الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنبياء
قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]
[56] قال الحسين بن الفضل: (الذكر ههنا محمد صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله في سياق الآية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] ولو أراد بالذكر القرآن لقالوا {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25] ودليل هذا التأويل أيضاً قوله {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم
-.
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 202
(2)
.
الدراسة
ذهب جمع من العلماء إلى أن المراد بالذكر ههنا (القرآن الكريم)، وهو قول قتادة
(3)
والطبري
(4)
والزمخشري
(5)
والرازي
(6)
وابن جُزي الكلبي
(7)
وابن كثير
(8)
والشوكاني
(9)
وابن عاشور
(10)
(1)
وافقه القرطبي في تفسيره 11/ 237 في قوله الذكر هو الرسول نفسه، وزاد عليه ابن الجوزي في زاد المسير 5/ 339 وأبو حيان في البحر المحيط 6/ 275 (ويدل عليه قوله في سياق الآية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الابيناء: 3].
(2)
ت: صالح بن نمران الحارثي، ج: أم القرى.
(3)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 17/ 6 وابن أبي حاتم في تفسيره 8/ 2444.
(4)
ينظر: تفسيره 17/ 5.
(5)
ينظر الكشاف 3/ 101.
(6)
ينظر: تفسيره 22/ 121.
(7)
ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 22 و ابن جزي الكلبي هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن يحيي الغرناطي، أبو القاسم بن جزي الكلبي، مشارك في فنون منها العربية والأصول والقراءات والحديث والأدب، له عناية بالتفسير، من مؤلفاته: التسهيل لعلوم التنزيل، تقريب الوصول إلى علم الأصول، توفي سنة (741 هـ)، ينظر: الدرر الكامنة (3/ 356)، الديباج المذهب لابن فرحون (2/ 274).
(8)
ينظر: تفسيره 3/ 173.
(9)
ينظر: فتح القدير 3/ 494.
(10)
ينظر: التحرير والتنوير 17/ 10
والشنقيطي
(1)
وغيرهم
(2)
و نسبه ابن الجوزي إلى ابن عباس
(3)
.
وقيل: إن الذكر هنا هو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وبينه من السنن والمواعظ وليس
…
بالقرآن
(4)
.
وذهب الحسين رحمه الله إلى أن المراد بالذكر هنا هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم. وكون محمد صلى الله عليه وسلم ذكراً لا إشكال فيه
(5)
لكن الإشكال فيما ذهب إليه الحسين من أن المراد بالذكر هنا هو محمدٌ؛ لأن هذا من مسائل الاعتقاد، ويغلب على الظن أن الحسين فسَّر المحدث بالمخلوق ولذلك جعل الذكر هنا: محمد صلى الله عليه وسلم والصواب أنه القرآن لقوله {مِنْ رَبِّهِمْ} ومعنى محدث: أي محدث إنزاله والتكلم به من الله جلّّ وعلَا، و الأدلة قامت على أن المراد بالذكر هنا هو القرآن ومنها:
دلالة قوله {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ} على أن المراد هو القرآن، ولو كان المراد محمداً صلى الله عليه وسلم فعلى تأويل {اسْتَمَعُوهُ} استمعوا له
(6)
. وهذا بعيد.
- وقرينة {اسْتَمَعُوهُ} ملاصقة لهذه الجملة وهي أقرب من القرينة التي استدل بها الحسين {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] وفي هذا محافظة على رونق المعنى
2 -
القول بأن الذكر هو القرآن: تؤيده آيات قرآنية، وهو الأغلب من معاني الذكر في القرآن ولذا يقدم على غيره.
(1)
ينظر: أضواء البيان 4/ 544.
(2)
كالواحدي في الوجيز 2/ 710 والنسفي في تفسيره 3/ 74 والبيضاوي وشيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي 6/ 4 وأبي السعود في تفسيره 6/ 54 والثعالبي في تفسيره 3/ 48، والألوسي في روح المعاني 17/ 7
(3)
ينظر: زاد المسير 5/ 339.
(4)
ينظر: تفسير البغوي 3/ 151 والمحرر الوجيز 4/ 73 وتفسير القرطبي 11/ 237 والبحر المحيط 6/ 275 ونسبه ابن الجوزي في زاد المسير 5/ 339 والسمعاني في تفسيره 3/ 367 إلى النقاش.
(5)
ذكر الفقيه الدامغاني في كتابه (إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم ص: 180 - 183 ثمانية عشر وجهاً للذكر، ومنها محمد صلى الله عليه وسلم.
(6)
ينظر في أن المعنى عند من قال أن المراد هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم (استمعوا له): المحرر الوجيز 4/ 73.
قال ابن تيمية: " سورة الأنبياء سورة الذكر، وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر افتتحها بقوله:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} الآية، وقوله:
…
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وقوله {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] وقوله {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي}
[الأنبياء: 24] وقوله {وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}
(1)
[الأنبياء 105]
وقال الشنقيطي في قوله تعالى {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99]": أي أعطيناك من عندنا ذكرا وهو هذا القرآن العظيم، وقد دلّت على ذلك آيات من كتاب الله، كقوله {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50] وقوله تعالى {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [آل عمران 58] وقوله تعالى {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] وقوله: {وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] وقوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] وقوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] إلى غير ذلك من الآيات "
(2)
.
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 15/ 265.
(2)
أضواء البيان 4/ 544.
وقال تعالى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}
…
[الشعراء: 9].
قال ابن كثير: " أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس "
(1)
وخصّت آية الأنبياء التي معنّا (القرآن الكريم). والله تعالى أعلم.
3 -
ذهاب جمع من المفسرين إلى أن المراد بالذكر هنا هو (القرآن) ومنهم من أطبقت الأمة على تقدمه في التفسير.
قول الحسين (يدل عليه قوله في سياق الآية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] ولو أردا بالذكر القرآن لقالوا {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25].
تبين سابقاً أن هذه القرينة أبعد من القرينة الملاصقة لكون المراد هو القرآن وهذه الآية هي متناسقة مع سياقها، فالمراد أنّ الذين ظلموا قالوا فيما بينهم خفية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم فكيف اختص بالوحي دونهم ولهذا قال {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 4]
(2)
وقوله: (ودليل هذا التأويل أيضا قوله {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52] يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
هاتان الآيتان جاءتا بعد قوله تعالى {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52]
قال ابن عباس: يقول: يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة النظر.
وقال قتادة: لينفذونك بأبصارهم معاداةً لكتاب الله ولذكر الله
(3)
.
(1)
تفسيره 3/ 331.
(2)
ينظر في تفسير الآية هذا: تفسير ابن كثير 3/ 173.
(3)
رواه عنهما ابن جرير في تفسيره 29/ 56.