الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة مريم
قال تعالى {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم: 65]
[53]
قال الحسين بن الفضل:: (هل يستحق أحد أن يسمى باسم من أسمائه تعالى على الحقيقة؟) روح المعاني 16/ 146
الدراسة
ربنا القائم بتدبير أمر السموات والأرض وما بينهما، كما هو سبحانه الخالق لذلك كله، وهو ربه ومليكه، فهذا الرب هو الذي لا سميَّ له، لتفرُّده بكمال هذه الصفات والأفعال فأما من لا صفة له ولا فعل ولا حقائق لأسمائه، إن هي إلا ألفاظ فارغة من المعاني، فالعدم سميٌّ له.
(1)
الاستفهام في الآية للنفي
(2)
أي: لا تعلم
(3)
وذهب المفسرون في معنى قوله (سمياً) إلى عدة أوجه:
فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: مثلا وشبيهاً
(4)
وإليه ذهب أبوعبيدة
(5)
والطبري
(6)
وغيرهم
(7)
وحسَّنه ابن عطية
(8)
وابن عاشور
(9)
.
وهذا القول مبني على أن المراد بالسمي (الشريك في المسمى)
(10)
فالسمي
مأخوذ من المساماة
(11)
وكأنّ السمي بمعنى المسامي والمضاهي، فهو من السمو
(12)
.
وقيل المراد به: الشريك في الاسم وذلك هو الظاهر من لغة العرب،
(13)
يقال فلان سمي فلان إذا شاركه في اللفظة نفسه، والسمي: من توافق في الاسم تقول: هذا سَمِيُّك يعني اسمه مثل اسمك فالمعنى: أنه لم يُسَمَّ بلفظ الله شيء قط
(14)
- فقد روى إسرائيل عن سماك
(15)
عن عكرمة عن ابن عباس قال: (هل تعلم أحداً سُمِّي الرَّحمن سواه)
(16)
.
(1)
ينظر: الصواعق المرسلة 3/ 1208.
(2)
ينظر: تفسير السعدي ص: 498 وشرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/ 352.
(3)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 120.
(4)
رواه عنهم ابن جرير في تفسيره 16/ 123/ 124. ورواه عن ابن عباس ابن أبي حاتم في تفسيره 17/ 2414، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 131.
(5)
ينظر: مجاز القرآن 2/ 9.
(6)
ينظر: تفسيره 16/ 123.
(7)
كالسعدي في تفسيره ص: 498.
(8)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 25
(9)
ينظر: التحرير والتنوير 16/ 65
(10)
ينظر: فتح القدير 3/ 426.
(11)
ينظر: تفسير القرطبي 11/ 120
(12)
المحرر الوجيز 4/ 25
(13)
ينظر: فتح القدير 3/ 426.
(14)
ينظر: البحر المحيط 6/ 193/ 194
(15)
سماك بن حرب: بن أوس بن خالد الذهلي البكري، الكوفي، أبو المغيرة، من التابعين، توفي سنة (123 هـ)، ينظر: السير (5/ 245)، التقريب (2624).
(16)
ذكر هذا السند النحاس في معاني القرآن 4/ 345 ورواه عن ابن عباس ابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2414، وينظر: تفسير ابن كثير 3/ 131.
قال النحاس " وهذا أجلُّ إسناد علمته روي في هذا الحرف، وهو قول صحيح لا يقال الرحمن إلا لله وقد يقال لغير الله رحيم"
(1)
.
2 -
وقال الكلبي: هل تعلم أحداً يسمَّى (الله) غيره؟
(2)
.
قال الزمخشري: " أي: لم يسم شيء الله قط، وكانوا يقولون لأصنامهم آلهة، والعزى إله وأما الذي عوض فيه الألف واللام من الهمزة، فمخصوص به المعبود الحق غير مشارك فيه"
(3)
.
3 -
وقال الزجاج: " وتأويله والله أعلم هل تعلم له سمياً يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون، فذلك ليس إلا من صفة الله تعالى "
(4)
.
وقيل: هل تعلم من سُمِّي باسمه على الحق دون الباطل؛ لأن التسمية على الباطل في كونها غير معتدٍّ بها كلا تسمية.
(5)
وعندما ذكر الرازي هذا القول الأخير وذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما لا يسمى بالرحمن غيره، صوب قول ابن عباس بقوله:"هو الصواب ـ والله أعلم ـ"
(6)
.
أقولُ: والعلم عند الله ـ إن الأقوال ـ وفيها قول الحسين رحمه الله متقاربة مع أن قول الحسين رحمه الله يقرب من قول الكلبي والزجاج إلا أن الحسين رحمه الله لم يخصص اسماً معيناً بل أخبرنا بأنه لا أحد يستحق بحق أن يسمى بأيٍّ من أسمائه تعالى. وقد وافق النحاس الحسين فقال: " وإنما المعنى هل تعلم أحدا يقال له هذا على استحقاق إلا الله لأنه الذي وسعت رحمته كل شيء وهو القادر والرازق "
(7)
. لأنه الرب وحده لا شريك له وكل من سواه مربوب له، وهو الخالق وغيره مخلوق وهو الغني وغيره الفقير .. فله سبحانه الكمال المطلق، وهو وحده المستحق للعبادة، وكل معبود سواه باطل وكل عبادة لغيره باطلة، فهل تعلم له مسامياً أو شبيهاً يستحق مثل اسمه؟ فلا مثيل له سبحانه وتعالى، ولا يستحق أحد أن يسمى الله أو الرحمن سواه. {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]. وهنا تجد السر في أن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن.
(1)
معاني القرآن 4/ 345.
(2)
تفسير البغوي 3/ 99، وينظر: تفسير القرطبي 11/ 120 ونسبه ابن الجوزي 5/ 51 في زاد المسير إلى عطاء عن ابن عباس، ولم ينسبه النحاس في معاني القرآن 4/ 345 والسمعاني في تفسيره 3/ 305 وابن عطيه في المحرر الوجيز 4/ 25
(3)
الكشاف 3/ 30.
(4)
معاني القرآن وإعرابه 3/ 338.
(5)
الكشاف 3/ 31 وينظر: تفسير الرازي 21/ 205.
(6)
ينظر: تفسير الرازي 21/ 205.
(7)
معاني القرآن 4/ 346.
قال ابن القيم: " ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه، ومؤثراً فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحبَّ الأوصاف إليه، كعبد الله وعبد الرحمن، وكان إضافة العبودية إلى اسم الله، واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرها كالقاهر، والقادر، فعبدُ الرحمن أحب إليه من عبد القادر، وعبدُ الله أحبٌّ إليه من عبد ربه، وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة؟ فبرحمته كان وجوده وكمالُ وجوده، والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبةً وخوفاً، ورجاءً وإجلالاً وتعظيماً، فيكون عبداً لله وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحبَّ إليه من الغضب، كان عبدُ الرحمن أحبَّ إليه من عبد القاهر
…
(1)
وما قاله الحسين بن الفضل جزء من المعنى. والنفي للعلم، فلا يُعلْم له سميٌّ، جلّ وعلا، وليس ذلك محصوراً في تسمية غيره بأسمائه على الحقيقة، بل يشمل ذلك ويشمل عبادته وربوبيته وغير ذلك من حقوقه وخصائصه.
(1)
زاد المعاد 2/ 340