الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل: أن معنى الآية على ترتيبها صريح وواضح، وهذا القول من الحسين خلاف الأولى، ولعله بُني على التحرير العقلي، وأثرت عليه الصنعة.
مع أن اللام المكسورة جائز في اللغة إتيانها بمعنى (لئلا)، لكن ما الداعي إلى مثل هذا التفسير في مثل هذه الآية الواضحة والتي أغنانا السلف ببيانها.
قال تعالى {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]
[55] قال الحسين بن الفضل: (هو مصروف إلى غير فرعون، مجازه: لكي يتذكر متذكر أو يخشى خاشٍ إذا رأى برّي وإلطافي بمَنْ خلقتهُ ورزقته وصححت جسمه وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية دوني)
.
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 73
(2)
.
الدراسة
مرَّ سابقاً
(3)
المقصد من كلمة (مجازه).
قوله: (لعله يتذكر أو يخشى). لعل حرف نصب
(4)
له معانٍ.
(5)
قال الكفوي
(6)
: " وأعلم أن جمهور أئمة اللغة اقتصروا في بيان معناها الحقيقي على الترجي والإشفاق، وعدم صلوحها لمجرد العلّية والفرضية مما وقع عليه الاتفاق. تقول: " دخلت على المريض كي أعوده، وأخذت الماء كي أشربه. ولا يصح فيه لعل "
(7)
.
وبعد بيان معنى (لعلَّ) وأن الله يستحيل منه الترجي وهو عدم الوثوق بحصول الأمر، فكيف قال (لعله يتذكر) وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يخشى؟.
الجواب على النحو الآتي:
(1)
نسب البغوي نحوه في تفسيره 3/ 124 إلى الحسين بن الفضل.
(2)
ت: صالح بن نمران الحارثي، ج: أم القرى.
(3)
عند قوله تعالى {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ) [طه 2، 3].
(4)
الجر بلعل لغة عقيلية. ينظر: شرح ابن عقيل 2/ 4 وهمع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي 2/ 33.
(5)
أحدهما: التوقع، وهو ترجي المحبوب والإشفاق من المكروه، الثاني: التعليل، الثالث: الاستفهام ينظر: فيما سبق وفي فوائد تخص (لعل): مغني اللبيب لابن هشام 1/ 317 - 318.
(6)
الكفوي: أيوب بن موسى الحسيني القريمي، أبو البقاء الكوفي، صاحب الكليات، كان من قضاة الأحناف، وله كتب بالتركية، توفي سنة (1094 هـ)، ينظر: الأعلام 2/ 38.
(7)
الكليات ص: 794.
1 -
معناه على رجائكما وطمعكما، فالتوقع فيها راجع إلى جهة البشر
(1)
وعزاه القرطبي إلى سيبويه وأكابر النحاة
(2)
وهو رأي الزجاج وغيره
(3)
،
…
وقال: " لعل في اللغة ترجٍ وطمع، تقول: لعلّي أصير إلى خير، فمعناه أرجو وأطمع أن أصير إلى خير، والله عز وجل خاطَب العباد بما يعقلون. والمعنى عند سيبويه فيه: اذهبا على رجائكما وطمعكما. والعلم من الله عز وجل قد أتى من وراء ما يكون. وقد علم عز وجل أنه لا يتذكر ولا يخشى، إلا أن الحجة إنما تجب عليه بالإبانة، وإقامتها عليه، والبرهان.
وإنما تبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري أيقبل منها أم لا، وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم، ومعنى (لعلَّ) متصور في أنفسهم، وعلى تصور ذلك تقوم الحجة، وليس علم الله بما سيكون تجب به الحجة على الآدميين، ولو كان كذلك لم يكن في الرسل فائدة "
(4)
.
قال أبو حيان: " والصحيح: أنها على بابها من الترجي، وذلك بالنسبة إلى البشر "
(5)
.
وقال بعضهم: معناها هنا الاستفهام
(6)
. فكأنهم وجهوا معنى الكلام إلى:
…
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} ، فانظر هل يتذكر أو يخشى
(7)
.
روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قوله: هل يتذكر أو يخشى
(8)
.
قال السمين الحلبي: " والثالث أنها استفهامية، أي هل يتذكر أو يخشى، وهذا قول ساقط وذلك أنه يستحيل الاستفهام في حق الله تعالى، عما يستحيل الترجي، فإذا كان لا بد من التأويل فجعل اللفظ على مدلوله باقياً أولى من إخراجه عنه "
(9)
.
2 -
وقال آخرون: معنى (لعل) ههنا: (كي) ونُسب إلى الفراء
(10)
ووجهوا معنى الكلام إلى {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 43] فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بمعنى: لتأخذ أجرك
(11)
.
(1)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 182 وعزاه إلى سيبويه السمرقندي في تفسيره 2/ 400 وابن الجوزي في زاد المسيره 5/ 288 والشوكاني في فتح القدير 3/ 456
(2)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 182.
(3)
كالزمخشري في الكشاف 3/ 65، والبيضاوي في تفسيره ينظر: تفسير متن حاشية شيخ زاده 5/ 620.
(4)
معاني القرآن وإعرابه 3/ 357/ 358.
(5)
البحر المحيط 6/ 230.
(6)
تفسير الطبري 16/ 197 وينظر: معاني القرآن للأخفش ص: 250 وتفسير القرطبي 11/ 182 وفتح القدير 3/ 456.
(7)
تفسير الطبري 16/ 197.
(8)
رواه عنه أبن جرير في تفسيره 16/ 197، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2424.
(9)
الدر المصون 5/ 23.
(10)
تفسير الطبري 16/ 198، وينظر تفسير القرطبي 11/ 182 وأضواء البيان 4/ 448. والذي نسبه أبو حيان في البحر المحيط 2/ 230 و الحلبي في الدر المصون 5/ 23 ولم أجده في موضعه في معاني القرآن.
(11)
تفسير الطبري 16/ 198.
قال الطبري: " ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح "
(1)
وذكر الزركشي قول سيبويه وقال عنه " وهذا أحسن من قول الفراء إنها تعليلية، أي كي تتذكر لما في إخراج اللفظ عن موضوعه
(2)
.
وأجاب الحسين رحمه الله بالقول المذكور في المتن، ويُفهم من قوله أن (لعلَّ) ههنا عنده بمعنى (كي). وهذا معنى أثبتته جماعة. لكن تقديره لما بعد (كي) فيه تكلف ظاهر. لا أرى له من الآية دليلاً أو حتى قرينة تشير إليه.
وهل هناك ما يجعل القارئ يفهم في مثل هذا السياق {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44] أن غير فرعون هو فاعل يتذكر؟
ولم يأت كلام الله بالأحاجي والألغاز بل هو واضح ميسر لكل مدَّكر.
قال تعالى {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 17 - 19] والقرآن يفسر بعضه بعضاً.
وجاءت الآية بصيغة (لعل) تسهيلاً للأمر ورفقاً وبياناً لأن حصول أحدهما طريق إلى حصول المقصود، فلا يطلبان جميعاً في الابتداء
(3)
والذي تطمئن إليه النفس، ألا تُخرج (لعلّ) عن معناها وتترك لتعمل على بابها ولا مانع من ذلك مع توجيه التوقع إلى البشر، كما قال سيبويه وغيره والله أعلم.
ثم إنه لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه وهذه قاعدة يُستند إليها في الترجيح، إذ الأصل في نصوص القرآن أن تحمل على ظواهرها، وتفسر على حسب ما يقتضيه ظاهر اللفظ ولا يجوز أن يُعدل بألفاظ الوحي من ظاهرها إلا بدليل واضح يجب الرجوع إليه
(4)
قال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] وقال: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19].
(1)
المصدر السابق
(2)
البرهان 4/ 57.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 15/ 246.
(4)
ينظر في هذه القاعدة وتفاصيلها: قواعد الترجيح 1/ 137 - 146.
ذلك المدح، لأن ظواهره تدل على مراد الشارع منه.
وقرّر الطبري تلك القاعدة بقوله: " وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته"
(1)
وقال: الزركشي: " وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان:
أحدهما: أن يكون أحدهما أظهر من الآخر، فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفيُّ دون الجليِّ فيحمل عليه ".
(2)
(1)
تفسيره 1/ 299.
(2)
البرهان 2/ 166/ 167.