الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة طه
قال تعالى {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 2 - 3]
[54] قال الحسين بن الفضل (فيه تقديم وتأخير، مجازه: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرةً لمن يخشى ولئلا تشقى)
.
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 27
(2)
.
الدراسة
في الآيات السابقة مسائل:
المسألة الأولى: معنى قوله (مجازه): المجاز في اللغة من جُزْتُ الموضع: سرتُ فيه: وأجزته: خَلَّفْته وقطعته
(3)
وتقول: جُزْت الطريق جوازاً وجُؤوزاً
…
ومجازاً
(4)
.
والمراد به عند الحسين معناه العام: الطريقة التي سلكها القرآن، وتكاد كلمة (مجازُه كذا) ترادف (معناه كذا) أو (تفسيره كذا) أو (تأويله كذا) وهكذا، وكثيراً ما تجد لفظة (مجاز) على المعنى العام عند أبى عبيدة في كتابه (مجاز القرآن) وهذا المعنى العام أعمُّ مما يُعرف عند البلاغين فيما بعد (بالمجاز)
(5)
الذي هو ضدُّ الحقيقة، وهذا فصل مهم في علم البيان قال ابن الأثير " بل هو علم البيان بأجمعه"
(6)
.
المسالة الثانية: وتحتها ثلاثة أغراض:
الغرض الأول: قال تعالى {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] ما معنى الشقاء؟.
(1)
وافقه القرطبي في تفسيره 11/ 154
(2)
ت: صالح بن نمران الحارثي ج، أم القرى
(3)
ينظر: مقاييس اللغة لابن فارس 1/ 494 (جوز).
(4)
العين 1/ 272.
(5)
وهو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له لعلاقة بينهما مع قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، ويستعمل لأغراض مقصودة. للاستزادة ينظر: الصاحبي لابن فارس ص: 149/ 152 والخصائص لابن جني 2/ 442 والمثل السائر 1/ 74 والمزهر للسيوطي 1/ 355. وقد اختلف العلماء في وقوع المجاز في اللغة وفي القرآن والخلاف في ذلك مشهور. فمنهم من منعه في اللغة وفي القرآن وانتصر لهذا المذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وألف فيه رسالة، تُنظر ضمن مجموع فتاواه 20/ 400. وأجازه الكثيرون في اللغة، ثم انقسم المجيزون وقوعه في اللغة إلى قسمين. الأول: أجازه كذلك في القرآن. الثاني: منعه في القرآن. وعلى كّلٍ فالذي يجب أن نعتقده وندين لله به أنه لا مجاز - بالمعنى الذي قصده المتأخرون ـ في آيات العقيدة. للاستزادة ينظر: قواعد الترجيح 2/ 387 ـ 400.
(6)
المثل السائر 1/ 74
أصل الشقاء في اللغة: العناء والتعب
(1)
وهو الشدة والعسر
(2)
والشقاء والشقاوة بالفتح ضد السعادة
(3)
.
الغرض الثاني: موقع اللام في (لتشقى): قال بعض النحويين أن هذه لام النفي وقال بعضهم هي لام الجحود
(4)
. وقال النحاس، سمعت
…
أبا الحسن بن كيسان
(5)
يقول في مثلها: إنها لام الخفض والمعنى عنده: ما أنزلنا عليك القرآن للشقاء
(6)
.
الغرض الثالث: الأقوال التي قيلت في قوله {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} قال مجاهد: هي مثل قوله: {مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] فكانوا يعلقون الحبال في صدروهم في الصلاة
(7)
.
وعن قتادة: لا والله ما جعله الله شقياً، ولكن جعله رحمة ونوراً، ودليلاً إلى الجنة
(8)
.
وقال الضحاك: لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليشقى به
(9)
.
وروى القاضي عياض عن الربيع بن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رِجل ورفع الأخرى فأنزل الله تعالى: (طه)[طه: 1] يعني طأ الأرض يا محمد {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}
(10)
فالمعنى أنك تُتعب نفسك وتنهكها بالعبادة، وما بعثناك إلا بالحنيفية السمحة.
(11)
وهذا يدل على قوله تعالى ({وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 158] وقيل: المعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، أي لتتعب تعباً شديداً، وتتأسف لفرط كفرهم وتتحسر على تقدم إيمانهم
(12)
، وقد جاء هذا في قوله:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] وقوله:
…
(1)
ينظر: الكشف والبيان 2/ 27 بالتحقيق السابق الذي نقلت عنه قول الحسين وتفسير القرطبي 11/ 153.
(2)
ينظر: تهذيب اللغة 2/ 1908.
(3)
لسان العرب (شقا).
(4)
ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 22 وتفسير القرطبي 11/ 153.
(5)
أبوالحسن بن كيسان: محمد بن أحمد بن إبراهيم كيسان الحربي، أبو الحسن النحوي، له المهذب في النحو، معاني القرآن، توفي سنة (299 هـ)، ينظر: السير (16/ 329)، بغية الوعاء (1/ 18).
(6)
إعراب القرآن 3/ 22.
(7)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 16/ 159 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2415، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 141
(8)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 16/ 159 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2415، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 141
(9)
رواه عنه الواحدي في أسباب النزول ص: 250، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 141 وزاد المسير 5/ 268.
(10)
الشفا ص: 37، وقال عنه ابن كثير في تفسيره 3/ 141:" وهو مرسل ".
(11)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 154 وأضواء البيان 4/ 434، وهناك أقوال حول هذا المعنى نسبها السيوطي لابن عباس وغيره. ينظر: الدر المنثور 5/ 459/ 550 واللباب في أسباب النزول ص: 174/ 175.
(12)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 153 وأضواء البيان 4/ 433/ 434، وحول هذا تفسير الطبري 11/ 159.
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] إلى غير هذا من الآيات.
ولعل المراد أنَّ المعنى يعمُّ ذلك كلَّه لاسيما والقرآن يشهد لبعضها.
المسألة الثالثة: وتحتها ثلاثة أغراض:
الغرض الأول:
ما التذكرة، والخشية؟
التذكرة:
هي الموعظة التي تلين لها القلوب، فتتمثل أوامر الله وتجتنب ما نهى عنه
(1)
والذكرى اسم للتذكرة.
(2)
والخشية هي الخوف.
(3)
الغرض الثاني:
ذكر العلماء في نصب (إلا تذكرةً) أوجهاً، منها:
(4)
1/ أن تكون تذكرة بدلا من محل (لتشقى) قاله الأخفش
(5)
.
ونُسب إلى الزجاج
(6)
. وتبعه ابن عطية
(7)
واستبعده النحاس
(8)
وردَّه الفارسي
(9)
وصحَّح هذا الرد السمين الحلبي وقال: "لأن التذكرة ليست
بشقاء"
(10)
وأيّد ذلك الرد الشنقيطي في تفسيره
(11)
وعلّل الزمخشري لعدم جواز هذا الإعراب باختلاف الجنسين
(12)
.
وقال الزمخشري
(13)
وأبو البقاء
(14)
وابن الأنباري
(15)
: نُصبت على الاستثناء المنقطع، الذي (إلا) فيه بمعنى (لكن) أي: لكن (أنزلناه تذكرة).
(1)
ينظر: أضواء البيان 4/ 435.
(2)
تهذيب اللغة 2/ 1287.
(3)
ينظر: المصدر السابق 1/ 1036.
(4)
ينظر: الدر المصون 4/ 5.
(5)
ينظر: معاني القرآن له ص: 249.
(6)
ينظر: معاني القرآن للنحاس 3/ 22 وتفسير القرطبي 11/ 154 والبحر المحيط 6/ 213 والدر المصون 5/ 5، وعزا الطبري في تفسيره هذا القول إلى بعض نحويي الكوفة 16/ 160.
(7)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 37.
(8)
ينظر: معاني القرآن له 3/ 22/ 23.
(9)
أبو علي الفارسي: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسوي، أبو علي الفارسي، النحوي الشهير، صاحب التصانيف، منها: الحجة في علل القراءات، الايضاح، توفي سنة (377 هـ)
…
ينظر: السير (16/ 379)، بغية الوعاة (1/ 496).
(10)
ينظر: الدر المصون 5/ 5.
(11)
ينظر: أضواء البيان 4/ 435.
(12)
الكشاف 3/ 51 ومعنى كلامه أن نصب تذكرة نصبة صحيحة ليست عارضة، والنصبة التي تكون في (لتشقى) بعد نزع الخافض نصبة عارضة. ينظر: البحر المحيط 6/ 213.
(13)
ينظر: الكشاف 3/ 51.
(14)
ينظر: الإملاء 2/ 118.
(15)
ينظر: البيان في غريب إعراب القرآن 2/ 138 وذكر فقط النصب على الاستثناء المنقطع
2/ ذكر الزمخشري أنه يُحتمل أن تكون تذكرة مفعولاً له،
(1)
كقولك ضربتك للتأديب إلا إشفاقاً عليك
(2)
. ومنعه أبو البقاء.
(3)
وردّ هذا المنع السمين الحلبي بقوله: " وهذا المنع ليس بشيء"
(4)
.
3/ وقيل: تذكرةً في موضع حال، أي: إلا مذكراً
(5)
4/ ويصح أن تنتصب بفعل مضمر تقديره (ما أنزلنا) فتنصب على المصدرية
(6)
قال الفراء: " نَصَبها على قوله: " وما أنزلناه إلا تذكرةً"
(7)
وبمثله قال الطبري
(8)
5/ قيل إنه نصب على المفعول لأجله.
(9)
قال الشنقيطي: " أظهر الأقوال فيه: أنه مفعول لأجله، أي ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى ويخاف
…
عذابه"
(10)
.
قال النحاس: " والقريب أنه منصوب على المصدر أو مفعول من أجله "
(11)
وقال مكي بن أبي طالب: " (إلا تذكرة) مفعول من أجله أو على 0 المصدر"
(12)
.
6/ وقال أبو عبيدة: " (إلا تذكرة) مجازه المقدم والمؤخر وفيه ضمير،: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى لا لتشقى "
(13)
وقد وافق أبو عبيدة في هذا القول الحسين بن الفضل إلا أنهما اختلفا في تقدير اللام.
الغرض الثالث: ما قيل في {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3]
قال قتادة: وإن الله أنزل كتبه، وبعث رسله رحمةً رحم الله بها العباد، ليتذكر ذاكر، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر له أنزل الله فيه حلاله وحرامه، فقال:{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه: 4]
(14)
.
(1)
الكشاف 3/ 51.
(2)
ينظر: فتح القدير 3/ 443.
(3)
ينظر: الإملاء 2/ 118.
(4)
ينظر: الدر المصون 5/ 5.
(5)
الدر المصون 5/ 5.
(6)
ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 10.
(7)
معاني القرآن 2/ 174. وذكر هذا القول أبو عبيدة في (مجاز القرآن) 2/ 15 ولم ينسبه.
(8)
ينظر: تفسيره 16/ 160.
(9)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 154 والدر المصون 5/ 5 وفتح القدير 3/ 443.
(10)
أضواء البيان 4/ 343.
(11)
إعراب القرآن 3/ 23.
(12)
مشكل إعراب القرآن 2/ 462
(13)
مجاز القرآن 2/ 15، وذكر قولاً آخر يوافق قول الفراء، وينظر: تفسير السمرقندي 2/ 389 وعزاه إلى القتبي
(14)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 16/ 159 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2416، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 141.
وقال ابن زيد: - الذي أنزلناه عليك تذكرة لمن يخشى
(1)
.
وقال البغوي: أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى
(2)
. وخصَّ بالتذكرة من يخشى دون غيرهم؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بها
(3)
كقوله تعالى {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45].
المسألة الرابعة: التعليق على كلام الحسين
وبعد هذا الإطناب وتوضيح ما يُحتاج إليه في فهم الآية، فالآية واضحة المعنى تمام الوضوح، وقد تجلى فيها أرقى وأروع الأساليب العربية الرصينة والتي جاءت على ما جاءت عليه أغلب الآيات من الترتيب وهو الأصل في الكلام.
إذن: لا خلل هناك يدعو إلى القول بما هو خلاف الأصل وهو (التقديم
…
والتأخير)
(4)
مع أنه من سَنَن العرب تقديم ما حقه التأخير وتأخير ما حقه التقديم، وتجد هذا في خطبهم وحكمهم وأشعارهم، وذلك على حسب ما يملي به مقتضيات الأحوال ومقاصد المتكلم.
وقد اجتهد (الحسين) اجتهاداً مبنياً على اللسان العربي الفصيح، ولا غرو في ذلك وهو البحر في المعاني، لكن في اجتهاده هذا نظرٌ
فقوله هذا يخالف ترتيب الآية المفهوم، وليس هناك لبس في الترتيب يدعو إلى القول بالتقديم والتأخير.
…
وقرَّر الطبري قاعدة التقديم والتأخير فقال: "وهذا القول وإن كان غير مدفوع
…
غيرُ صواب عندي، بخلاف تأويل أهل التأويل على أن الحرف إنما يُحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير، إذا لم يكن لوجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه أو
تأخيره، فأمّا وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه في التقديم والتأخير ".
(5)
وقال في موضع آخر: " ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة".
(6)
وكذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية "
…
والتقديم والتأخير على خلاف الأصل، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه".
(7)
(1)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 16/ 160.
(2)
تفسيره 3/ 112.
(3)
ينظر: تفسير الرازي 22/ 4 وأضواء البيان 4/ 435.
(4)
وهو باب من أبواب البلاغة الرئيسة، ينظر على سبيل المثال: الصاحبي ص: 189/ 190 والخصائص 2/ 382.
(5)
/ 187.
(6)
/ 81.
(7)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 16/ 281.