الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39]
[21] قال الحسين بن الفضل: (لأنَّ الله تعالى أحيا قلبه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهُمَّ بمعصية)
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 118
(2)
الدراسة
يحيى اسم سمَّاه الله به ولم يسم به أحدٌ قبله
(3)
قال تعالى: {يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] وقيل: إنه أعجميٌّ مُنع من الصرف للتعريف والعجمة، كموسى وعيسى، وقيل: إنَّه عربيٌّ ومنع للتعريف ووزن الفعل.
(4)
والقائلين بعربيته لعلهم أخذوه من وجه تسميته بذلك
(5)
ثم اختلفوا لم سمي يحيى بهذا الاسم على أقوال منها:
1 -
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن الله أحيا به عقر أمه.
(6)
2 -
قال قتادة: لأن الله أحياه بالإيمان.
(7)
3 -
قال مقاتل: لأنه أحياه بين شيخ وعجوز
(8)
، وهذا يؤول إلى قول
…
ابن عباس.
4 -
قال الزجاج: لأنه حَيىَ بالعلم والحكمة التي أوتيها
(9)
.
5 -
قال أبو القاسم بن حبيب: سمى يحيى أنه استشهد، والشهداء أحياء عند ربهم.
(10)
أما عن قول ابن عباس فدلَّ عليه قوله تعالى {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 40]
(1)
وافقه ابن الجوزي في زاد المسير 1/ 383، ونسب أبو حيان نحوه للحسين في البحر المحيط 2/ 466.
(2)
ت: عبد الله أبو طعيمة، ج: أم القرى.
(3)
رواه ابن المنذر في تفسيره عن السري ص: 186 وينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/ 406. وأضواء البيان 4/ 232
(4)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/ 406 والكشاف 1/ 388 والمحرر الوجيز 1/ 429 وتفسير النسفي 1/ 152 والبحر المحيط 2/ 465 والدر المصون 2/ 83 وروح المعاني 3/ 146.
(5)
روح المعاني 3/ 146 وينظر: البحر المحيط 2/ 466.
(6)
ينظر: تفسير الرازي 21/ 159 وتفسير البغوي 1/ 348 وزاد المسير 1/ 382 وتفسير أبى السعود 2/ 32 وروح المعاني 3/ 146 وذكره السمر قندي في تفسيره 1/ 235 والقرطبي في تفسيره 4/ 77 ولم ينسباه.
(7)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 3/ 295، وابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 234/ 641 ت: حكمت بشير ياسين، وابن المنذر في تفسيره ص:186.
(8)
ينظر: زاد المسير 1/ 382 و البحر المحيط 2/ 466.
(9)
معاني القرآن وإعرابه 3/ 320 وينظر: زاد المسير 1/ 382، والبحر المحيط 2/ 466، والدر المصون 2/ 83 ولم يذكر الحكمة وروح المعاني 3/ 146 ولم ينسبه.
(10)
ينظر: تفسير الرازي 21/ 159 والبحر المحيط 2/ 466.
والعاقر: عَقَرته أعقِرهُ عَقْراً فهو عقيرٌ ومعقور .. وعُقْر الدار وعَقْرها:
…
ساحتها
(1)
…
وامرأة عاقر لا تلد وكذلك الرجل
…
(2)
قال الزجاج: والعقار كل ماله أصل .. وعُقْرُ دار قوم أصل مُقَامهم الذي عليه مُعَوَّلهم
(3)
والعقر مشتق من العَقْر وهو القتل، كأنهم تخيلوا فيه قَتْل أولاده
(4)
.
وكانت زوجة زكريا عليه السلام عاقراً ولذلك حيا رحمها بحملها بيحيي عليه السلام.
وأما قول قتادة فيعضده قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122] أي: أو من كان من قبل هداية الله له ميتا في ظلمات الكفر والجهل، والمعاصي، فأحييناه بنور العلم، والإيمان، والطاعة.
(5)
فأُطلق على الكفر موت، وعلى الإيمان حياة.
(6)
[الأنفال: 24].
وأما قول مقاتل فيدلُّ عليه قوله تعالى {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8]
(1)
الاشتقاق ص: 346/ 347.
(2)
المصدر السابق وينظر: مجاز القرآن 2/ 1 وتفسير الطبري 3/ 251 وتفسير البغوي 1/ 349 وتفسير القرطبي 4/ 80 والدر المصون 2/ 87 ونظم الدرر 2/ 78 وحاشية شيخ زاده 3/ 59 وأضواء البيان 4/ 229 ..
(3)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 408.
(4)
الدر المصون 2/ 87.
(5)
تفسير السعدي ص: 272.
(6)
ينظرفي هذه الآية: قاعدة جلية وهي الحياة الحقيقية في كتاب الفوائد ص: 132 لابن القيم.
قال أبو عبيدة: كل مبالغ من كِبَر أو كفْر أو فساد فقد عتا يعتو عتياً
(1)
.
وقوله {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 40]
{بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} يعني: من بلغ من السنِّ ما بلغتُ لم يوُلد له
(2)
وقيل كان زكريا عليه السلام ابن عشرين ومائة سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة
(3)
.
وقيل: كان له من العمر تسع وتسعون سنة، ولامرأته ثمان وتسعون سنة
(4)
وأما عن قول الزجاج فقد قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ}
…
[آل عمران: 39]
والعلم والحكمة داخلة في معنى النبوة.
وقال تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]
وأما عن قول أبي القاسم بن حبيب فدلَّ عليه قوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
وبعد هذا التفصيل يتبين أن ما ذكر في سبيل التسمية هي معان صحيحة وأنَّها تذهب إلى نوع من أنواع الحياة، فكل قول منها صحيح في ذاته أنه حياة، لكن يبقى هل هو المراد بعينه في تسميته بيحيى أم لا؟ ومثله ما قاله الحسين بأن الله أحياه بالطاعات لدلالة آية الأنعام السابقة عليه، فالحياة الحقة تكون بالعبودية التامة لله عز وجل ولزوم طاعته، ولا شك أنَّ الأنبياء اعتلوا أعلى مقامات الطاعات لله تبارك وتعالى، ويحيي عليه السلام واحد منهم.
(1)
مجاز القرآن 2/ 2.
(2)
تفسير الطبري 3/ 301.
(3)
ينظر: تفسير البغوي 1/ 349 و الوجيز للواحدي 1/ 209 وتفسير السمعاني 1/ 314 وزاد المسير 1/ 384 وتفسير القرطبي 4/ 80 وفتح القدير 2/ 428.
(4)
ينظر: تفسير السمرقندي 1/ 266 والكشاف 1/ 360 وتفسير النسفي 1/ 153 وتفسير البيضاوي متن حاشية شيخ زادة 3/ 59 والبحر المحيط 2/ 469 والتسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/ 106.
و يبقى آخر قول الحسين، ولعله اقتبسه مما قيل عنه عليه السلام أنه لم يعص ولم يهم بمعصية.
كما روى قوله (ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ، أوهمَّ بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، عن عبد الله بن عباس
(1)
وعبد الله بن عمرو بن العاص
(2)
أو عن أبيه عمرو
(3)
وأبي هريرة
(4)
رضي الله عنهم جميعاً.
قال الهيثمي
(5)
بعد ذكره لرواية ابن عباس: " رواه أحمد وأبو يعلى
(6)
والبزار
(7)
والطبراني
(8)
، وفيه علي بن زيد، وضعفه الجمهور، وقد وثق، وبقية
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 2/ 647، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 186 ح: 20537 وأحمد في مسنده (ح: 2294، 2654، 2689، 2736، 2945)، وأبو يعلى في مسنده 4/ 418/ 2544 والطبراني في المعجم الكبير 12/ 216، ح:12933.
(2)
عبد الله بن عمرو بن العاص: ابن وائل السهمي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، توفي في ذي الحجة ليالي الحرة بالطائف. ينظر: تذكرة الحافظ 1/ 41، التقريب (3500).
(3)
عمرو بن العاص بن وائل السهمي، الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين، وهو الذي فتحها، توفي بمصر سنة نيف وأربعين، ينظر: السير (3/ 54)، التقريب (5053) وأخرجه عنه الطبري في تفسيره 3/ 255، وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 404 موقوفاً على عمرو بن العاص، وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والبزار (2360) من طرق عن يحي. وزاد الحاكم والطبري (قال: ثم دلَّى رسول الله يده إلى الأرض فأخذا عويداً صغيراً) ثم قال: " وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود، وبذلك سماه الله (سيداً وحصوراً) وفي هذه الزيادة بيان لمعنى (الحصور) وهو الممتنع عن إتيان النساء، ولكن هنا يرد سؤال مهم، وهو كيف يكون كذلك (كما ورد في الحديث) والآية في مقام المدح، وبما أن البحث ليس هنا مجال لاستقصائه، أرى – والله أعلم – أن الآلوسي في روح المعاني 3/ 148، قد أجاد في الجمع، وينظر: فتح القدير 1/ 428.
(4)
أخرجه عنه ابن أبى حاتم بنحوه في تفسيره 2/ 248، ت: حكمت بشير ياسين، وابن عدي في الكامل 2/ 234.
(5)
الهيثمي: علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر المصري الشافعي، نور الدين أبو الحسن الهيثمي، أحد حفاظ الحديث في زمنه، له عدة مؤلفات، منها: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، غاية المقصد في زوائد أحمد، وغيرهما، توفي سنة (807 هـ) ينظر لحظ الألحاظ لابن فهد (ص: 239)، ذيل تذكرة الحفاظ (ص: 372).
(6)
أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي، أبو يعلى الموصلي، محدث الموصل، له: المسند والمعجم، توفي سنة (307 هـ)، ينظر: السير (14/ 174)، تذكرة الحفاظ (2/ 707).
(7)
البزاز: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، أبو بكر البزاز، الحافظ الكبير، له: المسند، توفي سنة (292 هـ)، ينظر: السير (13/ 554)، تذكرة الحفاظ (2/ 653).
(8)
الطبراني: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، الحافظ الكبير، صاحب المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير، وله أيضاً: مسند الشاميين، والسنة، وغيرهما، توفي سنة (360 هـ)، ينظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (2/ 49)، السير (16/ 119).
رجال أحمد رجال الصحيح".
(1)
وقد سئل النووي عن الحديث: " هل هو صحيح، ومن رواه من أصحاب الكتب وما اسم راويه الصحابي " فأجاب:
" هذا حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به ".
(2)
وذكر الألباني الحديث وعلق عليه
(3)
وقال: وفي هذين النقلين نظر، وبيَّنه
…
رحمه الله
(4)
.. ثم قال: " وخلاصة القول في هذا الحديث أنه صحيح بلا ريب على الأقل بمجموع طرقه؛ لأن أكثرها ليست شديدة الضعف، بل إنَّ بعضها صحيح لذاته عند البزار، وغيره عن ابن عمرو، فتضعيف النووي إياه مردود، وكذا إعلال ابن كثير لبعض طرقة في " التاريخ "
(5)
" والتفسير "
(6)
فإنه لم يقف على أكثر الطرق التي ذكرتها وبخاصة طريق البزار "
(7)
وعلى هذا يكون لآخر قول الحسين وجه صحيح - والله أعلم -.
يسنده ما ذكره كثير من المفسرين، ومن ذلك:
ما قاله الزمخشري: "وكان يحيى فائقاً لقومه وفائقاً للناس كلهم في أنه لم يركب سيئة قط ويالها من سيادة"
(8)
.
وقال الراغب: "والحَيَا المطر لأنه يُحيى الأرض بعد موتها، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] وقوله تعالى: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] فقد نبَّه أنه سماه بذلك من حيث إنه لم تمته الذنوب كما أماتت كثير من ولد آدم عليه السلام، لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإن هذا قليل الفائدة"
(9)
.
(1)
مجمع الزوائد 8/ 29.
(2)
الفتاوى المسماة بالمسائل المنثورة ص: 179.
(3)
ينظر: السلسلة الصحيحة 6 (2/ 1206 - 1212).
(4)
ينظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 6 (2/ 1207)
(5)
ينظر: البداية والنهاية 2/ 404.
(6)
ذكر ابن كثير المروي في هذا المعنى ووصف الموقوف بأنه أصح إسناداً من المرفوع .. ينظر: تفسيره 1/ 361 و 3/ 113 - 114
(7)
السلسلة الصحيحة 6/ 2/ 1212.
(8)
الكشاف 1/ 360 وينظر: تفسير البيضاوي متن حاشية شيخ زاده 3/ 58
(9)
المفردات ص: 146.