوع السبب، لا إلى عين مسبب معين، وفي المسبب تشير إلى عين السبب، وكذلك الغسل، والحدود، وغيرها من الشرعيات.
ومثاله من العقليات: أن الحصول في الحيز المعين بعد أن كان في غيره له سببان: الحركة إليه، والثاني: أن يعدمه الله- تعالى- من ذلك الحيز، ويوجده في هذا الحيز.
فإذا قيل لك: انه قد تحرك إليه.
قلت: حصل هو في ذلك الحيز.
أما إذا قيل لك: هو في ذلك الحيز.
تقول: الغالب أنه تحرك، ولا تجزم قطعا بالحركة، كما تجزم في الأول، بل يجوز ترتبه على كل واحد من السببين.
فإن قلت: هذا لا يطرد، أما في الشرعيات؛ فلأن جلد المائة لا يكون إلا عن زنا، وأخذ الجزية لا يكون إلا عن الكفر، وهو كثير، وأما في
العقليات فلأن العالمية لا تكون إلا عن العلم، وكذلك القادرية لا تكون إلا عن القدرة، وكذلك بقية أحكام المعاني.
قلت: معنى قولنا: أن المسبب يقتضى نوع السبب لا عينه، أي: لا ذاته ما لم يعرض له عارض من خارج من خصوص مادة، أو غير ذلك.
وأما بالنظر إلى ذاته فلا، ولا تناقض بين عدم اقتضائه لذاته من غير سبب، وبين حصول الاقتضاء لأمر خارجي، بخلاف السبب، فإنه لذاته يقتضى عين المسبب، وذلك كافه في الترجيح.
قوله: (وهذا القسم هو المستعار).
للعلماء في المستعار مذهبان:
قيل: كل مجاز مستعار؛ لأن اللفظ إذا وضع لمعنى استحقه بسبب الوضع، فاستعماله في غيره يكون على وجه العارية، فيكون كل مجاز مستعارا.
وقيل: المستعار أخص من المجاز، وهو أحد أنواع المجاز، وهو ما كانت العلاقة فيه مشابهة خاصة.
قوله: (تسمية الشيء باسم ضده كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها})[الشورى: 40].
تقريره: أن القاعدة: أن من له عرف في لفظ، فإنما يحمل لفظه على عرفه، والشرع له عرف في السيئة أنها: الذنب المحرم، بخلاف اللغة هي: ما يسوء وإن كان واجبا.
إذا تقررت هذه القاعدة قلنا:
(قاعدة أخرى)
وهى أن الأحكام الشرعية أضداد لا يجتمع منها اثنان في شيء واحد باعتبار
واحد، والجناية محرمة، والعقوبة مباحة، والتحريم ضد الإباحة، والتحريم هو السيئة في عرف الشرع، فتسمية القصاص سيئة إطلاق لأحد الضدين على الآخر، وفي هذه الآية ونحوها أربعة طرق، يحتمل أن اللفظ حقيقة فيها تغليبا للغة؛ لأن القصاص يسوء الجاني، كما ساءت الجناية المجني عليه، وإذا قلنا: إنه مجاز فثلاثة طرق ما تقدم، ومن مجاز التشبيه كما قرره في الكتاب، ومن باب إطلاق لفظ السبب على المسبب؛ لأن الجناية سبب العقوبة.
قوله: (تسمية الجزء باسم الكل كإطلاق اللفظ العام، ويراد الخاص).
قلنا: صيغ العموم ليس مدلولها كلا بل كلية، وقد تقدم الفرق بينهما أن الكل هو المجموع، والكلية هي القضاء على واحد واحد بحيث لا يبقى واحد، وأن مدلول العموم لو كان الكل لتعذر الاستدلال به في النفي والنهى على ثبوت حكمه بجزء من جزئياته، فإنه لا يلزم من النهى عن المجموع النهى عن فرد معين منه، وكذلك النفي، لا يلزم من نفي المجموع نفي أجزائه كلها، فإذا قلنا: لا يقتل مجموع النفوس جاز قتل الألف منه، فإذا كان هذا هو مدلول قوله تعالى:(ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)[الإسراء: 33]، فيجوز قتل كل من على وجه الأرض، ولا يعصى لبقاء بعض آخر، وهو الماضي؛ أو المستقبل من النفوس ويكون قولنا: لا رجل في الدار معناه: ليس المجموع في الدار، فيجوز أن يكون في الدار آلاف، إذا تقرر أن مدلول العموم كلية لا كل لا يكون الخصوص جزءا، فلا يكون إطلاق العموم لإرادة الخصوص من باب إطلاق لفظ الكل على الجزء، بل ذلك كقوله- عليه السلام حكاية عن الله تعالى:(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين).
والمراد: قراءة الفاتحة التي هي جزء الصلاة، وكذلك قوله عليه السلام (فصلى الظهر حين زالت الشمس).
والظهر اسم لمجموع الركعات الأربع، فلو صلاها كلها عد الزوال، لكان قد شرع فيها قبل الزوال، فيتعين أنه أراد بلفظ الظهر جزءها، وهو افتتاحها.
قوله: (تسمية الكل باسم الجزء، كما يقال للزنجي: إنه أسود).
معناه: أن الأسود بعضه، وهو جلده دون أسنانه وعينيه، ويرد عليه أن المحمول على الشيء لا يقتضى أن يكون ثابتا لكله، كما تقول للرجل. إنه أبخر، وأشهل، وأعرج، وأحدب، وإنما ذلك في بعض أعضائه، وذلك الإطلاق حقيقة، فكذلك قولنا: انه أسود إنما حمل على الزنجي، وإذا كان الحمل اعم مما ثبت للكل أو البعض، والأعم لا يستلزم الأخص، فلا بد من دليل يدل على أن هذا المحمول من قبيل ما يكون المحمول فيه ثابتا للكل، وحينئذ يلزم المجاز، وإلا فلا، وتمييز ذلك بالضوابط عسر جدا.
قوله: (الجزء يلازم الكل دون عكس).
معناه: أنه متى وجد الكل وجد الجزء من غير عكس، فقوله: يلازم معناه لازم.
قوله: (تسمية إمكان الشيء باسم وجوده)
الإمكان هو: القبول.
ومراده بوجوده: وجود المقبول، وهذه العبارة فيها مناقشة؛ لأنا إذا قلنا
الخمر إنها مسكرة لم يطلق هذا الاسم على القبول، بل على المحل الذي ثبت له القبول، ولا بد من ملاحظة قاعدة في هذا المثال، وهى: أن الأوصاف إنما تصدق حقيقة في الحال دون الاستقبال، كما تقدم في إطلاق المشتق على المحل، فعلى هذا مسكر لا يصدق إلا على الخمر الذي شرب وسيطر على الدماغ حتى حصل منه تغطية العقل، ولا يصدق على الماء أنه يروى حتى يشرب ويزيل العطش، وأما قبل ذلك فمجاز، وكان حق العبارة أن يقول: تسمية الشيء بما هو قابل له.
قوله: (إطلاق المشتق بعد زوال المشتق منه).
هذا على غير مذهب ابن سينا كما تقام أول الكتاب.
قوله: (مجاز المجاورة: نقل اسم الراوية من الحمل إلى ما يحمل عليه من ظرف الماء، وتسمية الشراب بالكأس).
أما الراوية: فقد تقدم أنها مبالغة في اسم الفاعل، فمن كثرت روايته للحديث سمى راوية، ومن كثرت معرفته للأنساب سمى نسابة، وعلى هذه الطريقة، وهذا المعنى يقتضى أن يكون الذي يستحق هذا اللفظ بأصل الوضع هو الماء؛ لأنه هو الذي يكثر إرواؤه، وهو فاعل الري في مجرى العادة، ويكون إطلاقه على الحمل والمزادة مجازا من باب مجاز المجاورة.
وأما الحمل فلا يفعل الري، حتى يستحق اسم الفاعل من الري فتبنى له صيغة المبالغة.
وأما الكأس فالمشهور في النقل أنه: الزجاجة إذا وضع فيها الشراب سميت كأسا، إلا سميت زجاجة، وكذلك الخوان لا يسمى بذلك إلا إذا كان عليه الطعام قاله الثعالبي في:(فقه اللغة)، ونقل غيره أن الكأس من أسماء الخمر نفسه من غير ظرف هي فيه.
قال ومنه قوله تعالى {يتنازعون فيها كأسا} [الطور: 23]، أي: خمرا: (لا لغو فيها ولا تأثيم)[الطور: 27]، فعلى هذا النقل الأول يكون تسمية الشراب بالكأس من باب تسمية الجزء باسم الكل؛ لأن الكأس اسم للمجموع، كالحلة اسم لمجموع الثوبين، على النقل الثاني يكون اللفظ فيها حقيقة، ويكون إطلاق الكأس على القدح مجازا من باب إطلاق المسبب على السبب المادي، أو من مجاز المجاورة.
قوله: وعاشرها المجاز بسبب أن أهل العرف تركوا استعمال ما كانوا يستعملونه فيه كالدابة إذا استعملت في الحمار عليه سؤالان:
(السؤال الأول)
أن البحث في هذه المسألة من أولها إلى هاهنا في أنواع العلاقة الموجبة لصحة المجاز، وترك أهل العرف ليس من العلاقة في شيء، فجعله أحد أنواع العلاقة غير معقول، بل هذا نوع من أنواع المنقول عنه؛ لأن المنقول عنه، قد يكون موضوعا لغة، أو عرفا، أو شرعا، أما من أنواع العلاقات فلا، فجعله من أنواع العلاقة لا معنى له.
(السؤال الثاني)
إن إطلاق الدابة على الحمار حقيقة عرفية؛ لأن اللفظ في العرف نقل إلى الحمار في الديار المصرية، غير أن المصنف مثل باعتبار عرف (العراق)، أن لفظ الدابة نقل للفرس، فعلى هذا استعمال لفظ الدابة باعتبار عرفهم يكون تركا للحقيقة العرفية.
قوله: (فإن قلت: لفظ الدابة إما أن يكون مجازا من حيث صار مستعملا في الفرس وحده، أو من حيث منع من استعماله في غيره، والأول من باب إطلاق اسم العام على الخاص، فلا يكون قسما آخر).
يقتضى كلامه هذا أمرين يندفع بهما إشكالان:
أحدهما: أنه أراد بالعام والخاص فيما تقدم المعنى العام لا اللفظ العام، وعلى هذا يصدق، ثم إن الخاص كل والعام جزء، فإن الحيوان الأعم جزء الإنسان الأخص 0 وكذلك كل أعم مع أخصه، ولذلك قال هاهنا:(فلا يكون هذا قسما آخر) دل على أنه تقدم، ولم يتقدم له إلا هذا المثال من هذه الصيغة، وهذه المادة، غير أن ما ورد عليه ئمت من أن صيغة العموم كلية لا كل يرد عليه سؤال آخر، وهو أنا إذا حملنا كلامه ئمت على أنه أراد العموم المعنوي لا اللفظي انعكس الحال عليه في التمثيل؛ لأنه جعله لإطلاق اسم الكل على اسم الجزء، والعام ليس هو كل الخاص، بل جزء الخاص كل؛ لأن الخاص مركب من العام، وزيادة الفصل، وإن لم يكن هذا مراده بطل قوله: لا يكون هذا قسما آخر؛ لأنه حينئذ لم يتقدم له ذكر.
والأمر الثاني: المستفاد من كلامه هاهنا أن مراده بقوله: المجاز مسبب أن أهل العرف تركوا استعماله في الذي كانوا يستعملونه فيه، أن أهل العرف تركوا المعنى العام الذي هو مطلق الدابة، وجعلوا اللفظ لبعض أنواعه الذي هو الفرس أو الحمار، لا أنهم تركوا الحقيقة العرفية بل اللغوية، ولو لم يكن هذا مراده لما كان لقوله: فإن قلت: اللفظ إما أن يكون مجازا من حيث هو مستعمل في الفرس وحده، السؤال إلى آخره معنى، بل إنما يتجه السؤال إذا كان المصنف ادعى هذا المجاز الذي ردد فيه السائل، غير أن جوابه يبطل ذلك.
قوله: (والثاني باطل؛ لأن المجارية كيفية عارفة للفظة من جهة دلالتها على المعنى لا من جهة عدم دلالتها على الغير).
تقريره. أن الجاز لا يتصور بدون الاستعمال؛ لأن حده اقتضى ذلك، حيث قلنا: هو اللفظة المستعملة في غير ما وضع له لعلاقة بينهما، والمهجور