الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا تقرر هذا فهل بقي للمفوِّضة بقية حتى يدعي مستعجم اللسان أن السلف قد آمنوا بصفات الله وفوضوا معناها إلى الله فسَلِموا فأُنتجت مقالة: (السلف أسلم والخلف أحكم) والحق أنه كان ومازال منهج السلف هو الأعلم والأحكم والأسلم.
قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].
[13]
قال الرازي
(1)
: " إنَّ الإيمان مجرد التَّصديق بالقلب " وهو قول الحسين بن الفضل البجلي. التفسير الكبير للرازي 2/ 24
الدراسة
الإيمان: التَّصديق
(2)
، وآمن به إيمانا صدَّقه
(3)
، والإيمان بمعنى التصديق ضده التكذيب
(4)
. قال الأزهري
(5)
: "وأما الإيمان فهو مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن واتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان معناه: التصديق"
(6)
وقد ورد الإيمان في القرآن بمعنى التصديق، قال تعالى في أخوة يوسف {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف 17] أي بمصدق لنا
(7)
.
وأما عن الإيمان الشرعي
(8)
فاختلفت الأمة في تفسيره على أقوال:
الأول: قول أهل السنة والجماعة وهو أن الإيمان "قول وعمل واعتقاد". وسيأتي له مزيد إيضاح.
(1)
الرازي: محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني، فخر الدين أبو بكر الرازي، الأصولي المفسر المتكلم، له مؤلفات كثيرة، منها: التفسير الكبير، توفي سنة (606 هـ). ينظر: السير (21/ 500)، طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 100)
(2)
ينظر: الصحاح (أمن) ومختار الصحاح (أمن)
(3)
القاموس المحيط (الأمن)
(4)
لسان العرب (أمن).
(5)
الأزهري: محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري، أبو منصور الهروي اللغوي الشافعي، كان رأساً في اللغة والفقه، له عدة مؤلفات، منها: تهذيب اللغة، التفسير، علل القراءات، وغيرها، توفي سنة (370 هـ). ينظر: السير (16/ 315)، بغية الوعاة (1/ 19).
(6)
تهذيب اللغة 1/ 210.
(7)
ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 40 والمفردات ص: 36.
(8)
يراجع كتاب الإيمان لأبي بكر ابن أبى شيبة، والإيمان لأبي عبيد، والإيمان لابن تيمية، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي.
الثاني: قول المرجئة
(1)
وهو أن الإيمان (إقرار باللسان وتصديق بالجنان).
الثالث: قول الكرامية
(2)
وهو أنَّ الإيمان (إقرار باللسان).
الرابع: قول الجهمية
(3)
وهو أنَّ الإيمان (المعرفة بالقلب).
ويلزم من قول الجهمية أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين فإنهم عرفوا صدق موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] بل إبليس يكون عند الجهميَّة مؤمناً كامل الإيمان فإنه لم يجهل بربه بل هو عارفٌ به {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36].
وعلى قول الكرامية: فالمنافقون عندهم مؤمنون
(4)
وعلى قول المرجئة يكون أبو طالب مؤمناً.
وعلى هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة تسقط التكاليف الشرعية
(5)
.
وذهب بعض الأشاعرة إلى القول بأن الإيمان هو التصديق بالقلب وهو المنسوب إلى الحسين، وهو تفسير لبعض الإيمان وليس هو التفسير الصحيح للإيمان عند أهل السنة والجماعة فهذا المذهب مخالف لأهل السنة.
(1)
سموا بهذا، لأنهم يؤخرون العمل عن النية وعقد القلب، ويقولون: لا تضر معصية مع الإيمان كما لا تنفع مع كفر طاعة، وهم أربعة فرق: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة. ينظر: مقالات إسلامية 1/ 213 والملل والنحل 1/ 1861.
(2)
أصحاب أبى عبد الله محمد بن كرَّام، وهو ممن يثبت الصفات إلا أنه ينتهي إلى التجسيم والتشبيه، وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة، وهم يزعمون أنَّ الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب، وأنكروا أن تكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيماناً.
ينظر: مقالات الإسلاميين 1/ 223 والملل والنحل 1/ 144.
(3)
هم أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار، وأنكر الاستطاعات كلها، ونفى الصفات، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، ومخازيه كثيرة، ظهرت بدعته بترمذ وقتله سالم المارني بمرو في آخر ملك بني أمية. ينظر: الفرق بين الفرق ص: 199 والملل والنحل 1/ 109.
(4)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبى العز 2/ 459 إلا في قول المرجئة ينظر حاشية شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 4/ 911.
(5)
ينظر: حاشية شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 4/ 911.
وللسلف وأئمة السنة في الإيمان تفسيرات، تؤول بالنهاية إلى معنى، واحد فتارة يعبرون بقولهم هو (قول وعمل)، وتارة بقولهم (قول وعمل ونية)، وتارة أخرى يقولون:(قول وعمل ونية واتباع السنة)، وتارة يقولون: الإيمان (قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح) وكل هذا صحيح.
فمن قال من السلف (قول وعمل) أراد (قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح)
(1)
ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب ومن قال: (قول وعمل ونية) قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأما العمل فقد لا يفهم منه النية فزادوا ذلك.
ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوباً لله، إلا باتباع السنة. وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل وإنما أرادوا ما كان مشروعاً من الأقوال والأعمال فالإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة
(2)
.
قال الشافعي
(3)
رحمه الله وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدر كناهم: أن الإيمان (قول وعمل ونية)، ولا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخر
(4)
.
وروى اللالكائي
(5)
عن البخاري قوله: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم
(1)
ذكر حافظ الحكمي في معارج القبول 2/ 17، أن الإيمان (قول) أي بالقلب و (عمل) أي بالقلب واللسان والجوارح فهذا أربعة أشياء جامعة لأمور دين الإسلام. وقد بينها الحكمي بياناً واضحاً ودلل عليها. وذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة الواسطية 2/ 230 وشرحها شرحاً مفيداً بعبارات سهلة وأسلوب مبسط فليراجع إتماماً للفائدة
(2)
ينظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص 151 - 152
(3)
الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس المطلبي، أبو عبد الله الشافعي، المكي، نزيل مصر، الإمام المشهور، من مؤلفاته: الأم، الرسالة، وغيرهما، توفي سنة (204 هـ)، ينظر: السير (10/ 5)، التقريب (5717).
(4)
ينظر: شرح أصول أهل السنة والجماعة للالكائي 5/ 956 وذكر اللالكائي أن الشافعي قال هذا في كتابه الأم في باب النية في الصلاة، وقد رجعتُ إليه ولم أجد هذا النص. ينظر كتاب الأم 2/ 224.
(5)
اللالكائي: هبة الله بن الحسن بن منصور، الطبري الرازي، الشافعي اللالكائي، من كبار الحفاظ في زمنه، له: شرح أصول اعتقاد أهل السنة، والسنن، توفي سنة (418 هـ). ينظر: السير (17/ 419)، تذكرة الحفاظ (3/ 1086).