الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة فاطر
[65] قال الحسين بن الفضل: (فيه تقديم وتأخير، مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 99
(2)
الدراسة
قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}
استفهام، تدل الصناعة النحوية على تقدير محذوف، وبحسب الأدلة يتعدد هذا التقدير، فيحتمل ثلاثة أمور:
أحدها: تقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات، فحذف الخبر لدلالة (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)
(3)
.
قاله الكسائي، وقال: وهذا كلام عربي ظريف لا يعرفه إلا القليل.
(4)
وقال النحاس: " والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى أن الله جلَّ وعزَّ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال عز وجل {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء: 3]
(5)
قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به، وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان، فرآه حسناً، فحسب سيئ ذلك حسناً، وظن أن قُبحه جميل لتزيين الشيطان ذلك له، ذهبت نفسك عليهم حسرات، وحذف من الكلام: ذهبت نفسك عليهم حسرات، اكتفاء بدلالة قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} منه ".
(6)
ثانيها: كمن هداه الله فحذف، لدلالة قوله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
(7)
.
(1)
وافقه البغوي في تفسيره 3/ 617 والقرطبي في تفسيره 14/ 284.
(2)
ت: ابن عاشور.
(3)
ينظر: البرهان في علوم القرآن 3/ 113 وزاد المسير 6/ 475.
(4)
ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 246 وتفسير القرطبي 14/ 284، وفتح القدير 4/ 419 ـ 420.
(5)
إعراب القرآن 3/ 246.
(6)
تفسيره 22/ 140.
(7)
ينظر: معاني القرآن للنحاس 5/ 438 والبرهان في علوم القرآن 3/ 113 وتفسير السمعاني 4/ 347. وتفسير البغوي 3/ 617 والمحرر الوجيز 4/ 430 وزاد المسير 6/ 475 وتفسير القرطبي 14/ 284 وتفسير الجلالين 1/ 572،
قال الزجاج: " الجواب ههنا على ضربين، أحدهما يدل عليه (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) ويكون المعنى: أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة، ويكون (فلا تذهب نفسك) يدل عليه، ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله، ويكون دليله {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .
(1)
وقال ابن عطية: " وجوابه محذوف تقديره عند الكسائي (تذهب نفسك حسرات عليهم) ويمكن أن يتقدر كمن اهتدى، ونحو هذا من التقدير، وأحسنها ما دل اللفظ بعد عليه ".
(2)
ثالثها: كمن لم يزين له سوء عمله، والمعنى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} من الفريقين اللذين تقدم ذكرهما، كمن لم يزين له، ثم كأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ذلك، قال: لا، فقيل:{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}
(3)
قال الشوكاني: " وهذا أولى لموافقته لفظاً ومعنى".
(4)
قال ابن تيمية: " قلت: نظير هذه الآية من المحذوف: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} كمن ليس كذلك إلى أن قال: " وقد قيل في هذه الآية أن المحذوف: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} فرأى الباطل حقاً؟ والقبيح حسناً كمن هداه الله فرأى الحق حقاً والباطل باطلاً والقبيح قبيحاً والحسن حسناً، وقيل: جوابه تحت قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} : لكن يرد عليه أن يقال: الاستفهام ما معناه إلا أن تقدر. أي: هذا تقدر أن تهديه أو ربك، أو تقدر أن تجزيه كما قال
…
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43] ولهذا قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
(5)
.
(1)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 264.
(2)
المحرر الوجيز 4/ 430.
(3)
البرهان في علوم القرآن 3/ 112 - 13، وينظر: تفسير النسفي 3/ 336 وروح المعاني 22/ 170.
(4)
فتح القدير 4/ 420.
(5)
مجموع فتاوى ابن تيمية 15/ 79.
وبعد إمكانية هذه التقديرات، ولأدلةٍ دلت عليها، يستغنى عن قول الحسين بتقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم.
وطالما أنَّ الآية واضحة المعنى، مفهومة المراد، من غير تقديم أو تأخير فلا داعي له. لبقائها على الأصل، وقد ناقشتُ القول في هذا الأسلوب فأرجو أن يكون الصواب فيما ذكرت.
ولعل الدَّاعي لقول الحسين هو النظرة العربية البحتة ــ والله أعلم ــ.
وقد قال الآلوسي: " ويفهم من كلام الطيبي أن فاء (فلا تذهب) جزائية وفاء (فإنَّ الله) للتعليل، وأن الجملة مقدَّمة من تأخير فقد قال إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إيمان القوم وأن يسلك الضالين في زمرة المهتدين فقيل له عليه الصلاة والسلام على سبيل الإنكار لذلك: أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين، كمن لم يزين له فلا بد أن يقر بالنفي ويقول لا، فحينئذ يقال له فإذا كان كذلك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقدم وأخر. انتهى وفيه نظر "
(1)
والحسرات هي أشد الندامة.
(2)
(1)
روح المعاني 22/ 170.
(2)
ينظر: تذكرة الأريب ص: 65.