الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبي سُفيانَ، عن جابِر قال: كُنتُ أَميحُ
(1)
أصحابِي الماءَ يومَ بَدرٍ
(2)
. وفِي رِوايَةِ أحمدَ: كُنتُ أسقِي.
بابُ مَن لَيسَ لِلإِمامِ أن يَغزوَ به بحالٍ
أخبرَنا أبو سعيدِ بن أبي عمرٍو، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، أخبرَنا الرَّبيعُ بن سُلَيمانَ قال: قال الشّافِعِيُّ رحمه الله: غَزا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فغَزا مَعَه بَعضُ مَن يُعرَفُ نِفاقُه، فانخَزَلَ عنه يَومَ أُحُدٍ بثَلاثِمائَةٍ
(3)
.
قال الشَّيخُ رحمه الله: هو بَيِّنٌ في المَغازِي.
17917 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباسِ محمدُ بن يَعقوبَ، حدثنا أحمدُ بن عبد الجَبَّار، حدثنا يونُسُ بن بُكَيرٍ، عن ابنِ إسحاقَ قال: فحَدَّثَنِي ابنُ شِهابٍ الزُّهرِيُّ وعاصِمُ بن عُمَرَ بنِ قَتادَةَ ومُحَمدُ بن يَحيَى بنِ حَبَّانَ وغَيرُهُم مِن عُلَمائنا عن يَومِ أُحُدٍ. فذَكَرَ القِصَّةَ؛ قال فيها: خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ألفِ رَجُلٍ مِن أصحابِه، حَتَّى إذا كان بالشَّوطِ
(4)
بَينَ
(1)
في م: "أمنح". وأميح: مضارع ماح ميحا، إذا نزل في ماء قليل فملأ الدلو بيده. النهاية 4/ 827.
(2)
أبو داود (2731)، وسعيد بن منصور (2466). وأخرجه ابن أبي شيبة (37669) عن أبي معاوية به.
وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1480) من طريق الأعمش به بنحوه. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2371).
(3)
الأم 4/ 166.
(4)
الشوط: بستان من بساتين المدينة عند جبل أحد، ومكانه بين وادي قناة وبين المدينة من شرقي السبخة، ومن أسفل الحرة الشرقية، وهناك كان يجري سباق الخيل. ولم يعد الاسم معروفًا اليوم. ينظر معجم البلدان 3/ 335، والتاج 19/ 428 (ش و ط)، والمعالم الجغرافية ص 171.
المَدينَةِ وأُحُدٍ انخَزَلَ عنه عبدُ اللهِ بن أُبَيٍّ المُنافِقُ بثُلُثِ النّاس، فرَجَعَ بمَنِ اتَّبَعَه مِن قَومِه مِن أهلِ الرّيْبِ والنِّفاقِ
(1)
.
17918 -
وأخبرَنا أبو الحُسَينِ بنُ الفَضلِ القَطّانُ، أخبرَنا أبو بكرٍ محمدُ بن عبد اللهِ بنِ أحمدَ بنِ عَتّابٍ، حدثنا القاسِمُ بن عبد اللهِ بنِ المُغيرَة، أخبرَنا إسماعيلُ بن أبي أوَيسٍ، حدثنا إسماعيلُ بن إبراهيمَ بنِ عُقبَةَ، [عن عَمِّه موسَى بنِ عُقبَةَ]
(2)
في قِصَّةِ أُحُدٍ قال: فرجَعَ عنه عبدُ اللهِ بن أُبَيُّ ابنُ سَلولَ في ثَلاثِمائَةٍ، وبَقِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سَبعِمائَةٍ
(3)
.
17919 -
وأخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، أخبرَنا أبو جَعفَرٍ البَغدادِيُّ، حدثنا أبو عُلاثَةَ، حدثنا أبي، حدثنا ابنُ لَهيعَةَ، عن أبي الأسوَد، عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: فمَضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ أُحُدًا، ورَجَعَ عنه عبدُ اللهِ بن أُبيٍّ في ثَلاثِمائَةٍ، وبَقِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَبعِمائَةٍ
(4)
.
17920 -
أخبرَنا أبو عليٍّ الرُّوذْبارِيُّ، أخبرَنا أبو محمدٍ عبدُ اللهِ بن عُمَرَ بنِ شَوذَبٍ الواسِطيُّ بها، حدثنا أحمدُ بن سِنانٍ، حدثنا وهبُ بن جَريرٍ، حدثنا شُعبَةُ (ح) وأخبرَنا أبو الحَسَنِ عليُّ بن أحمدَ بنِ عبدانَ، أخبرَنا أحمدُ بنُ عُبَيدٍ الصفّارُ، حدثنا أبو مُسلِمٍ، حدثنا سُلَيمانُ بن حَربٍ، حدثنا شُعبَةُ،
(1)
ابن إسحاق في السيرة (503)، ومن طريقه ابن جرير في تفسيره 6/ 222.
(2)
سقط من: م.
(3)
المصنف في الدلائل 3/ 206 - 208.
(4)
تقدم في (13409).
عن عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ، عن عبد الله بنِ يَزيدَ قال: سَمِعتُ زَيدَ بنَ ثابِتٍ قال: لما خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أُحُدٍ رَجَعَ قَوم مِنَ الطَّريقِ، فكانَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيهِم فِرقَتَينِ؛ فِرقَةٌ تَقولُ: نَقتُلُهُم. وفِرقَةٌ تَقولُ: لا نَقتُلُهُم. فأَنزَلَ اللهُ عز وجل {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}
(1)
[النساء: 88]. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن سُلَيمانَ بنِ حَربٍ، وأَخرَجَه مسلمٌ مِن وجهٍ آخَرَ عن شُعبَةَ
(2)
.
قال الشّافِعِيُّ: ثُمَّ شَهِدوا مَعَه يَومَ الخَندَق، فتَكَلَّموا بما حَكى اللهُ عز وجل مِن قَولِهِم:{مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}
(3)
[الأحزاب: 12].
قال الشَّيخُ: هو بَيِّنٌ في المَغازِي عن موسَى بنِ عُقبَةَ ومُحَمدِ بنِ إسحاقَ بنِ يَسار وغَيرِهِما، قال موسَى بن عُقبَةَ بالإسنادِ الذِي تَقَدَّمَ في قِصَّةِ الخَندَق: فلَمّا اشتَدَّ البَلاءُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابِه نافَقَ ناسٌ كَثيرٌ، وتكلَّموا بكَلامٍ قَبيحٍ، فلَمّا رأَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما فيه النّاسُ مِنَ البَلاءِ والكَربِ جَعَلَ يُبَشِّرُهُم ويَقولُ:"والذي نَفسِي بيَدِه لَيُفَرَّجَنَّ عَنكُم ما تَرَونَ مِنَ الشِّدةِ والبَلاء، فإِنِّي لأرجو أن أطوفَ بالبَيتِ العَتيقِ آمِنًا، وأَن يَدفَعَ اللهُ عز وجل إلَيَّ مَفاتيحَ الكَعبَةِ، ولَيُهلِكَنَّ اللهُ كِسرَى وقَيصَرَ، ولَتُنفَقَنَّ كُنوزُهُما في سَبيلِ الله". فقالَ رَجُلٌ مِمَّن مَعَه لأصحابِه: ألا تَعجَبونَ مِن محمدٍ؟! يَعِدُنا أن نَطوفَ بالبَيتِ العَتيق، وأَن
(1)
أخرجه عبد بن حميد (242) عن سليمان بن حرب به. وأحمد (21599، 21630)، والترمذي (3028)، والنسائي في الكبرى (11113) من طريق شعبة به.
(2)
البخاري (1884)، ومسلم (2776/ 6).
(3)
الأم 4/ 166.
نَقسِمَ كُنوزَ فارِسَ والرّوم، ونَحنُ ههنا لا يأمَنُ أحَدُنا أن يَذهَبَ إلَى الغائطِ، واللهِ لَما يَعِدُنا إلَّا غُرورًا. وقالَ آخَرونَ ممَّن مَعَه: ائذَنْ لَنا، فإِنَّ بُيوتَنا عَورَةٌ. وقالَ آخَرونَ: يا أهلَ يَثرِبَ، لا مُقامَ لَكُم فارجِعوا. وسَمَّى ابنُ إسحاقَ القائلَ الأوَّلَ مُعَتِّبَ بنَ قُشَيرٍ، والقائلَ الثانِيَ أوسَ بنَ قَيظيٍّ.
17921 -
وأخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، أخبرَنا أبو جَعفَرٍ البَغدادِي، حدثنا أبو عُلاثَةَ
(1)
، حدثنا أبي، حدثنا ابنُ لَهيعَةَ، عن أبي الأسوَد، عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: فلَمّا اشتَدَّ البَلاءُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأَصحابِه. فذَكَرَ هذه القِصَّةَ مِثلَ قَولِ موسَى بنِ عُقبَةَ، إلَّا أنَّه قال في آخِرِها: وقالَ رِجالٌ مِنهُم يُخَذِّلونَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: يا أهلَ يَثرِبَ، لا مُقامَ لَكُم فارجِعوا
(2)
.
قال الشّافِعِيُّ: ثُمَّ غَزا بَنِي المُصطَلِق، فشهِدَها مَعَه مِنهُم عَدَدٌ، فتَكَلَّموا بما حَكَى اللهُ مِن قَولِهِم:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} وغَيرِ ذَلِكَ مما حَكَى اللهُ مِن نِفاقِهِم
(3)
.
17922 -
أخبرَنا أبو عليٍّ الرُّوذْبارِيُّ، حدثنا أبو بكرٍ محمدُ بن أحمدَ بنِ مَحمُويَه العَسكَرِيُّ، حدثنا جَعفَرُ بن محمدٍ القَلانِسِيُّ، حدثنا آدَمُ بن أبي إياسٍ، حدثنا شُعبَةُ، عن الحَكَمِ قال: سَمِعتُ محمدَ بنَ كَعبٍ القُرَظيَّ يقولُ: سَمِعتُ زَيدَ بنَ أرقَمَ يَقولُ: لما قال عبدُ اللهِ بن أُبَيٍّ: لا تُنفِقوا على
(1)
إلى هنا ينتهى الخرم من المخطوطة (س) والذي بدأ في نهاية حديث رقم (17873).
(2)
تقدم في (13409).
(3)
الأم 4/ 166.
مَن عِندَ رسولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضّوا. وقالَ أيضًا: لَئن رَجَعنا إلَى المَدينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ. أخبَرتُ بذَلِكَ
(1)
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [فلامَتنِي الأنصارُ، وحَلَفَ عبدُ اللهِ بن أُبَيٍّ ما قال ذَلِكَ، فرَجَعتُ إلَى المَنزِلِ فنِمتُ، فأَتاني رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]
(2)
فأَتَيتُه فقالَ: "إنَّ اللهَ صَدَّقَكَ وعَذَرَكَ". ونَزَلَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} الآيَة
(3)
[المنافقون: 7]. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن آدَمَ بنِ أبي إياسٍ
(4)
.
17923 -
أخبرَنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرَنِي عبدُ اللهِ بن محمدٍ الكَعبِيُّ، حدثنا محمدُ بن أيّوبَ، أخبرَنا عليُّ بن المَدينِيّ، حدثنا سفيان قال: قال عمرو: سَمِعتُ جابِرَ بنَ عبد اللهِ يقولُ: كُنا في غَزاةٍ - وقالَ سفيانُ مَرَّةً أخرَى: كُنّا في جَيشٍ - فكَسَعَ
(5)
رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرينَ رَجُلًا مِنَ الأنصارِ فقال
(6)
: "دَعوها فإنَّها مُنتِنةٌ". فسمعَ ذَلِكَ [عبدُ الله]
(7)
فقالَ: قَد فعَلوها! أمَا
(1)
بعده في م: "عن".
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه أحمد (19285، 19295)، والترمذي (3314)، والنسائي في الكبرى (11597) من طريق شعبة به. وتقدم في (16922).
(4)
البخاري (4902).
(5)
كسعت الرجل: إذا ضربت مؤخره فاكتسع، أي: سقط على قفاه. إكمال المعلم 8/ 26.
(6)
كذا في النسخ والمهذب 7/ 3543، وضبب على هذا الموضع في نسخة الأصل، وكذا ضبب عليها في المهذب، وكتب في حاشية الأصل:"تمامه وقد حذفه للاختصار: فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟! ". قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار. فقال".
(7)
في م: "رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي الحاشية: "كذا، وهو غلط عجيب قبيح، والصَّواب: فسمع =
واللهِ لَئن رَجَعنا إلَى المَدينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ مِنها الأذَلَّ. فبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
: "دَعْه؛ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أن محمدًا يَقتُلُ أصحابَه". قال: وكانَتِ الأنصارُ أكثَرَ مِنَ المُهاجِرينَ حينَ قَدِموا المَدينَةَ، ثُمَّ إنَّ المُهاجِرينَ كَثُروا بَعدُ
(2)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن عليٍّ بنِ عبد الله، ورَواه مسلم عن أبي بكرِ بنِ أبي شيبَةَ وجَماعَةٍ عن ابنِ عُيَينَةَ
(3)
.
ورُوّينا عن ابنِ إسحاقَ بالإسنادِ الَّذِي تَقَدَّمَ أن ذَلِكَ كان في غَزوَةِ بَنِي المُصطَلِقِ
(4)
، وكَذَلِكَ عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ
(5)
.
قال الشّافِعِيُّ: ثُمَّ غَزا غَزوَةَ تَبوكَ، فشَهِدَها مَعَه مِنهُم قَومٌ نَفَّروا به ليلَةَ العَقَبَةِ ليَقتُلوه، فوَقاه اللهُ شَرَّهُم
(6)
.
قال الشَّيخُ رحمه الله: هو بَيِّنٌ في المَغازِي:
17924 -
أخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو العباس، حدثنا أحمدُ بنُ عبد الجَبّار، حدثنا يونُسُ بن بُكَيرٍ، عن ابنِ إسحاقَ في قِصَّةِ تَبوكَ قال:
= بذلك عبد الله بن أبي. كما في صحيح البخاري".
(1)
كذا في النسخ، وكتب في حاشية الأصل:"تمامه وحذفه أيضًا: فقام عمر فقال: يا رسول الله دَعْني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
أخرجه أحمد (15223)، والترمذي (3315)، والنسائي في الكبرى (8863، 10813، 11599)، و ابن حبان (5990، 6582) من طريق سفيان به.
(3)
البخاري (4905)، ومسلم (2584/ 63).
(4)
ابن إسحاق - كما في سيرة ابن هشام 2/ 290، 291.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (37834) من طريق عروة به.
(6)
الأم 4/ 166.
فلَمَّا بَلَغَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الثَّنيَّةَ نادَى مُنادِي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أن خُذوا بَطنَ الوادِي، فهو أوسَعُ عَلَيكُم، فإِنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد أخَذَ الثَّنيَّةَ، وكانَ مَعَه حُذَيفَةُ بن اليَمانِ وعَمَّارُ بن ياسِرٍ رضي الله عنهما، وكَرِهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُزاحِمَه في الثَّنيَّةِ أحَدٌ، فسَمِعَه ناسٌ مِنَ المُنافِقينَ فتَخَلَّفوا، ثُمَّ اتَّبَعَه رَهطٌ مِنَ المُنافِقينَ، فسَمِعَ
(1)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِسَّ القَومِ خَلفه، فقالَ لأحَدِ صاحِبيه:"اضرِبْ وُجوهَهُم". فلَمّا سَمِعوا ذَلِكَ، ورأوُا الرَّجُلَ مُقبِلًا نَحوَهُم، وهو حُذَيفَةُ بن اليَمانِ، انحَدَروا جَميعًا، وجَعَلَ الرَّجُلُ يَضرِبُ رَواحِلَهُم، وقالوا: إنَّما نَحنُ أصحابُ أحمدَ. وهُم مُتَلَثِّمونَ لا يُرَى شَئٌ إلا أعيُنُهُم، فجاءَ صاحِبُه بَعدَما انحَدَرَ القَومُ فقالَ:"هَل عَرَفتَ الرَّهطَ؟ ". فقالَ: لا واللهِ يا نَبِيَّ الله، ولَكِنِّي قَد عَرَفتُ رَواحِلَهُم. فانحَدَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الثَّنيَّةِ وقالَ لصاحِبيه:"هَل تَدرونَ ما أرادَ القَومُ؟ أرادوا أن يَزحَمونِي مِنَ الثَّنيَّةِ فيَطرَحونِي مِنها". فقالا: أفَلا تأمُرُنا يا رسولَ اللهِ فنَضرِبَ أعناقَهُم إذا اجتَمَعَ إلَيكَ النَّاسُ؟ فقالَ: "أكره أن يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أن محمدًا قَد وضَعَ يَدَه في أصحابِه يَقتُلُهُم". وذَكَرَ القِصةَ
(2)
.
17925 -
وأخبرَناه أبو عبد الله الحافظُ، أخبرَنا أبو جَعفَرٍ محمدُ [بن محمدِ]
(3)
بنِ عبد الله البَغدادِي، حدثنا أبو عُلاثَةَ محمدُ بن عمرِو بنِ خالِدٍ، [حدثنا أبي]
(3)
، حدثنا ابنُ لَهيعَةَ، عن أبي الأسوَد، عن عُروةَ قال: ورَجَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قافِلًا مِن تَبوكَ إلَى المَدينَة، حتَّى إذا كان ببَعضِ الطَّريقِ مَكَرَ
(1)
بعده في س، م:"ذلك".
(2)
تقدم في (16923).
(3)
سقط من: م.
برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ناسٌ مِن أصحابِه، فتآمَروا أن يَطرَحوه مِن عَقَبَةٍ في الطَّريقِ. ثُمَّ ذَكَرَ القِصَّةَ بمَعنَى ابنِ إسحاقَ
(1)
.
17926 -
أخبرَنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرَنا أحمدُ بن جَعفَرٍ، حدثنا عبدُ الله بن أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، حَدَّثَنِي أبي، حدثنا محمدُ بن عبد الله بنِ الزُّبَيرِ وأبو نُعَيمٍ قالا: حدثنا الوَليدُ بن جُمَيعٍ، حدثنا أبو الطُّفَيلِ قال: كان بَينَ رَجُلٍ مِن أهلِ العَقَبَةِ وبَينَ حُذَيفَةَ بَعضُ ما يَكونُ بَينَ النّاسِ فقالَ: أنشُدُكَ باللهِ كَم كان أصحابُ العَقَبَةِ؟ قال: فقالَ له القَومُ: أخبِرْه أن
(2)
سأَلَكَ. قال: كُنا نُخبَرُ أنَّهُم أربَعَةَ عَشَرَ، فإِن كُنتَ فيهِم فقَد كان القَومُ خَمسَةَ عَشَرَ، وأَشهَدُ باللهِ أن اثنَى عَشَرَ مِنهُم حَربٌ للهِ ورسولِه في الحَياةِ الدُّنيا ويَومَ يَقومُ الإشهادُ، وعَذَرَ ثَلاثَةً قالوا: ما سَمِعنا مُنادِيَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا عَلِمنا ما أرادَ القَومُ. وقَد كان في حَرةٍ
(3)
فمَشَى فقالَ: "إنَّ الماءَ قَليلٌ، فلا يَسبِقْنِي إلَيه أحَدٌ". فوَجَد قَومًا قَد سَبَقوه فلَعَنَهُم يَومَئذٍ
(4)
. رَواه مسلم في "الصحيح" عن زُهَيرِ بنِ حَربٍ عن أبي أحمدَ محمدِ بنِ عبد الله الزُّبَيرِيِّ
(5)
.
قال الشّافِعِيُّ: وتَخَلَّفَ آخَرونَ مِنهُم فيمَن بحَضرَتِه، ثُمَّ أنزَلَ اللهُ عز وجل عَلَيه غَزاةَ تَبوكَ أو مُنصرَفَه مِنها مِن أخبارِهِم فقالَ: {وَلَوْ أَرَادُوا
(1)
المصنف في الدلائل 5/ 256.
(2)
في م: "إذ".
(3)
الحرة: هي الأرض ألبست حجارة سودا. إكمال المعلم 7/ 136.
(4)
أحمد (23321). وأخرجه ابن أبي شيبة (38101) عن الفضل بن دكين أبي نعيم به.
(5)
مسلم (2779/ 11).
الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} قرأَ إلَى قَولِه: {وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ}
(1)
[التوبة: 46 - 50].
قال الشَّيخُ: هو بَيِّنٌ في "مغازى موسى بن عقبة"، و "ابن إسحاق".
17927 -
وأخبرَنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، أخبرَنا أبو جَعفَرٍ البَغدادِيُّ، حدثنا أبو عُلاثَةَ، حدثنا أبي، حدثنا ابنُ لَهيعَةَ، عن أبي الأسوَد، عن عُروةَ قال: ثُمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَجَهَّزَ غازيًا يُريدُ الشّامَ، فأَذَّنَ في النّاسِ بالخُروج، وأَمَرَهُم به في قَيظٍ شَديدٍ في لَيالِي الخَريف، فأَبطأ عنه ناسٌ كَثيرٌ وهابوا الرُّومَ، فخَرَجَ أهلُ الحِسبَةِ وتَخَلَّفَ المُنافِقونَ، وحَدَّثوا أنفُسَهُم أنَّه لا يَرجِعُ أبَدًا، وثَبَّطوا عنه مَن أطاعَهُم، وتَخَلَّفَ عنه رِجالٌ مِنَ المُسلِمينَ، لأمرٍ كان لهم فيه عُذرٌ. فذَكَرَ القِصَّةَ قال: وأَتاه جَدُّ بن قَيسٍ وهو جالِسٌ في المَسجِدِ مَعَه نَفَرٌ فقالَ: يا رسولَ الله، ائذَنْ لِي في القُعودِ؛ فإِنِّي ذو ضَيعَةٍ وعِلَّةٍ لِي بها عُذرٌ. فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تَجَهَّزْ فإِنَّكَ موسِرٌ، لَعَلَّكَ تُحقِبُ
(2)
بَعضَ بَناتِ الأصفَرِ". فقالَ: يا رسولَ الله، ائذَنْ لِي ولا تَفتِنِّي ببَناتِ الأصفَرِ. فأَنزَلَ اللهُ عز وجل فيه وفِي أصحابِه:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] عَشرَ آياتٍ يَتبَعُ بَعضُها بَعضًا، وخَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمُؤمِنونَ مَعَه، وكانَ فيمَن تَخَلَّفَ ابنُ
(1)
الأم 4/ 166.
(2)
أي: تردف خلفك. ينظر تفسير غريب ما في الصحيحين ص 276.
عَنَمَةَ
(1)
أو: عَنَمَةُ
(1)
، مِن بَنِي عمرِو بنِ عَوفٍ فقيلَ له: ما خَلَّفَكَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: الخَوضُ واللَّعِبُ. فأَنزَلَ اللهُ عز وجل فيه وفيمَن تَخَلَّفَ مِنَ المُنافِقينَ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] ثَلاثَ آياتٍ مُتَتابِعاتٍ
(2)
.
17928 -
حدثنا أبو عبد اللهِ الحافظُ، حدثنا أبو بكرٍ أحمدُ بن إسحاقَ، حدثنا [عُبَيدُ بن]
(3)
عبد الواحِد، حدثنا يَحيَى بن بُكَيرٍ، حدثنا اللَّيثُ، عن عُقَيلٍ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبد الرَّحمَنِ بنِ عبد اللهِ بنِ كَعبِ بنِ مالكٍ، أن عبدَ اللهِ بنَ كَعبٍ قائدَ كَعبٍ حينَ عَمِيَ مِن بَنيه قال: سَمِعتُ كَعبَ بنَ مالكٍ يُحَدِّثُ حَديثَه حينَ تَخَلَّفَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزوَةِ تَبوكَ؛ قال كَعبُ بن مالكٍ: لَم أتَخَلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزوَةٍ غَزاها قَطُّ إلَّا في غَزوَةِ تَبوكَ، غَيرَ أنِّي تَخَلَّفتُ عن غَزوَةِ بَدرٍ، ولَم يُعاتِبِ اللهُ أحَدًا حينَ تَخَلَّفَ عَنها، إنَّما خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُريدُ عِيرَ قُرَيشٍ حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَينَهُم وبَينَ عَدوِّهِم على غَيرِ ميعادٍ، ولَقَد شَهِدتُ مَعَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ العَقَبَة، وما أحِبُّ أن لِي بها مَشهَدَ بَدرٍ، وإِن كانَت بَدرٌ
(4)
أذكَرَ في النّاسِ مِنها، كان مِن خَبَرِي حينَ تَخَلَّفتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزوَةِ تَبوكَ؛ أنِّي لَم أكُنْ قَطُّ أقوَى ولا أيسَرَ مِنِّي حينَ تَخَلفتُ عنه في تِلكَ الغَزوَة، واللهِ ما
(1)
في س: "غنمة".
(2)
المصنف في الدلائل 5/ 223 - 225، وينظر سيرة ابن هشام 2/ 516.
(3)
سقط من: م.
(4)
سقط من: م.
اجتَمَعَت عِندِي قَبلَها راحِلَتانِ قَطُّ حتَّى جَمَعتُهُما تِلكَ الغَزوَةَ، ولَم يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُريدُ غَزوَةً يَغزوها إلا وَرَّى بغَيرِها، حتَّى كانَت تِلك الغَزوَةُ، غَزاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شَديدٍ، واستَقبَلَ سَفَرًا بَعيدًا، ومَفازًا وعَدوًّا كَثيرًا، فجَلى لِلمُسلِمينَ أمرَهَم؛ ليَتأهَّبوا أُهبَةَ عَدوِّهِم، وأَخبَرَهُم بوَجهِه الذِي يُريدُه، والمُسلِمونَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كَثير لا يَجمَعُهُم كِتابٌ حافِظٌ - يُريدُ الدّيوانَ - قال كَعبٌ: فما رَجُلٌ يُريدُ أن يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ أن سَيَخفَى له ما لَم يَنزِلْ فيه وحيٌ مِنَ الله، وغَزا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلكَ الغَزوَةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظِّلالُ، فتَجَهَّزَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمُسلِمونَ مَعَه، وطَفِقتُ أغدو لِكَي أتَجَهَّزَ مَعَهُم ولَم أقضِ شَيئًا، وأَقولُ في نَفسِي: إنِّي قادِر على ذَلِكَ إذا أرَدتُه. فلَم يَزَلْ يَتَمادَى بي حتَّى استَحَرَّ
(1)
بالناسِ الجِدُّ، فأَصبَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمُسلِمونَ مَعَه ولَم أقضِ مِن جَهازِي شَيئًا، فقُلتُ: أتجهَّزُ بَعدَه يَومًا أو يَومَينِ ثُمَّ ألحَقُهُم. فغَدَوتُ بَعدَ أن فصَلوا
(2)
لأتجهَّز، فرَجَعتُ ولَم أقضِ شَيئًا، ثُمَّ غَدَوتُ ثُمَّ رَجَعتُ ولَم أقضِ شَيئًا، فلَم يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمادَى بي حتَّى أسرَعوا وتَفارَطَ الغَزوُ، وهَمَمتُ أن أرتَحِلَ فأُدرِكَهُم، ولَيتَنِي فعَلتُ، فلَم يُقَدَّرْ لي ذَلِكَ، فكُنتُ إذا خَرَجتُ في الناسِ بَعدَ خُروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فطُفتُ فيهِم، أحزَنَنِي أنِّي لا أرَى إلا رَجُلًا مَغموضًا مِنَ
(3)
النِّفاقِ
(4)
، أو رَجُلًا مِمن
(1)
في س، م:"استجد". واستحر: اشتد. غريب الحديث لابن الجوزي 1/ 200.
(2)
فصلوا: رحلوا وبانوا عن المقيمين. مشارق الأنوار 2/ 160.
(3)
في س، م:"في".
(4)
مغموصا من النفاق: مطعونا عليه بالنفاق. مشارق الأنوار 2/ 136.
عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفاء، فلَم يَذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبوكَ، قال وهو جالِسٌ في القَومِ بتَبوكَ:"ما فعَلَ كَعبٌ؟ ". فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سَلِمَة: يا رسولَ الله، حَبَسَه بُرداه، يَنظُرُ في عِطفَيهِ
(1)
. فقالَ له مُعاذُ بن جَبَلٍ: بئسَما قُلتَ، واللهِ يا رسولَ الله ما عَلِمنا إلا خَيرًا. فسَكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال كَعبٌ: فلَمَّا بَلَغَنِي أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد تَوَجَّهَ قافِلًا مِن تَبوكَ حَضَرَني هَمِّي، وطَفِقتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ وأَقولُ: بماذا أخرُجُ مِن سَخَطِه غَدًا؟ وأَستَعينُ على ذَلِكَ بكُلِّ ذِي رأيٍ مِن أهلِي، فلَمّا قيلَ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَد أظَلَّ قادِمًا. زاحَ عَنِّي الباطِلُ، وعَرَفتُ أنِّي لا أخرُجُ مِنه أبَدًا بشَئٍ فيه كَذِبٌ، فأَجمَعتُ صِدقَه، وأَصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادِمًا، وكانَ إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ بَدأ بالمَسجِد، فصلَّى فيه رَكعَتَين، ثُمَّ جَلَسَ لِلناسِ، فلَمَّا فعَلَ ذَلِكَ جاءَ المُخَلَّفونَ، فطَفِقوا يَعتَذِرونَ إلَيه ويَحلِفونَ له، وكانوا بضعَةً وثَمانينَ رَجُلًا، فقَبِلَ مِنهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلانيَتَهُم، وبايَعَهُم واستَغفَرَ لَهُم، ويَكِلُ سَرائرَهُم إلَى اللهِ عز وجل، فجِئتُه، فلَمَّا سَلَّمتُ عَلَيه تبَسَّمَ تبَسُّمَ المُغضَبِ ثُمَّ قال:"تَعالَ". فجِئتُ أمشِي حَتَّى جَلَستُ بَينَ يَدَيه فقالَ: "ما خَلَّفَكَ؟ ألَم تَكُنِ ابتَعتَ ظَهرَكَ؟ ". فقلتُ: بَلَى يا رسولَ الله، إنِّي واللهِ لَو جَلَستُ عِندَ غَيرِكَ مِن أهلِ الدُّنيا لَرأيتُ أن سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذرٍ، ولَقَد أُعطيتُ جَدَلًا، ولَكِن واللهِ لَقَد عَلِمتُ لَئن حَدَّثتُكَ اليَومَ حَديثًا كاذِبًا تَرضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَكَ عليّ، ولَئن حَدَّثتُكَ
(1)
العطف: الجانب، وينظر في عطفيه: كناية عن الإعجاب. تفسير غريب ما في الصحيحين ص 34، 226.
حَديثَ صِدقٍ تَجِدُ عليَّ فيه إنِّي لأرجو عَفوَ الله، لا واللهِ ما كان [لي مِن]
(1)
عُذرٍ، واللهِ ما كُنتُ قَطُّ أقوَى ولا أيسَرَ مِنِّي حينَ تَخَلَّفتُ عَنكَ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أمّا هذا فقَد صَدَقَ، قُم حَتَّى يَقضِيَ اللهُ فيكَ". فقُمتُ، فثار
(2)
رِجالٌ مِن بَنِي سَلِمَةَ فقالوا: لا
(3)
واللهِ ما عَلِمناكَ كُنتَ أذنَبتَ ذَنبًا قبلَ هذا؛ عَجَزتَ ألا تكونَ اعتَذَرتَ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بما اعتَذَرَ إلَيه المُخَلَّفونَ؟ قَد كان كافِيَكَ ذَنبَكَ استِغفارُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكَ. فواللهِ ما زالوا يُؤَنِّبونِي حتَّى أرَدتُ أن أرجِعَ فأُكَذِّبَ نَفسِي، ثُمَّ قُلتُ: هَل لَقِيَ هذا مَعِي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَم، رَجُلانِ قالا مِثلَ ما قُلتَ، وقيلَ لَهُما مِثلُ ما قيلَ لَكَ. فقُلتُ: مَن هُما؟ قالوا: مُرارَةُ بنُ الرَّبيعِ العَمْرِي وهِلالُ بن أُمَيَّةَ الواقِفِيُّ. فذَكَروا لي رَجُلَينِ صالِحَينِ قَد شَهِدا بَدرًا فيهِما أسوَةٌ، فمَضيتُ حينَ ذَكَروهُما لي، ونَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن كَلامِنا أيُّها الثلاثَةُ مِن بَينِ مَن تَخَلَّفَ عنه، فاجتَنَبَنا النَّاسُ وتَغَيَّروا لَنا، حتَّى تنَكَّرَت في نَفسِي الأرضُ، فما هِيَ التي أعرِفُ، فلَبِثنا على ذَلِكَ خَمسينَ لَيلَةً، فأَمَّا صاحِبايَ
(4)
فاستَكانا وقَعَدا في بُيوتِهِما، وأَمَّا أنا فكُنتُ أشَبَّ القَومِ وأَجلَدَهُم، وكُنتُ أخرُجُ فأَشهَدُ الصَّلاةَ مَعَ المُسلِمينَ، وأَطوفُ [في الأسواق ولا يُكَلِّمُنِي أحَدٌ، وآتِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في مَجلِسِه بَعدَ الصَّلاةِ]
(5)
، فأُسَلِّمُ
(1)
في م: "بي".
(2)
في س: "فسار"، وفي ص 9، م:"وسار".
(3)
في س، م:"يا كعب".
(4)
في حاشية الأصل: "صاحبيّ".
(5)
سقط من: م.
عَلَيه فأَقولُ في نَفسِي: هَل حَرَّكَ شَفَتَيه برَدِّ السَّلامِ عليّ أم لا؟ ثُمَّ أُصَلِّي فأُسارِقُه النَّظَرَ، فإِذا أقبَلتُ على صَلاتي نَظَرَ إلَيَّ، فإِذا التَفَتُّ نَحوَه أعرَضَ عَنِّي، حَتَّى إذا طالَ عليَّ ذَلِكَ مِن جَفوَةِ المُسلِمينَ تَسَوَّرتُ جِدارَ حائطِ أبي قَتادَةَ، وهو ابنُ عَمِّي وأَحَبُّ الناسِ إلَيَّ، فسَلَّمتُ عَلَيه، فواللَّهِ ما رَدَّ عليّ السَّلامَ، فقُلتُ له: يا أبا قَتادَةَ أنشُدُكَ اللهَ هَل تَعلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسَكَتَ، فعُدتُ له فنَشَدتُه فسَكَتَ. قال: فعُدتُ له فناشَدته الثّالِثَةَ، فقالَ: اللهُ ورسولُه أعلمُ. ففاضت عَينايَ، وتَوَلَّيتُ حتَّى تَسَوَّرتُ الجِدارَ. قال: فبَينا أنا أمشِي بسوقِ المَدينَةِ إذا نَبَطيٌّ مِن أنباطِ الشّام، ممَّن قَدِمَ بالطَّعامِ يَبيعُه بالمَدينَةِ يقولُ: مَن يَدُلُّ على كعبِ بنِ مالكٍ؟ فطَفِقَ النّاسُ يُشيرونَ له، حَتَّى إذا جاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كتابًا مِن ملِكِ غَسّانَ - وكُنتُ كاتِبًا - فإِذا فيه: أمّا بَعدُ، فقَد بَلَغَنِي أن صاحِبَكَ قَد جَفاكَ، ولَم يَجعَلْكَ اللهُ بدارِ هَوانٍ ولا مَضْيَعَةٍ، فالحَقْ بنا نواسيكَ
(1)
. فقُلتُ حينَ قَرأتُها: وهَذا أيضًا مِنَ البَلاءِ. فتَيَمَّمتُ به التَّنّورَ فسَجَرتُه بها، حَتَّى إذا مَضَت لَنا أربَعونَ لَيلَةً مِنَ الخَمسينَ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُكَ أن تَعتَزِلَ امرأتَكَ. فقُلتُ: أُطَلِّقُها أم ماذا أفعَلُ بها؟ فقالَ: لا، بَلِ اعتَزِلها فلا تَقرَبَنَّها. وأَرسَلَ إلَى صاحِبَيَّ بمِثلِ ذَلِكَ، فقُلتُ لامرأتي: الْحَقِي بأَهلِك، فكونِي عِندَهُم حَتَّى يَقضِيَ اللهُ هذا الأمرَ. قال كعبٌ: فجاءَتِ امرأةُ هِلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالَت: يا رسولَ الله، إنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ
(1)
كتب فوقها في الأصل: "كذا". وهو موافق لرواية مسلم في بعض النسخ منه. وقال النووي: وهو صحيح أي: ونحن نواسيك. صحيح مسلم بشرح النووي 17/ 94.
ضائعٌ لَيسَت له خادِمٌ، فهَل تكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال:"لا، ولَكِن لا يَقرَبَنَّكِ". قالَت: إنَّه واللهِ ما به حَرَكَةٌ إلَى شَئ، وإنَّه ما زالَ يَبكِي مُذ كان مِن أمرِه ما كان إلَى يَومِي هذا. فقالَ لي بَعضُ أهلِي: لَوِ استأذَنتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِكَ كما أذِنَ لِهِلالِ بنِ أُمَيةَ تَخدُمُه؟ فقُلتُ: واللهِ لا أستأذِنُ فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وما يُدرينِي ما يقولُ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنِ استأذَنتُه فيها وأَنا رَجُلٌ شابٌّ. فلَبِثتُ بَعدَ ذَلِكَ عَشرَ لَيالٍ، حتَّى كَمَلَت لَنا خَمسونَ لَيلَةً مِن حينَ نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن كَلامِنا، فلَمَّا صَليتُ صَلاةَ الفَجرِ صُبحَ خَمسينَ لَيلَةً، وأَنا على ظَهرِ بَيتٍ مِن بُيوتِنا، فبَينا أنا جالِسٌ على الحالِ التي ذَكَرَ اللهُ مِنَّا، قَد ضاقَت عليّ نَفسِي، وضاقَت عليّ الأرضُ بما رَحُبَت، سَمِعتُ صَوتَ صارخٍ أوْفَى على جَبَلِ سَلْعٍ: يا كَعبُ بنَ مالكٍ أبشِرْ. فخَرَرتُ ساجِدًا، وعَرَفتُ أنه قَد جاءَ الفَرَجُ، وآذَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتَوبَةِ الله عَلَينا حينَ صَلَّى صَلاةَ الفَجر، فذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرونِي، وذَهَبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ، ورَكَضَ رَجُلٌ إلَيَّ فرَسًا، وسَعَى ساعٍ مِن أسلَمَ فأَوفَى على الجَبَل، وكانَ الصوتُ أسرَعَ إلَيَّ مِنَ الفَرَس، فلَمّا جاءَني الَّذِي سَمِعتُ صَوتَه يُبَشِّرُني نَزَعَتُ ثَوبَيَّ، فكَسَوتُهُما إيَّاه ببُشراه، وواللهِ ما أملِكُ غَيرَهُما يَومَئذٍ، واستَعَرتُ ثَوبَينِ فلَبِستُهُما، وانطَلَقتُ إلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتَلَقَّاني النَّاسُ فوجًا فوجًا يُهَنِّئوني بالتَّوبَةِ يَقولونَ: لِتَهْنِكَ تَوبَةُ اللهِ عَلَيكَ. حتَّى دَخَلتُ المَسجِدَ، فقامَ إلَيَّ طَلحَةُ بن عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتَّى صافَحَني وهَنَّأني، ما قامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المهاجِرينَ غَيرُه، ولا أنساها لِطَلحَةَ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَبرُقُ وجهُه مِنَ السرورِ: "أبشِر بخَيرِ يَومٍ
مَرَّ عَلَيكَ مُذْ ولَدَتكَ أُمُّكَ". قُلتُ: أمِن عِندِكَ يا رسولَ الله أم مِن عِندِ اللهِ؟ قال: "لا، بَل من عِندِ اللهِ تبارك وتعالى". وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا بُشِّرَ ببِشارَةٍ يَبرُقُ وجهُه حتَّى كأنَّه قِطعَةُ قَمَرٍ، وكَذَلِكَ
(1)
يُعرَفُ ذَلِكَ مِنه، فلَمّا جَلَستُ بَينَ يَدَيه قُلتُ: يا رسولَ الله، إنَّ مِن تَوبَتِي أن أنخَلِعَ مِن مالي صَدَقَةً إلَى اللهِ عز وجل وإِلَى الرَّسولِ. قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أمسِكْ عَلَيكَ بَعضَ مالِكَ، فهو خَيرٌ لَكَ"، فقُلتُ: فإِنِّي أُمسِكُ سَهمِي الَّذِي بخَيبَرَ. فقُلتُ: يا رسولَ الله، إنَّما نَجّانِي بالصِّدق، وإِنَّ مِن تَوبَتِي ألا أُحَدِّثَ إلَّا صِدقًا ما بَقِيتُ، فواللَّهِ ما أعلمُ أحَدًا مِنَ المُسلِمينَ ابتَلاه اللهُ في صِدقِ الحديثِ مُذْ حَدَّثتُ ذَلِكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحسَنَ ممّا ابتَلانِي، ما تَعَمَّدتُ مُذْ ذَكَرتُ ذَلِكَ لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَومِي هذا كَذِبًا، وإِنِّي لأرجو أن يَحفَظَنِي اللهُ فيما بَقِيَ. فأَنزَلَ اللهُ على رسولِه {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119]، فواللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليّ مِن نِعمَةٍ بَعدَ أن هَداني لِلإسلامِ أعظَمَ في نَفسِي مِن صِدقِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَومَئذٍ، ألَّا أكونَ كَذَبتُه فأَهلِكَ كما هَلَكَ الَّذينَ كَذَبوه؛ فإِنَّ اللهَ قال لِلَّذينَ كَذَبوه حينَ نَزَلَ الوَحيُ شَرَّ ما قال لأحَدٍ، قال اللهُ تبارك وتعالى:
(1)
في م: "لذلك".
{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96] قال كَعبٌ: وكُنَّا تَخَلَّفنا أيها الثلاثَةُ عن أمرِ أولَئكَ الذينَ قَبِلَ مِنهُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ حَلَفوا له، فبايَعَهُم واستَغفَرَ لَهُم، وأَرجأ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمرَنا حَتَّى قَضَى اللهُ فيه، فبِذَلِكَ قال اللهُ تبارك وتعالى:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} ولَيسَ الذِي ذَكَرَ اللهُ تَخَلُّفَنا عن الغَزو، وإِنَّما هو تَخليفُه إيّانا وإِرجاؤُه أمرَنا ممَّن حَلَفَ واعتَذَرَ فقَبِلَ مِنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
. رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن يَحيَى بنِ بُكَيرٍ
(2)
.
17929 -
أخبرَنا أبو عبد الله الحافظُ، حدثنا أبو عبد اللهِ الحُسَينُ بن الحَسَنِ بنِ أيُّوبَ الطُوسِيُ، حدثنا أبو حاتِم الرازِي، حدثنا ابنُ أبي مَريَمَ، حدثنا محمدُ بن جَعفَرٍ، أخبرَني زَيدُ بن أسلَمَ، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ، أن رِجالًا مِنَ المُنافِقينَ في عَهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الغَزوِ تَخَلَّفوا عنه، وفَرِحوا بمَقعَدِهِم خِلافَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فإِذا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اعتَذَروا إلَيه وحَلَفوا، وأَحَبُّوا أن يُحمَدوا بما لَم يَفعَلوا، فنَزَلَت فيهِم (لَا يَحسَبَنَّ
(3)
الذينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أتَوا ويُحِبُّونَ أن
(1)
تقدم في (3990، 4469، 7851، 15110)، وسيأتي في (18493).
(2)
البخاري (4418).
(3)
في م: "تحسبن". وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائى وخلف ويعقوب. وقرأ بالياء نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر. ينظر النشر 2/ 281.
يُحمَدُوا بِمَا لَم يَفعَلوا فلا تَحسَبَنَّهُم بمَفازَةٍ مِنَ العَذابِ)
(1)
[آل عمران: 188].
رَواه البخاريُّ في "الصحيح" عن سعيدِ ابنِ أبي مَريَمَ، ورَواه مسلمٌ عن الحُلوانِيُّ وابنِ عَسكَرٍ عن ابنِ أبي مَريَمَ
(2)
.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأَظهَرَ اللهُ عز وجل لِرسولِه صلى الله عليه وسلم أسرارَهُم وخَبَرَ السَمّاعينَ لَهُم، وابتَغاءَهُم
(3)
أن يَفتِنوا مَن مَعَه بالكَذِبِ والإرجافِ والتَّخذيلِ لَهُم، فأَخبَرَ أنَّه كَرِهَ انبِعاثَهُم إذ كانوا على هذه النّيَّة، فكانَ فيها ما دَلَّ على أن اللهَ جلَّ ثناؤُه أمَرَ أن يُمنَعَ مَن عُرِفَ بما عُرِفوا به مِن أن يَغزوا مَعَ المُسلِمينَ؛ لأنَّه
(4)
ضَرَرٌ عَلَيهِم، ثُمَّ زادَ في تأكيدِ بَيانِ ذَلِكَ بقَولِه:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} قرأَ إلَى قَولِه: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ}
(5)
[التوبة: 81 - 83].
17930 -
حدثنا أبو الحَسَنِ العَلَوِيُّ، حدثنا أبو بكرٍ محمدُ بن أحمدَ بنِ دِلويَه الدَّقّاقُ، حدثنا أحمدُ بن الأزهَرِ بنِ مَنيعٍ، حدثنا عبدُ الرَّزّاق، أخبرَنا مَعمَرٌ، عن الزُّهرِيِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّب، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ الدينَ بالرَّجُلِ الفاجِرِ"
(6)
. أخرَجاه في "الصحيح"
(1)
المصنف في البعث والنشور (50). وأخرجه ابن حبان (4732)، والطحاوي في شرح المشكل (1828) من طريق ابن أبي مريم به.
(2)
البخاري (4567)، ومسلم (2777/ 7).
(3)
في م: "اتباعهم".
(4)
بعده في م: "لا".
(5)
الأم 4/ 166.
(6)
عبد الرزاق (9573)، ومن طريقه أحمد (8090)، وابن حبان (4519). وتقدم في (16918).
من حديث عبد الرزاق
(1)
.
17931 -
أخبرَنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرَنا أبو الوَليدِ الفَقيهُ، حدثنا الحَسَنُ بن سُفيانَ، حدثنا أبو بكرِ بن أبي شَيبَةَ، حدثنا مُعتَمِر
(2)
، عن عِمرانَ بنِ حُدَيرٍ، عن عبد المَلِكِ بنِ عُبَيدٍ قال: قال عُمَرُ: نَستَعينُ بقوةِ المُنافِقينَ وإِثمُه عَلَيهِم
(3)
. وهَذا مُنقَطِعٌ، فإِن صَحَّ فإِنَّما ورَدَ في مُنافِقينَ لَم يُعرَفوا بالتَّخذيلِ والإرجاف، واللهُ أعلَمُ.
17932 -
أخبرَنا أبو الحُسَينِ بنُ بِشْرانَ، أخبرَنا إسماعيلُ الصَّفّارُ، حدثنا الحَسَنُ بن عليِّ بنِ عَفَّانَ، حدثنا ابنُ نُمَيرٍ، عن الأعمَش، عن سلمةَ بنِ كُهَيلٍ، عن حَبَّةَ بنِ جُوَينٍ قال: كُنا مَعَ سَلمانَ في غَزاةٍ ونَحنُ مُصافو العَدوِّ فقالَ: مَن هَؤُلاءِ؟ قالوا: المُشرِكونَ. قال: مَن هَؤُلاءِ؟ قالوا: المُؤمِنونَ. قالَ: فقالَ: هَؤُلاءِ المُشرِكونَ وهَؤُلاءِ المُؤمِنونَ والمُنافِقونَ، فيُؤَيِّدُ اللهُ المُؤمِنينَ بقوةِ المُنافِقينَ، ويَنصُرُ اللهُ المُنافِقينَ بدَعوَةِ المُؤمِنينَ
(4)
.
17933 -
أخبرَنا أبو بكرٍ أحمدُ بن محمدٍ الأُشناني، أخبرَنا أبو الحَسَنِ الطَّرائفِي، حدثنا عثمانُ بن سعيدٍ، حدثنا محمدُ بن بَشارٍ العَبدِي، حدثنا محمدُ بن جَعفَرٍ يَعني غُندَرًا، حدثنا شُعبَةُ، عن عمرِو بنِ مُرَّةَ، عن عبد الله
(1)
البخاري (3062)، ومسلم (111/ 178).
(2)
في م: "معمر".
(3)
ابن أبي شيبة (31172). ولفظه: نستعين بقوة المنافق وإثمه عليه.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (30935) - ومن طريقه الفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين ص 97 (57) - من طريق الأعمش به.