الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن المعلوم أن أبا زكريا يحيى بن زياد الفراء المتوفى سنة 207 هـ، أملى كتابه من حفظه ابتداءً من شهر رمضان سنة ثنتين ومائتين إلى سنة أربع ومائتين
(1)
، ولقد حشد فيه علوماً منها:
الإعراب والمعاني والقراءات وعللها وتوجيهها، والصرف ولغات العرب وغيرها، وكان تركيبه بـ (معاني القرآن) يعني ما يشكل في القرآن ويحتاج إلى بعض العناء في فهمه.
ويمكن وصف موضوعات الكتاب بما يأتي:
1 -
حرص الفراء على الاهتمام بالعربية وقد غفل عن غيرها من المصادر، وهذا كان له الأثر في عدم اعتماده بعض أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين.
2 -
أن أكثر مباحث الكتاب تتعلق بالنحو، وبهذا أبرز الفراء مذهبه الكوفي الذي حرص من خلال كتابه أن يظهر مصطلحات النحو الكوفي، ويبرز مسائله بل ويستطرد فيها حتى أن الصبغة النحوية فاقت التفسير والمعاني في كتابه (معاني القرآن).
3 -
لما للمنحى العربي الذي سلكه الفراء في كتابه من تأثير فإنك تجده كثيراً ما يستنتج من النص القرآني ليبين صحة هذا الأسلوب الذي افترضه.
4 -
كان لعلم القراءات شاذِّها ومتواترها نصيباً كبيراً من كتابه (معاني القرآن) وهو يذكر توجيهها ويبين ما بينها من الفروق إن وجد، كالاختلاف في اللَّهجات والتَّصريف وفي الإعراب.
5 -
اهتمَّ الفراء ببيان لغات العرب، وطريقة نطقها لبعض الكلمات، وهو في ذلك إما أن يُخصِّص قول العرب بقبيلة معينة، أو لا يخصص القول بقبيلة معينة.
6 -
اهتم الفراء ببيان معاني ألفاظ القرآن وكان يستشهد لها، ولكن بقلة بخلاف المسائل النحوية التي يكثر الاستشهاد لها.
ولقد استقريتُ الآيات التي فسرها الحسين بن الفضل في كتاب (معاني القرآن) للفراء، فاستنتجتُ الأمور التالية:
1 -
حصرتُ اثنتين وأربعين آية
(2)
توافقا في تفسيرها، ولو بشكل عام.
(1)
ينظر: معاني الفراء 1/ 1.
(2)
ينظر: البقرة (1، 72)، وآل عمران (26، 39، 46)، الأعراف (63، 189)، التوبة
…
(5، 28) يونس (94)، هود (17، 63، 78) الحجر (87)، طه (3)، الأنبياء (2) الحج (15) النور (32) والشورى (1، 2) مع التنبيه على أنهما قول واحد، الزخرف (55) الجاثية (24)، الذاريات (50، 56) النجم (20، 32، 37)، الرحمن (7)، الواقعة) 79)، الحديد (3، 23)، المزمل (5) البروج (3)، الفجر (3)، الشرح (2)، التكاثر (8) الكوثر (1).
2 -
أن إجراء موازنة منضبطة بين أقوالهما أمرٌ لا يتأتَّى؛ ذلك لما ذكرت سابقاً من إمكانية تصوُّر منهج متكامل لأقوال الفراء الأمر الذي لم يتوفر في أقوال الحسين بن الفضل.
3 -
الفراء ينحو في أقواله منحى بلاغيّاً نحويّاً، بينما الحسين ينحو المنحى البلاغي.
4 -
في بعض الأمثلة يفسر الفراء الآية من جهة بينما يفسرها الحسين من جهة أخرى، كما في قوله تعالى {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح: 2].
قال الفراء: (يقول: إثم الجاهلية، وهي في قراءة عبد الله: (وحللنا عنك وقرك، يقول: من الذنوب)
(1)
.
وقال الحسين بن الفضل: (يعني الخطأ والسهو).
5 -
وعليه سوف تكون الموازنة بين أقوالهما بشكل عام.
6 -
أرى أن اختيار أقوال الفراء لإجراء مقارنة بينها وبين أقوال الحسين بن الفضل اختيار غير موفق لأجل ما بين أقوالهما من فروق واضحة ولعدم اتفاقهما في نفس التفسير ولو في أغلب الآيات.
وسأعرض أمثلة من أقوالهما:
1 -
في قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود: 17].
قال الفراء: (فالذي على البيِّنة من ربِّه محمد صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه يعني جبريل عليه السلام يتلو القرآن، الهاء للقرآن. وتبيان ذلك: ويتلو القرآن شاهد من الله .. )
(2)
.
وقال الحسين بن الفضل: (وهو القرآن ونظمه وإعجازه، والمعاني الكثيرة منه في اللفظ القليل).
2 -
في قوله تعالى {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} [هود: 63].
قال الفراء: (يقول: فما تزيدونني غير تخسير لكم وتضليل لكم، أي كلما اعتذرتم بشيء هو يزيدكم تخسيراً، وليس غير تخسير لي أنا، وهو كقولك للرجل ما تزيدني إلا غضباً أي غضباً عليك)
(3)
.
وقال الحسين بن الفضل: (لم يكن صالح في خسارة حين قال لهم: (فما تزيدونني غير تخسير) وإنما المعنى: ما تزيدونني بما تقولون إلا نسبتي إياكم إلى الخسارة).
(1)
معاني القرآن 3/ 275.
(2)
معاني الفراء 2/ 6.
(3)
معاني الفراء 2/ 20.
3 -
في قوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 2، 3].
قال الفراء: (إلا تذكرة نصبها على قوله: وما أنزلناه إلا تذكرة)
(1)
.
وقال الحسين بن الفضل: (فيه تقديم وتأخير، مجازه: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ولئلا يشقى).
4 -
في قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ} [الصافات: 107]،
قال الفراء: (والذبح الكبش وكلّ ما أعددته للذَبْح فهو ذِبح. ويقال: إنه رعى في الجنة أربعين خريفاً فأعظم به، وقال مجاهد (عظيم) متقبل)
(2)
.
وقال الحسين بن الفضل: (لأنه كان من عند الله عز وجل.
5 -
في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32].
قال الفراء: يقول: إلا المتقارب من صغير الذُّنوب، وسمعتُ العرب تقول: ضَرَبَهُ ما لَمَ القتل، (ما صلة يريد: ضربَه ضَرْباً متقارباً للقتْل، وسمعت من آخر: ألَمَّ يْفعَلُ - في معنى - كاد يفعل.
وذكر الكلبي بإسناده: أنها النظرة عند غير تعمد، فهي لمم وهي مغفورة، فإن أعاد النظر فليس بلمم هو ذنب)
(3)
.
وقال الحسين بن الفضل: (اللمم النظر من غير تعمّد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب).
6 -
في قوله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3].
قال الفراء: (وشاهد) يوم الجمعة، (ومشهود) يوم عرفة، ويقال: الشاهد أيضا يوم القيامة، فكأنه قال: واليوم الموعود والشاهد، فيجعل الشاهد من صلة الموعود، يتبعه في خفضه)
(4)
.
وقال الحسين بن الفضل: (الشاهد: هذه الأمة، والمشهود: سائر الأمم).
بيانه: قوله سبحانه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143].
(1)
معاني القرآن 2/ 174.
(2)
معاني القرآن 2/ 390.
(3)
معاني القرآن 3/ 100.
(4)
معاني القرآن 3/ 252.