الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: هوالأليق بزكريا عليه السلام.
وذلك؛ لأن زكريا عليه السلام لمَّا تحقق البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه وهو في هذه الحالة {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ}
(1)
قال الآلوسي: خاطب عليه السلام ربّه سبحانه، ولم يخاطب الملك المنادى طرحاً للوسائط مبالغة في التضرع وجداً في التبتل"
(2)
.
إذن قول الحسين رحمه الله السابق هو الذي يوافق السياق وتطمئن إليه النفس ـ والله أعلم ـ وكأن في نفيه أنه جبريل يريد الرد على القائلين بذلك، وهذا هو الصواب الموافق لظاهر القرآن ولحال الأنبياء عليهم السلام.
.
[23] قيل للحسين بن الفضل: (هل تجد نزول عيسى - عليه السلام - من السماء في القرآن، فقال: نعم
.
قوله: (وكهلاً) وهو لم يكتهل في الدنيا، وإنما معناه (وكهلاً) بعد نزوله من السماء). الكشف والبيان للثعلبي
(3)
/ 240
(4)
.
الدراسة
في قوله: (وكهلاً) مسائل:
المسألة الأولى:
المعنى اللغوي للكهل
قال الجوهري: "الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين وَ وَخَطَه
(5)
الشيب
…
واكتهل النبات أي تمَّ طوله وظهر نورُه ".
(6)
وقد اكتهل الرجل وكَاهَل إذا بلغ الكهولة فصار كَهْلاً
(7)
واشتقاق (كاهل) من كاهل الإنسان والدابة، وهو
…
مَغْرز
(8)
العنق في الظهر ويقال: رجل كهل وكاهل إذا استحكم سنّة ومنه اكتهل النَّبت إذا استحكم
(9)
.
(1)
ينظر: تفسير السمرقندي 1/ 226 وتفسير ابن كثير 1/ 362 وحاشية شيخ زاده 3/ 58 وأضواء البيان 4/ 233.
(2)
روح المعاني 3/ 148 وينظر: تفسير أبى السعود 2/ 33 وفتح القدير 1/ 428.
(3)
وافقه البغوي في تفسيره 1/ 360 ونسب الرازي معناه للحسين. ينظر: تفسيره 8/ 46.
(4)
ت: عبد الله بن طعيمة، ج: أم القرى.
(5)
نقول وَ خَطنىِ الشيب، ووُخط فلان أي شاب رأسُه فهو مَوْخُوط و وَخَط في السَّير يَخطُ وَخْطَاً، أي: أسرع. العين 4/ 355.
(6)
الصحاح (كهل).
(7)
لسان العرب (كهل).
(8)
مَغرِز الرأس والأضلاع: مُرَكَّبُ أصولها ونحوه. العين 3/ 274.
(9)
الاشتقاق ص: 179.
المسألة الثانية:
ما أول سن للكهولة؟
اختلف في أولها، فقيل: ثلاثون، وقيل اثنان وثلاثون، وقيل: ثلاث وثلاثون، وقيل خمسة وثلاثون، وقيل: أربعون عاماً
(1)
.
المسألة الثالثة:
الموقع الإعرابي لقوله (وكهلاً):
اختلف أهل العربية فيه: هل هو حال من الضمير في يكلم أي (يكلمهم صغيراً وكبيراً)
(2)
.
قال الزجاج: ويكلم الناس كهلا
(3)
أو (وكهلاً) معطوف على قوله
…
(وجيهاً)
(4)
قال الفراء: والكهل مردود على الوجيه.
(5)
المسألة الرابعة:
تكلم عيسى ـ عليه السلام ـ في المهد معجزة فما الفائدة من ذكر تكلمه حال الكهولة؟
والجواب من وجوه:
قال البخاري: قال مجاهد: الكهل، الحليم
(6)
.
وقيل: المراد منه بيان كونه متقلباً في الأحوال من الصبا إلى الكهولة، ويتغير بمرور الأزمنة عليه ولو كان كما قال الملحدون فيه (أنه إله) لما جاز ذلك عليه
(7)
وروى ابن جرير معناه عن (محمد بن جعفر بن الزبير)
(8)
.
وقال الأصم
(9)
: أنه يبلغ حد الكهولة
(10)
قال قتادة والربيع: (يكلمهم صغيراً
…
وكبيراً)
(11)
.
(1)
البحر المحيط 2/ 475 وينظر: تاج العروس (كهل) والدر المصون 2/ 89.
(2)
ينظر: تفسير الطبري 3/ 320 والكشاف 1/ 364 والبحر المحيط 2/ 483 والدر المصون 2/ 97.
(3)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 412 وينظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 159.
(4)
ينظر: مشكل إعراب القرآن 1/ 160 والبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 204 والبحر المحيط 2/ 483 والدر المصون 2/ 97
(5)
معاني القرآن 1/ 213 وينظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 59 قال أبو حيان: "ومن زعم أن (وكهلاً) معطوف على (وجيها) فقد أبعد ". 2/ 483.
(6)
صحيح البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: إذ قالت الملائكة .. ) ص: 578.
(7)
ينظر: تفسير الطبري 3/ 319 وتفسير الرازي 8/ 46 وتفسير الببضاوي وحاشيته لشيخ زاده 3/ 67 والبحر المحيط 2/ 483.
(8)
ينظر: تفسير الطبري 3/ 319.
(9)
ينظر: تفسير الرازي 8/ 46، والأصم هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن سنان الأموي الأصم، أبو العباس، الإمام الثقة، محدث الشرق، لم يختلف أحد في صدقه وصحة سماعاته، توفي سنة (346 هـ). ينظر: السير (15/ 452)، طبقات الحفاظ (ص: 355).
(10)
ينظر: المصدر السابق ومعاني القرآن وإعرابه 1/ 412 ومعاني القرآن للنحاس 1/ 401 وتفسير البغوي 1/ 352 والمحرر الوجيز 1/ 437 وتفسير القرطبي 4/ 92 والبحر المحيط 2/ 483 وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي 3/ 52.
(11)
رواه عنهما ابن جرير في تفسيره 3/ 319.
وقيل: يدعو إلى عبادة الله لا شريك له في المهد معجزة، وفي كهولته وحيا
(1)
.
وقيل: معناه يكلِّم الناس في هاتين الحالتين، كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحال الكهولة .. وذلك لا شك أنه غاية في المعجزة
(2)
.
قال الحسين بن الفضل: (وكهلا) بعد نزوله من السماء
(3)
.
وروي هذا عن ابن عباس
(4)
وابن زيد
(5)
والكلبي
(6)
.
وكُل ما ذُكر آنفا ممكن أن يكون فائدة لذكر قوله (وكهلا) إلا ما كان من تفسير مجاهد بأنه الحليم.
قال النحاس بعد ذكره لقول مجاهد: " هذا لا يعرف في اللغة وإنما الكهل عند أهل اللغة من ناهز الأربعين، وقال بعضهم يقال: له حَدَثٌ إلى ست عشرة سنة ثم شابٌ إلى اثنتين وثلاثين سنة ثم يكتهل في ثلاث وثلاثين"
(7)
وقال أبو حيان: " وقال مجاهد: الكهل (الحليم) وهذا تفسير باللازم
…
غالباً؛ لأنَّ الكهل يقوى عقله وإدراكه وتجربته فلا يكون في ذلك كالشارخ
(8)
والعرب تمتدح بالكهولة
…
".
(9)
وقال ابن حجر: " والذي يظهر أن مجاهداً فسره بلازمه الغالب؛ لأن الكهل غالبا يكون فيه وقار وسكينة "
(10)
.
المسألة الخامسة:
وعلى القول بعطف (وكهلاً) على (وجيهاً) يتجه تفسير مجاهد.
(11)
وذكر الحسين وغيره أن المراد بقوله (وكهلاً) بعد نزوله من السماء.
(1)
ينظر: تفسير البغوي 1/ 352 وتفسير الرازي 8/ 46 وتفسير القرطبي 4/ 92 وتفسير القرطبي 4/ 92 وتفسير ابن كثير 1/ 364 والتحرير والتنوير 3/ 98.
(2)
ينظر: تفسير الرازي 8/ 46 والكشاف 1/ 364.
(3)
ينظر: تفسير الطبري 3/ 319 ومعاني القرآن وإعرابه 1/ 412 وتفسير السمرقندي 1/ 238 والمحرر الوجيز 1/ 437 وتفسير السمعاني 1/ 320 وزاد المسير 1/ 390 وتفسير القرطبي 4/ 92 وتفسير البيضاوي وحاشيته لشيخ زاده 3/ 67 والبحر المحيط 2/ 483 ونظم الدرر 2/ 389 وروح المعاني 3/ 164 وأوردت قول الحسين هنا رغم ذكره في البداية لأبين أن قوله هذا يندرج تحت الفائدة من قوله (وكهلاً).
(4)
ينظر: زاد المسير 1/ 390.
(5)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 3/ 319.
(6)
ينظر: تفسير السمرقندي 1/ 238.
(7)
إعراب القران 1/ 159.
(8)
(الشارخ) الشاب. مختار الصحاح ص: 333.
(9)
البحر المحيط 2/ 483 وينظر: المحرر الوجيز 1/ 437.
(10)
فتح الباري 6/ 584.
(11)
ينظر المصدر السابق
وهذا يحتاج إلى تحقق من عمر عيسى عليه السلام حينما رُفع.
روى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لَيُوشِكَنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصَّليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ، حتى تكون السجدةُ الواحدةُ خير من الدنيا وما فيها).
ثم يقولُ: أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}
(1)
.
وهذا أمرٌ مسلمٌ به، ولكن يبقى سؤال مهم لتصحيح قول الحسين وهو: كم عمر عيسى عليه السلام عندما رفع إلى السماء؟ وعلى أي تقدير يكون أول سن الكهولة؟
والجواب ـ والله أعلم ـ ما رواه الترمذي
(2)
عن معاذ بن جبل
(3)
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحليِّن، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة) وقال: هذا حديث حسن غريب.
(4)
(1)
صحيح البخاري (كتاب: أحاديث الأنبياء) باب: نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام
…
ح: 3448، ص: 581
(2)
الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، أبو عيسى، أحد أئمة الحديث، صاحب كتاب الجامع، وكتاب الشمائل، توفي سنة (279 هـ). ينظر: السير (13/ 270)، التقريب (6206).
(3)
معاذ بن جبل: بن عمرو بن أوس الأنصاري، من أعيان الصحابة، شهد بدراً وما بعدها، وكان إليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن، توفي بالشام سنة (18 هـ). ينظر: السير (1/ 443)، التقريب (6725)
(4)
جامع الترمذي (كتاب: صفة الجنة) باب ما جاء في سن أهل الجنة، ح: 2545 ص: 578.
ولم يصرح في هذا الحديث أن هذا العمر هو عمر عيسى عليه السلام حينما رفع ولكن هناك حديث أخر قَيَّد الثلاث والثلاثين بعمر عيسى عليه السلام وهو ما
رواه أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا: " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى: ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جُرد مُرد مكحولين "
(1)
.
وذكر الألباني هذا الحديث وعلَّق عليه
…
ثم قال: وبالجملة: فالحديث بطرقه وشواهده لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله
(2)
.
ويؤيد هذا ما قاله الحسن البصري: كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعا وثلاثين سنة
(3)
وكذا ما روى عن سعيد بن المسيب، أنه قال: رُفع عيسى عليه السلام وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة
(4)
وذكر ابن جرير في تاريخه
(5)
أنه أنزل عليه وهو ابن ثلاثين سنة، ومكث حتى رُفع إلى السماء، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
روى الأزهري عن أحمد بن يحيى أنه قال: ذكر الله عز وجل وعزّ لعيسى آيتين: إحداهما: تكليمه للناس في المهد، فهذه معجزة.
والأخرى: نزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كهلاً ابن ثلاث وثلاثين سنة يكلِّم أمه محمد، فهذه الآية الثانية
(6)
.
وإذا قلنا بأن عيسى عليه السلام رُفع ابن ثلاث وثلاثين أو ما يقاربها، وعلى تقدير أول سن الكهولة بعد الأربعين سنة، يصح أن يقال أنه رفع شاباً ولا يكلم الناس كهلاً إلا بعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان فإنه حينئذ يكلِّم الناس ويقتل الدجال .. وفي قول الحسين رحمه الله (وهو لم يكتهل في الدنيا) دلالة على أنه يرى أن أول سن الكهولة هو ما بعد عمر عيسى عليه السلام عندما رُفع ـ والله أعلم ـ.
وأما على تقدير أول سن الكهولة بعد الثلاثين فإن عيسى عليه السلام قد بلغ الكهولة وكلَّم الناس فيه قبل أن يرفع فتكون فائدة قوله (وكهلاً) تمت قبل رفعه عليه السلام ـ والله أعلم ـ.
(1)
رواه المقدسي في صفة الجنة ص: 120:، وروى أبو نعيم في صفة الجنة ص: 112 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهل الجنة شباب، مرد، مكحولون، أبناء ثلاث وثلاثين سنة لا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما هو جشاء، ورشح كرشح مسك، يخرج من جلودهم، على ميلاد عيسى عليه السلام
(2)
ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 6 (1/ 46/ 47).
(3)
ينظر: البداية والنهاية 2/ 515.
(4)
ينظر: المصدر السابق وروح المعاني 3/ 164
(5)
/ 598.
(6)
تهذيب اللغة 4/ 3199 وينظر: تفسير القرطبي 4/ 92.