الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة آل عمران
قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]
.
[19] قال الحسين بن الفضل: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} يعني ملك الجنة كما آتى المؤمنين قال الله تعالى: {وَمُلْكًا كَبِيرًا}
.
{وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} من الكفار وأهل النار).
الكشف والبيان 1/ 134
(1)
.
الدراسة
في سبب نزولها أقوال
(2)
منها:
1 -
روى الواحدي عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكَ تُؤْتِي الْمُلْك مَنْ
…
تَشَاءُ
…
الاية}
(3)
.
(1)
ت: عبد الله بن جمعة أبو طعيمة، ج: أم القرى.
(2)
ينظر: أسباب النزول للواحدي ص: 86، 87، 89 والعجاب في بيان الأسباب لابن حجر 2/ 674، والكشاف 1/ 350، وتفسير البحر المحيط 2/ 436.
(3)
أسباب النزول للواحدي ص: 86، رواه ابن أبى حاتم عن قتادة 2/ 171 ت: حكمت بشير ياسين، وإسناده منقطع، وأخرجه الطبري عن بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه (التفسير 3/ 260)، وإسناده حسن ـ تفسير ابن أبي حاتم 2/ 171).
2 -
قال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك
(1)
رضي الله عنه: " لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم، قالت المنافقون واليهود: هيهات
من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعزّ وّ أمنع
(2)
من ذلك، ألم يكف محمداً مكة والمدينة، حتى طمع في ملك فارس والروم، فأنزل الله هذه الآية
(3)
.
فلك سبحانك الملك كله، ملك الدنيا والآخرة خالصاً لك وحدك ليس لغيرك منه شيءٌ، أنت الملك لجميع الممالمك، والمملكة علويها وسفليها لك، والتصريف والتدبير كله لك، بحيث تتصرف فيه كيفما شئت إيجاداً وعدماً وإحياءً وإماتة وتعذيباً وإثابة، تعطي الملك من تشاء، وتوسعه على من تشاء، وتضيقه على من تشاء.
قوله تعالى {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}
الإيتاء: الإعطاء
(4)
، والإتيان: المجيء بسهولة
(5)
ونزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس من كبده .. ونزع فلان كذا أي سلب. قال: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}
(6)
والتعبير بالإتيان هنا إشعار بأنه تنويل من الله من غير قوة وغلبة ولا مطاولة فيه
(7)
، وأما كلمة النزع ففيها ما ينبئ عنه من البطش والقوة ما يناسب معنى الإيتاء
(8)
قال الزمخشري: " تعطي من تشاء النصيب الذي قسمت له واقتضته حكمتك من الملك.
{وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} النصيب الذي أعطيته منه، فالملك الأول عام شامل والملكان الآخران بعضان من الكل "
(9)
.
(1)
أنس بن مالك: أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، خادم النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة (92) وقيل (93 هـ). ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 44)، التقريب (565).
(2)
أشد وأقوى ..
(3)
أسباب النزول للواحدي ص: 86 وينظر: تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 1/ 45 وتفسير السمرقندي 1/ 229، والمحرر الوجيز 1/ 416، وتفسير السمعاني 1/ 306، وتفسير البغوي 1/ 337، وتفسير القرطبي 4/ 56، وتفسير النسفي 1/ 148 وغيرها.
(4)
العين 1/ 55.
(5)
ينظر: المفردات ص: 18.
(6)
المفردات ص: 490.
(7)
ينظر: نظم الدرر 2/ 052
(8)
المصدر السابق 2/ 53/ 54.
(9)
الكشاف 1/ 349/ 350.
قال مجاهد: الملك هنا " النبوة "
(1)
وقال الكلبي: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} محمد وأصحابه.
{وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} أبي جهل وصناديد قريش.
(2)
، من تشاء وتنزعه ممن تشاء.
وقيل: تؤتي الملك من تشاء من جهة الغلبة والدين والطاعة. ".
(3)
.
وقيل: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} هم العرب {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} هم فارس والروم
(4)
وقيل: المعنى تؤتي الملك في الجنة من تشاء، وتنزع الملك من ملوك الدنيا في الآخرة ممن تشاء
(5)
، وقيل غير ذلك
(6)
.
وكأن القول الأخير هذا هو الذي مال إليه الحسين رحمه الله في تفسيره لهذه الآية، والظاهر أن الأخذ بقول بعينه دون غيره، تخصيص ليس في الكلام ما يدل عليه، والأولى أن يحمل على جهة التمثيل لا الحصر في المراد
(7)
.
قال الشوكاني: " والظاهر شموله لما يصدر عليه اسم الملك من غير مخصص "
(8)
لكن ليس هناك أشرف من ملك الجنة وسعادة الآخرة.
قال ابن عطية: " والصحيح أنه مالك الملك كله مطلقاً في جميع أنواعه وأشرف ملك يؤتيه سعادة الآخرة "
(9)
وهل يرجى لعبد أهانه الله وسلب منه الهداية ثم أدخله النار من سعادة .. ؟
وهو سبحانه الذي دعا عباده إلى الحسنى، فعمَّهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، فخصَّ بالهداية والتوفيق من شاء منةً منه وفضلاً، ولم يجبه من لم يرفع بها رأساً فحق عليه الخلود في نار جهنم أبداً. فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم.
(1)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 3/ 260، وروا هـ عنه ابن المنذر في تفسيره ص: 158/ 159. وينظر: تفسير ابن أبى حاتم 2/ 171 ت: حكمت بشير ياسين، و تفسير البغوي 1/ 337 وتفسير ابن كثير 1/ 356.
(2)
الوجيز للواحدي 1/ 205 وينظر: تفسير البغوي 1/ 337.
(3)
…
التحضر والثراء
(3)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 392.
(4)
تفسير البغوي 1/ 337 وينظر: نظم الدرر 2/ 54.
(5)
تفسير البحر المحيط 2/ 337.
(6)
ينظر: تفسير البغوي 337/ 338 والبحر المحيط 2/ 437، وتفسير النسفي 1/ 148.
(7)
ينظر: البحر المحيط 2/ 437.
(8)
فتح القدير 1/ 418.
(9)
المحرر الوجيز 1/ 416، وينظر: تفسير الثعالبي 1/ 254.
ونظير الملك الذي فسره الحسين ما ورد في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20]
يقول ـ جلَّ ذكره ـ: إذا رأيت يا محمد " ثَمَّ " أي هناك في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة، والسرور ":{رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطاناً باهراً
(1)
{وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي عظيماً واسعاً لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه
(2)
، والكبير هنا مستعار للعظيم وهو زائد على النعيم لأن فيه رفعةً وتذليلاً للمصاعب
(3)
.
قال الطبري " وقيل ": إن ذلك الملك الكبير: تسليم الملائكة واستئذانهم عليه
(4)
وهو قول مجاهد
(5)
وسفيان الثوري
(6)
.
وقيل: الملك الدائم الذي لا زوال له
(7)
وقيل: هو النظر إلى الله سبحانه عز وجل
(8)
ولا يخفى على أيِّ مطَّلع أنَّ كلَّ ما ذكر داخل تحت معنى الملك.
فتجد الواحد من المنعَّمين عنده من القصور والمساكن والغرف المزخرفة مالا يدركه الوصف، ولديه من البساتين الزاهرة، والثمار الدانية، والفواكه اللذيذة والأنهار الجارية، والرياض الناضرة، بالطيور المطربة ما يأخذ القلوب، وعنده من الزوجات اللاتي هن في غاية الحسن والإحسان الجامعات لجمال الظاهر والباطن ما يملأ القلوب سروراً، ولذةً وحبوراً، وحوله من الولدان المخلدين، والخدم المؤيدين ما به تحصل الراحة وتتم اللذة وتكتمل الغبطة.
ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤيته عز وجل، وسماع خطابه ولذة القرب منه، والابتهاج برضاه والخلود الدائم
…
فالحمد لله الحق المبين الذي لا تنفد خزائنه ولا يقل خيره فكما لا نهاية لأوصافه فلا نهاية لبره وإحسانه
(9)
(1)
تفسير ابن كثير 4/ 456/ 457.
(2)
زاد المسير 8/ 439.
(3)
ينظر: التحرير والتنوير 29/ 369.
(4)
تفسير الطبري 29/ 263 وينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 5/ 261، وتفسير السمرقندي 3/ 506 والمحرر الوجيز 5/ 413، وتفسير السمعاني 6/ 120، وينظر في الثاني تفسير الرازي 30/ 222 وتفسير البغوي 4/ 527 وزاد المسير 8/ 439، وروح المعاني 29/ 161.
(5)
رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد 29/ 263.
(6)
رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد وسفيان 29/ 263.
(7)
ينظر: تفسير الرازي 30/ 222 وتفسير البغوي 4/ 527 وروح المعاني 29/ 161.
(8)
ينظر: البحر المحيط 2/ 391 وروح المعاني 29/ 161.
(9)
ينظر: تفسير السعدي ص 902 بتصرف.
وقد ألف ابن القيم في وصف الجنة كتاباً سماه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وقد بيَّن فيه هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} ينظر ص: 388، وما بعدها. أسأل الله أن يسكننا وإياه الفردوس الأعلى من الجنة.