الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدراسة
جمهور المفسرين على أن الفاتحة هي السبع المثاني، وقد روي ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعين المصير إليه.
(1)
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمُّ القرآن هي السَّبع المثاني والقرآن العظيم)
(2)
.
وفي رواية الترمذي (الحمد لله أمُّ القرآن وأمُّ الكتاب والسبعُ المثاني).
(3)
والمثاني جمعُ مثْنَاة، والمَثْنَى كل شيء يُثَنَّى، أي: يجعل اثنين من قولك ثَنَيْتُ الشيء ثَنْياً، أي: عطفته وضممتُ إليه آخر، ومنه يقال لركبتي الدابة ومرفقيه مثاني؛ لأنه يُثْنَى بالفخذ والعضد، ومثاني الوادي معاطِفُه، فتقول: سبعاً من المثاني مفهوم سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تُثَنِّى، وهذا مجمل لا سبيل إلى تعيينه إلا بدليل منفصل
(4)
.
قال أبو عبيدة في {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} : "مجازها سبع آيات من المثاني، والمثاني هي الآيات فكأنّ مجازها: ولقد آتيناك سبع آيات من آيات القرآن، والمعنى وقع على أم الكتاب وهي سبع آيات .. "
(5)
واختلف في الفاتحة، لِمَ سُمِّيت مثاني؟
قال الحسن وقتادة: سميت مثاني؛ لأنهن يُثَنَّيْنَ في كل ركعة من الصلاة.
(6)
قال أبو العالية: وإنما سميت مثاني لأنه يُثَنَّى بها كلما قرأ القرآن قرأها.
(7)
قال ابن عباس: أم الكتاب لقد أخرجها الله لكم، فما أخرجها لأحد من قبلكم
(8)
، فسميت مثاني؛ لأنّ الله استَثْناها وادخرها لهذه الأمة "
(9)
، فتكون المثاني من الاستثناء.
وقيل: لأنها ما أُثني به على الله تعالى؛ لأن فيها حمد الله وتوحيده
(10)
ذكره الزجاج
(11)
فتكون المثاني من الثناء.
(1)
ينظر: فتح القدير 2/ 176.
(2)
كتاب التفسير باب قوله {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} ، ح: 704، ص:812.
(3)
سبق تخريجه في سورة الفاتحة.
(4)
البحر المحيط 5/ 452.
(5)
مجاز القرآن 1/ 354.
(6)
رواه عنهما ابن جرير في تفسيره 14/ 69.
(7)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 14/ 68 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2272.
(8)
رواه عنه أبو عبيد في فضائل القرآن 2/ 250، وعبد الرزاق في تفسيره 2/ 350 وابن جرير في تفسيره 14/ 67 وروي نحوه عن ابن أبي مليكة 14/ 69.
(9)
ينظر: تفسير البغوي 2/ 595، ونسبه إلى مجاهد.
(10)
ينظر: معاني القرآن للنحاس 4/ 40 وتفسير السمرقندي 2/ 261، وزاد المسير 4/ 413.
(11)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 185.
وأورد هذا القول البغوي في تفسيره 2/ 595، وينظر: زاد المسير 4/ 413.
قال الزمخشري: " والمثاني، من التثنية وهي التكرير؛ لأنّ الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله، الواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية "
(1)
.
وقيل: لأنها مقسومة بين الله وبين العبد نصفين، نصفها ثناء ونصفها دعاء، كما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يقول الله عز وجل: (قسمتٌ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)
(2)
فتكون المثاني من جعل الشيء الواحد اثنين وذُكر غير ذلك.
(3)
ولا يخفى أن كل ما سبق من الأقوال ينطبق على سورة الفاتحة، وفي قول أبي هريرة – رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم)
(4)
وغيره مما روي في هذا المعنى نصٌّ في أن الفاتحة هي السبع المثاني، ولكن لا ينافي هذا وصف غيرها بذلك
(5)
.
والأولى – والله أعلم – بالمراد في الآية هي الفاتحة.
قال الشوكاني: " ولا يخفى عليك أن تسميه الفاتحة مثاني، لا تستلزم نفي تسمية غيرها بهذا الاسم. وقد تقرر أنها المرادة بالآية "
(6)
وأما قول الحسين إنها نزلت مرتين فهذا محتمل، ولقد بينتُ سابقاً في سورة الفاتحة
(7)
أنها سورة مكية. لكن هذا لا يمنع من أن تكون نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، لا سيَّما وأن ابن كثير ذكر أنَّ أبا هريرة ومجاهداً والزهري وعطاء بن يسار قالوا بمدنيتها
(8)
، فكأن هذا القول جمع بين القولين.
(ويمكن نزولها مرة ثانية بالمدينة معلماً بفضلها وأهميتها، وأيضاً لا يمنع أن يمن الله بها على رسوله في سورة الحجر المكية وقد نزلت الفاتحة قبلها، مع العلم بأن الله تعالى قد امتنَّ على رسوله صلى الله عليه وسلم بأمر قبل وقوعه مثل قوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1]
(9)
.
(1)
الكشاف 2/ 587.
(2)
جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، ح: 878 ص: 167.
…
وأورد هذا القول البغوي في تفسيره 2/ 595، وينظر: زاد المسير 4/ 413.
(3)
ينظر: تفسير السمعاني 3/ 149 وزاد المسير 4/ 413.
(4)
سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية رقم (2).
(5)
ينظر في هذا النص: تفسير ابن كثير 2/ 557.
(6)
فتح القدير 3/ 176.
(7)
عند قول الحسين في بداية الفاتحة (لكلِّ عالم هفوة، وهذه نادرة من مجاهد .. ).
(8)
ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 8.
(9)
ينظر: كلام محقق الكشف والبيان (قاري خوشي محمد) في آية [الحجر: 87] ص 102.
وكذلك في الأثر الذي روي عن الربيع عن أبي العالية، في قول الله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} قال: فاتحة الكتاب سبع آيات، قلت للربيع: إنهم يقولون: السبعَ الطِوَلَ. فقال: لقد أنزلت هذه وما أنزل من الِطَوَلِ شيء.
(1)
إلماحة إلى نزولها مرتين لأن قول من قال: إن السبع المثاني هي السبع الطوال
(2)
. يشير إلى أنها قد تكون نزلت مرة ثانية في المدينة ـ والعلم عند الله ـ.
مع أن البغوي ــ رحمه الله ــ أشار إلى هذا القول بصيغة التضعيف (قيل)
(3)
، وقال ابن حجر في (الفتح):" وحكى القرطبي أن بعضهم زعم أنها نزلت مرتين"
(4)
والله أعلم بالصواب.
وأما قوله (من أوائل ما نزل) فهذا كذلك محتمل، وقد ناقشتُ في سورة الفاتحة.
(5)
كونها أول ما نزل، وأن هذا خلاف الصحيح وأن أول ما نزل (اقرأ). لكن قد تكون الفاتحة من أوائل ما نزل بعد (اقرأ) و (المدثر) ـ والله أعلم ـ.
وسبق أن أوردت ما روي عن أبي ميسرة في كون الفاتحة هي أول ما نزل، قال عنه البيهقي:" فهذا منقطع ـ يعني هذا الحديث ـ فإن كان محفوظاً فيحتمل أن يكون خبراً عن نزولها بعد ما نزلت عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، و {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] والله أعلم "
(6)
.
وقوله (كل مرة معها سبعون ألف ملك)
(7)
.
لم أجد من قال بهذه المقولة في نزول سورة الفاتحة سوى الحسين؛ إلا أنها رويت في فضل سورة الأنعام.
(8)
(1)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 14/ 68 وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2272.
(2)
ينظر إلى من قال بذلك: تفسير ابن جرير 14/ 63 - 66.
(3)
تفسيره 1/ 1.
(4)
/ 201.
(5)
في بداية سورة الفاتحة عند قول الحسين (لأنها أول ما نزل من السماء)
(6)
دلائل النبوة 2/ 159.
(7)
ذكر الشيخ سليمان الجمل في الفتوحات الألوهية 4/ 197 في سبب تسمية الفاتحة بالمثاني:
…
" وقيل: لأنها نزلت مرتين مرة بمكة وبالمدينة معها سبعون ألف ملك ".
(8)
من الروايات: ما رواه أبو عبيد في (فضائل القرآن) 2/ 47، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد).
للاستزادة، ينظر: مجمع الزوائد 7/ 19/ 20، والدر المنثور 3/ 243/ 244
ويبقى ما ساقه في سبب النزول، وقد ذكره الواحدي في أسباب النزول
(1)
، ونسبه إلى الحسين بن الفضل.
وفي هذا السبب نظر؛ لأنّ السورة مكية وبنو قريظة وبنو النضير في المدينة، فكيف يمكن للمسلمين بمكة مشاهدة القوافل القادمة من الشام إلى المدينة، فتأمل.
(2)
.
(1)
ص: 227.
(2)
ينظر: كلام محقق الكشف والبيان، قاري خوشي محمد، ص:102.