الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأحزاب
قال تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]
[64] قال الحسين بن الفضل (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} عند الملائكة
…
لا عند الله). الكشف والبيان 8/ 68
.
(1)
الدراسة
قال تعالى {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} الجمهور على أنه آدم عليه السلام
(2)
{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} قال ابن عباس: غرَّ بأمر الله
(3)
وقال قتادة: ظلوماً لها: يعني للأمانة، جهولاً عن حقها.
(4)
وقال الضحاك: ظلوماً لنفسه جهولاً فيما احتمل فيما بينه وبين ربه
(5)
قال الطبري: " وحملها آدم {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا (لنفسه) جَهُولًا} بالذي فيه الحظُّ له
(6)
.
ومما ذكر ابن قتيبة في تفسيره أن الله أمر آدم عليه السلام عندما حضرته الوفاة أن يعرض الأمانة على ولده فعرضها على ولده فقبل بالشَّرط ولم يتهيَّب منه ما تهيبته السماء والأرض والجبال فقال: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا}
لنفسه {جَهُولًا} بعاقبة ما تقلَّد لربه.
(7)
(1)
ت: ابن عاشور.
(2)
رواه ابن جرير في تفسيره 22/ 65/ 66 عن ابن عباس والضحاك وابن زيد وغيرهم. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره 10/ 3159/ 3160 عن ابن عباس ومجاهد وأبي العالية وغيرهم ونسبه إلى الجمهور ابن الجوزي في زاد المسير 6/ 429، وقيل في معنى الإنسان أقوالاً غير هذا القول، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 238، وزاد المسير 6/ 429، وتفسير القرطبي 14/ 227.
(3)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 22/ 69.
(4)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 22/ 69.
(5)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 22/ 69، وقيل غير ذلك، ينظر: تفسير السمعاني 4/ 313، وتفسير البغوي 3/ 591 ..
(6)
تفسيره 22/ 64.
(7)
تأويل مشكل القرآن ص: 245، يراجع في هذا القول وفي كيفية إدراك الجمادات: أضواء البيان 6/ 605 - 606.
وقال ابن تيمية: "والإنسان خلق ظلوماً جهولاً، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعلمه يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله، وعدل ينافي ظلمه، فإن لم يمنَّ الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل، وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم
…
"
(1)
ثم إنَّ الرازي ذكر وجوهاً في معنى قوله {ظَلُومًا جَهُولًا} فقال: " رابعها، إنه كان ظلوماً جهولاً في ظنِّ الملائكة حيث قالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}
…
[البقرة: 30] وبيَّن علمه عندهم حيث قال {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ}
…
[البقرة: 31] "
(2)
وقد تكون هذه هي العلة الخفية خلف قول الحسين رحمه الله، والحقيقة أن قول الحسين رحمه الله هذا فيه غرابة فآيات البقرة صريحات واضحات في بسط المعنى في قصة آدم عليه السلام واستخلافه في الأرض، وهنا في آية الأحزاب المعنى واضح في عظمة الأمانة وإشفاق السموات والأرض والجبال من حملها فحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً فكيف يتفق هذا مع تكريم الله تعالى لآدم بالعلم عندما قال للملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} إلى أن قال {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31]
ولكن قد يكون لتضلُّع الحسين في علم المعاني وتعمقه فيه، دورٌ بارزٌ في مثل هذه الأقوال، وهذه هي الحال المتوقعة من تحكيم العربية دون الرجوع إلى القواعد السليمة التي لا بد للمفسر من السير وفقها، وكذلك الإلمام الواعي بالعلوم الأخرى المتعلقة بعلم التفسير.
وغير مستبعد أن يكون السبب الذي ألجأ الحسين إلى هذا القول هو المبالغة في تنزيه آدم عليه السلام والله تعالى أعلم ـ.
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 14/ 38.
(2)
تفسيره 25/ 203.
ويبقى أن فهم الآية لا يحتاج إلى تكلف أو تحميلها مالا تطيقه، لأنها جاءت على اللسان العربي المبين، ونحو هذا الكلام كثير في لسان العرب، وما جاء القرآن إلا على طرقهم وأساليبهم حتى قال بعضهم: الظلم كمين في النفس، العجز يخفيه، والقدرة تبديه، أو القوة تظهره والعجز يخفيه.
(1)
(1)
ينظر في هذا القول الأخير: كشف الخفاء 2/ 65.