الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الكوثر
قال تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]
[105]
قال الحسين بن الفضل: (الكوثر شيئان: تيسير القرآن، وتخفيف الشرائع).
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 443
(2)
الدراسة
اختلف أهل التأويل في الكوثر، فقيل علمٌ على نهر في الجنة أعطاه الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
روى البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم (أتيتُ على نهر حافَّتاه قباب اللؤلؤ مجوَّف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر).
(3)
وقيل هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم
روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (أُنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (2)} ثم قال: (أتدرون ما الكوثر؟) فقلنا الله ورسوله أعلم قال: (فإنَّه نهرٌ وعدنيه ربِّي عز وجل عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيُخْتَلج
(4)
العبد منهم، فأقول: ربِّ إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثوا بعدك)
(5)
.
وقال ابن عباس في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه
(6)
وقيل لسعيد بن جبير فإن الناس يزعمون أنه نهرٌ في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
(7)
وعلى هذا فالكوثر وصفٌ، وهو الخير الكثير، ومن جملته النهر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عكرمة: الخير الذي أعطاه الله: النبوة والإسلام وروى عنه قوله في الكوثر: ما أعطي النبي من الخير: النبوة والقرآن
(8)
.
(1)
وافقه القرطبي في تفسيره 20/ 199 وأبو حيان في البحر المحيط 8/ 521.
(2)
ت: أحمد بن محمد البريدي، ج: أم القرى.
(3)
(التفسير) ح: 4964، ص: 890
(4)
الخَلْجُ: جذبُك شيئًا أخرجته من شيء .. ويقال: إنَّ الخَلْج: الانتزاع. العين 2/ 430/ 431.
(5)
في (الصلاة) ح: 894، ص:170.
(6)
رواه البخاري عنه في (التفسير) ح: 4966، ص: 890 ..
(7)
رواه البخاري عنه في نفس المصدر السابق.
(8)
رواه عنه الطبري في تفسيره 30/ 393. وينظر في الأقوال السابقة ومن قال بها: نفس المصدر. 30/ 390 - 393.
وقال الحسن هو القرآن
(1)
، وقيلت أقوالٌ كثيرة غير ذلك.
(2)
قال الخليل بن أحمد: " والكوثر نهر في الجنة يتشعبُ منه أكثر أنهار الجنة " .. ويقال: بل الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
وقال الزجاج: " وقال أهل اللغة: الكوثر فوعل من الكثرة، ومعناه الخير الكثير، وجميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه النَّبيُّ عليه السلام، قد أعطي الإسلام والنبوة وإظهار الدين الذي أتى به على كلِّ دين، والنصر على عدوه والشفاعة ومالا يحصى ممّا أعطيه، وقد أعطي الجنة على قدر فضله على أهل الجنة "
(4)
ورجح الطبري أنه اسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وصفه الله بالكثرة، لعظم قدره، ودلَّل على ذلك
(5)
.
وقال البغوي: " والمعروف أنه نهر في الجنة أعطاه الله رسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث ".
(6)
وقال القرطبي: " قلتُ: أصح هذه الأقوال الأول والثاني، لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الكوثر،
…
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة على حوضه صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً "
(7)
وقال أبو حيان: " وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا أن الكوثر منحصر في واحد منها ".
(8)
قال ابن تيمية " وقوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} تدل هذه الآية على عطية كثيرة صادرة عن معط كبير غني واسع " إلى أن قال: " وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم، لما فيه من عدم التعيين، وأتى بالصفة أي أنه سبحانه وتعالى قال {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فوصفه بالكوثر، والكوثر المعروف إنما هو نهر في الجنة كما وردت به الأحاديث الصحيحة الصريحة، وقال ابن عباس: الكوثر إنما هو من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وإذا كان أقل أهل الجنة من له فيها مثل الدنيا عشر مرات، فما الظن بما لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما أعده الله له فيها، فالكوثر علامة وأمارة على تعدد ما أعده الله له من الخيرات واتصالها وزيادتها أو سمو المنزلة وارتفاعها، وإن ذلك النهر وهو الكوثر أعظم أنهار الجنة وأطيبها ماء، وأعذبها، وأحلاها وأعلاها".
(9)
(1)
رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره 10/ 3470 وينظر: معاني القرآن للنحاس 5/ 188 وتفسير البغوي 5/ 699.
(2)
ينظر: زاد المسير 9/ 249 والبحر المحيط 8/ 521، وتفسير القرطبي 20/ 199.
(3)
العين 4/ 12.
(4)
معاني القرآن وإعرابه 5/ 369.
(5)
ينظر: تفسيره 30/ 393.
(6)
تفسيره 4/ 700.
(7)
تفسيره 20/ 201.
(8)
البحر المحيط 8/ 521.
(9)
مجموع فتاوى ابن تيمية 16/ 529/ 530.
والذي تطمئن إليه النفس أن الكوثر، هو الخير الكثير ولا شكَّ في كون النهر والحوض من جملته بل إنهما من أولى ما يدخل فيه ـ والعلم عن الله تعالى ـ.
وبالنسبة لقول الحسين فقد مرَّ معنَا في سورة التكاثر قوله في النعيم أنه (تخفيف الشرائع وتيسر القرآن) والنعيم من الخير الذي يعطيه الله العبد. فكأني أراه جعل تخفيف الشرائع وتيسير القرآن نعمة على الأمة وعلى النبي خاصة كذلك وهذا صحيح ولكن أن يكون المقصود من الآية فلا أظن، وأستطيع أن أقول: إنه من الخير الذي أُعطيَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إن القرآن الكريم من أعظم الخير الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال تعالى {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)
(1)
و في رواية مسلم إن الله تعالى قال: (قد فعلت)
(2)
.
(1)
رواه ابن ماجه في (الطلاق) باب: طلاق المكره والناسي، ح: 2045، ص: 293، والحاكم وصححه 2/ 216 وينظر: تلخيص الحبير لابن حجر 1/ 281 - 283.
(2)
كتاب (الإيمان) ح: 330، ص:67.