الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الصافات
قال تعالى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]
[66] قال الحسين بن الفضل: (العجب من الله عز وجل إنكار الشيء وتعظيمه، وهو لغة العرب وقد جاء في الخبر (عجب ربكم من ألّكم وقنوطكم)
(1)
.
الكشف والبيان للثعلبي
(2)
/ 19.
(3)
الدراسة
العجب هو إنكار ما يَرِدُ عليك لقلة اعتياده.
(4)
قال الراغب: " العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء، ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف سببه ".
(5)
واختلف القراء في ضم التاء وفتحها من قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ}
فقرأ حمزة والكسائي: بضم التاء (بل عجبتُ).
وقرأ الباقون: بفتح التاء (بل عجبتَ)
(6)
.
وحجة من فتح التاء أنه جعله مخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم فالعجب مضاف إليه، والمعنى بل عجبت أنت يا محمد
(7)
.
(1)
الحديث أورده الزيلعي في تخريج أحاديث وآثار الكشاف 3/ 175 وقال: غريب، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام "يروى هذا عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بن أخي الماجَشُون عن محمد بن عمرو يرفعه " (غريب الحديث) 2/ 119 ت: د/ حسين محمد شرف، القاهرة.
قال الخطابي في إصلاح غلط المحدثين ص: 152: "يرويه المحدثون (من إلكم) بكسر الألف، والصواب أَلّكم بفتحها، يريد: رفع الصوت بالدعاء". وقال ابن الجوزي في غريب الحديث 1/ 360. " في الحديث (عجب ربكم من إلكم) المحدثون يقولون بكسر الألف والأجود فتحها وفي معناه قولان أحدهما من شدة قنوطكم، والثاني من رفع أصواتكم والدعاء". وقال ابن الأثير في النهاية ص: 43: "الإلّ: شدة القنوط، ويجوز أن يكون من رفع الصوت بالبكاء ". وينظر: اللسان والتاج (أَلل)
(2)
وافقه الزركشي في البرهان 2/ 88/ 89، والقرطبي في تفسيره 15/ 65، والشوكاني في فتح القدير 4/ 482 ولم يذكر الحديث.
(3)
ت: ساعد بن سعيد الصاعدي، ج: أم القرى.
(4)
لسان العرب (عجب)، وينظر: المعجم الوسيط (عجب) 2/ 590.
(5)
المفردات ص: 325.
(6)
ينظر في القراءتين: السبعة لابن مجاهد ص: 547، والتيسير ص: 186، والإقناع في القراءات السبع ص: 450 والنشر 3/ 269.
(7)
ينظر: الحجة لابن خالويه ص: 301، والكشف عن وجوه القراءات السبع 2/ 223، والحجة لابن زنجلة ص:606.
قال قتادة: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أُعطيه وسخر منه أهل الضلالة
(1)
.
وعلى قراءة الضم:
فقال الزجاج: " ومن قرأ عجبتُ فهو إخبار من الله، وقد أنكر قومٌ هذه القراءة
وقالوا: الله عز وجل لا يعجب. وإنكارهم هذا غلط، لأن القراءة والرواية كثيرة والعجب من الله عز وجل خلافُه من الآدميين: كما قال: {وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: 30]{سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]{وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]
…
، وأصل العجب في اللغة: أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله، قال: عجبت من كذا وكذا، وكذا إذا فعل الآدميون ما ينكره الله جاز أن يقول فيه عجبتُ. والله قد علم الشيء قبل كونه، ولكن الإنكار إنما يقع والعجب الذي يلزم به الحجة عند وقوع الشيء ".
(2)
وقال الفراء: " قرأها الناس بنصب التاء ورفعها، والرفع أحبُّ إلىَّ؛ لأنها قراءة عليٍّ وابن مسعود
(3)
وعبد الله بن عباس.
والعجب إن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد ألا ترى أنه قال:
{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، وليس السُّخْرية من الله كمعناه من العباد وكذلك قوله {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد ففي ذلك بيان لكسر قول شريح
(4)
، وإن كان جائزاً، لأن المفسرين قالوا:" بل عجب يا محمد ويسخرون هم، فهذا وجه النصب "
(5)
.
(1)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 23/ 53، وابن أبي حاتم في تفسيره 10/ 3207.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 300.
(3)
رواه عن ابن مسعود البخاري (كتاب التفسير) باب قوله (وراودته التي هي في بيتها.) ح: 4692 ص: 809.
(4)
روى الفراء عن الأعمش قال: قرأتُ عند شُريح (بل عجبتُ ويسخرون) فقال: إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: إن شُريحاً شاعر يعجبُهُ علمه، وعبد الله أعلم بذلك منه. قرأها (بل عجبتُ ويسخرون) معاني القرآن 2/ 284، وروى عنه نحوه عبد الرازق في تفسيره 3/ 148 وابن أبي حاتم في تفسيره 10/ 3206/ 3207، والحاكم وصححه 2/ 466، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 12/ 492:" وكان القاضي شُريح ينكر قراءة من قرأ (بل عجبتُ) ويقول: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبد الله أفقه منه، فكان يقول: (بل عجبتُ) فهذا قد أنكر قراءة ثابته، وأنكر صفة دلَّ عليها الكتاب والسنة واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة. "
(5)
معاني القرآن 2/ 384.
والصحيح أنهما قراءتان مشهورتان بأيهما قرأ القارئ فمصيب مع اختلاف معنييهما، فقد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظم ما قاله المشركون في الله وسخر المشركون بما قالوه، والمعنى بالضم: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون
(1)
وبذلك يعلم أن هذه الآية الكريمة على قراءة الأخوين فيها إثبات العجب لله تعالى ذكره فهي إذاً من آيات الصفات مع هذه القراءة، وقد تقدم في آخر سورة الأعراف الحديث عن صفة الاستواء ومذهب السلف في الإيمان بها والقول في بعض الصفات كالقول في الكل.
والعجب كذلك صفة من صفات الله الثابتة لله بالكتاب والسنة وإجماع السلف فقد روى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)
(2)
، وعنه رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (قد عجب الله من صنيعكما بضيْفِكُما الليلة)
(3)
وغيره مما روي
(4)
.
وفي هذا رد على الجهمية وغيرهم الذين ينفون العجب ويؤوِّلون ذلك بتأويلات فاسدة. و العجب من الصفات الفعلية فنثبتها لله سبحانه وتعالى على حسب ما جاءت به الأدلة وليس في إثباتها محذور البتة، فإنه عجب ليس كمثله شيء، فالقول في الصفات كالقول في الذات، فكما أننا نعتقد أن لله ذاتاً لا يشبهها ذوات المخلوقين، فالصفات يحذى فيها حذو الذات.
(5)
قال أبو حنيفة: " لا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية .. والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى، والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق، وفعل الله تعالى غير مخلوق وصفاته في الأزل غير محدثة ولا مخلوقة، فمن قال: إنها مخلوقة، أو محدثة، أو وقف، أو شكَّ فيها فهو كافر بالله تعالى. "
(6)
(1)
تفسير الطبري 23/ 53، بتصرف، وهنا تتجلى قاعدة: تنوع القراءات بمنزلة تعدد الآيات، ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 13/ 391/ 392، وأضواء البيان 2/ 8 وقواعد التفسير 1/ 88.
(2)
كتاب (الجهاد والسير) باب الأسارى في السلاسل، ح: 3010، ص:497.
(3)
رواه الشيخان في صحيحيهما في حديث طويل واللفظ لمسلم (كتاب الأشربة) ح: 5359 ص: 917، ولفظ البخاري (لقد عجب الله – عز وجل – أو ضحك من فلان وفلانة) كتاب (التفسير) باب قوله (ويؤثرون على أنفسهم) ح: 4889، ص: 867
(4)
ينظر على سبيل المثال: الشريعة للآجري ص: 286 - 287، والأسماء والصفات (باب ما جاء في العجب) 2/ 415 - 417.
(5)
التنبيهات السنية ص: 163 بتصرف.
(6)
شرح الفقه الأكبر للملاّ علي القاري ص: 323.
وهو عجب حقيقي يليق بالله سبحانه وتعالى.
والتعجب كما يدل على بغض الفعل كقوله {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5] وقوله {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} فقد يدل على محبة الله للفعل
(1)
وقد يدلّ على غير ذلك.
(2)
ومن المهم معرفته أن العجب نوعان:
أحدهما: أن يكون صادراً عن خفاء السبب على المتعجب فيندهش له ويستعظمه ويتعجب منه، وهذا النوع مستحيل على الله لأنه لا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى
الثاني: أن يكون سببه خروج الشيء عن نظائره أو كما ينبغي أن يكون عليه مع علم المتعجب، وهذا هو الثابت لله تعالى.
(3)
قال ابن تيمية: " فلا يجوز عليه أن لا يعلم سبب ما تعجب منه، بل يتعجب لخروجه عن نظائره تعظيماً له. والله تعالى يعظم ما هو عظيم، إما لعظم سببه أو لعظمته .. ولهذا قال تعالى {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} على قراءة الضم، فهنا هو عجب من كفرهم مع وضوح الأدلة ".
(4)
وبعد هذا البيان في وجوب الإيمان بهذه الصفة لله تعالى.
أقولُ إن قول الحسين هذا يدل على قراءته (عجبتُ) بالضم، وقد ذكر أن العجب في لغة العرب الإنكار وهذا يصح لغةً، لكن جعله تفسيراً لصفة العجب التي اتصف الله بها، هذا لا يجوز، فنثبت أن الله يعجب عجباً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته، ومن لوازمه تعظيم الشيء ولذا نقول: إنَّ تفسير هذه الصفة بلازمها قول يخالف النص، ويخالف طريقة السلف، وليس عليه دليل صريح والتعبير بالإنكار هروب من معنى مشكل في عقولهم وللأسف وقعوا في معنى مشكل مثله وهو الإنكار.
والله أسأل أن يثبتنا ويهدينا.
(1)
بدائع الفوائد 4/ 8 مع شيء من التصرف
(2)
ينظر: بدائع الفوائد 4/ 8، وقواعد التفسير 2/ 791 - 793.
(3)
ينظر: شرح لمعة الاعتقاد للشيخ ابن عثيمين ص: 60، يراجع: شرح العقيد الواسطية له 2/ 26.
(4)
مجموع الفتاوى 6/ 123.