الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكشف والبيان 1/ 251/ 252
(1)
الدراسة
قال البخاري: " ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون
(2)
. وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعضٌ وترك بعض
(3)
، وليس فيه حجة لأهل
القدر
(4)
. "
(5)
وهذا التفسير من البخاري هو نص قول الفراء.
(6)
(1)
رواه البخاري من طريق عمران بن الحصين بنحوه كتاب (القدر)، باب: جفَّ القلم على علم الله ح: 6596 ص: 1141 ومسلم عن علي رضي الله عنه بمثله مطولاً، كتاب (القدر) ح: 6733 ص: 1153.
(2)
وهذا القول هو اختيار ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، ينظر: ص: 173. وينظر: تفسير ابن جرير: 27/ 16/ 17 وعمدة القارئ 19/ 191 وقال الشافعي: هي خاصة يعني أنه خلق الأنبياء والمؤمنين لعبادته. ينظر: أحكام القرآن 2/ 3 والاستذكار 8/ 265.
(3)
روى ابن جرير في تفسيره 27/ 17 وابن أبى حاتم في تفسيره 10/ 3313 عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (إلا ليقروا بالعبودية طوعاً وكرها) واختاره ابن جرير 27/ 17.
(4)
القائلين إن العبد مستقل بعمله، ويخلق فعل نفسه، ليس لله فيه إرادة ولا خلق ولا مشيئة، فأنكروا عموم المشيئة والخلق فأكل العبد وشربه ونومه ويقظته وطاعته ومعصيته كلها واقعة باختياره التام وقدرته التامة، وليس لله تعالى في ذلك مشيئة ولا خلق، هؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم وقابل هؤلاء طائفة أخرى، فجفوا وغلوا في إثبات القدر حتى جعلوا العبد مجبوراً على فعل نفسه وليس له اختيار البته، بل هو كالريشة في مهب الريح وكحركة الآلة في يد من يحركها فأكله وشربه ونومه ويقظته وطاعته ومعصيته كلها بغير اختيار منه ولا قدره، وهذا مذهب الجهمية، ومن تبعهم من الأشاعرة في مسألة (الكسب) وسمي هذا المذهب بمذهب الجبرية لأنهم يقولون: إنا مجبورون على أفعالنا. وكل طائفة أخذت بجانب من الأدلة وعطلت الجانب الآخر فهدى الله سلف هذه الأمة، من أهل السنة والجماعة فأخذوا بهذا وهذا وتوسطوا بين هؤلاء وأولئك. للاستزادة راجع: الشريعة للآجري ص: 157 - 159 وشرح أصول اعتقاد أهل السنة 3/ 589 - 4/ 823 ومعارج القبول 2/ 326 - 382 وفتح المجيد 474 - 479 و القول المفيد 3/ 198 - 247 ومقالات الإسلامين 1/ 298/ 289 والفصل في الملل والنحل 3/ 22 - 26 وقد أفرد الإمام ابن القيم كتابًا فريداً، في هذا الموضوع، وهو (شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل) فليراجع، وأيضا المجلد الثامن من الفتاوى خاص ببحث مسألة القضاء والقدر.
(5)
كتاب (التفسير) سورة الذاريات، ص: 859
(6)
ينظر: معاني القرآن 3/ 89.
وإن قيل ما الفرق بين هذين التأويلين؟
فالجواب: أن الأول لفظ عام أُريد به الخصوص وهو أن المراد أهل السعادة من الفريقين، والثاني على عمومه، بمعنى خلقهم معَدِّين لذلك لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى
(1)
وفي الآية تأويلات أخرى يطول ذكرها
(2)
.
قال ابن حجر في تفسير البخاري السابق: (وليس فيه حجة لأهل القدر: " فيريد المعتزلة
(3)
؛ لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة فمن
وافقه عمل لما خلق له ومن خذله خالف، والمعتزلة احتجوا بالآية المذكورة على أن ارادة الله لا تتعلق به، والجواب أنه لايلزم من كون الشيء معلَّلاً بشيء أن يكون ذلك الشيء مراداً وأن لا يكون غيره مراداً .. "
(4)
وأجد أنه من المفيد جداً في هذا المقام إيراد ما ذكره ابن تيمية في الآية بعد ما نصر كون الآية على عمومها ثم قال: " ومن هنا يتبين معنى الآية، فإن قوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يشبه قوله:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وقوله: {لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7) وقوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97] وقوله {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] وكذلك قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64] فهو لم يرسله إلا ليطاع، ثم قد يطاع وقد يعصى.
(1)
ينظر: عمدة القارئ 19/ 191 وفتح الباري 8/ 772.
(2)
ذكرها وفصل فيها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 8/ 39 - 57 وينظر: زاد المسير 8/ 42/ 43 وأضواء البيان 7/ 671 - 674
(3)
المعتزلة هي إحدى الفرق التي خالفت أهل السنة والجماعة، ورأس هذه الفرقة وأول من تكلم بأصولهم هو واصل بن عطاء، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية، وسمو ا بذلك = =لاعتزالهم أقوال أهل السنة ومفارقة ما يعتقدون، وقيل غير ذلك والمعتزلة فرق شتى افترقت فيما بينها إلى عشرين فرقة، ولهم أصول خمسة جعلوها بمنزلة أركان الإيمان عند أهل السنة، وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلين والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ينظر: الفرق بين الفرق ص: 93 والملل والنحل حاشية الفصل في الملل والنحل 1/ 54
(4)
فتح الباري 8/ 772.
وكذلك ما خلقهم إلا للعبادة، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون. ومثل هذا كثير في القرآن، يبين أنه فعل ما فعل ليكبروه وليعدلوا، ولا يظلموا، وليعلموا ما هو متصف به، وغيره مما أمر الله به العباد، وأحبه لهم ورضيه منهم، وفيه سعادتهم وكمالهم وصلاحهم وفلاحهم إذا فعلوا، ثم منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعله.
وهو سبحانه لم يقل إنه فعل الأول ليفعل هو الثاني، ولا ليفعل بهم الثاني فلم يذكر أنه خلقهم ليجعلهم هم عابدين، فإن ما فعله من الأسباب لما يفعله هو من الغايات يجب أن يفعله لا محالة، ويمتنع أن يفعله أمراً ليفعل أمراً ثانياً ولا يفعل الأمر الثاني، ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثاني، فيكونون هم الفاعلين له فيحصل بفعلهم سعادتهم، وما يحبه ويرضاه لهم، فيحصل ما يحبُّه هو وما يحبونه هم، كما تقدم أن كل ما خلقه وأمر به غايته محبوبة لله ولعباده، وفيه حكمة له، وفيه رحمة لعباده "
(1)
قال البغوي: " ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجا عمَّا خُلق عليه "
(2)
والذي يتضح من قول الحسين رحمه الله أنه يذهب إلى كون الآية عامة في الثَّقلين.
قال ابن عطية: " وتحتمل الآية أن يكون المعنى ما خلقت الجنّ والإنس إلا مُعَدِّين ليعبدون، وكأن الآية تعديد نعمه، أي خلقت لهم حواساً وعقولاً وأجساماً منقادة نحو العبادة وهذا كما نقول البقر مخلوقة للحرث والخيل للحرب، وقد يكون منهما مالا يحارب به أصلاً فالمعنى أنَّ الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلى الله عليه وسلم (اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له) ".
(3)
وقال العيني: " ومعنى الآية في الجملة أن الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة واختيار وإنما خلقهم لها خلق تكليف واختبار، فمن وفقه وسدده أقام العبادة التي خلق لها ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق له كقوله: صلى الله عليه وسلم (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وفي نفس الأمر هذا سر لا يطلع عليه غير الله تعالى، وقال {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}
(4)
[الأنبياء: 23]
(1)
مجموع الفتاوى 8/ 55/ 56.
(2)
تفسيره 4/ 235.
(3)
المحرر الوجيز 5/ 183.
(4)
عمدة القارئ 19/ 192.