الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لمَّا سمعو الذكر) لماسمعوا كتاب الله يتلى: (ويقولون إنه لمجنون) يقول هؤلاء المشركون الذي وصف صفتهم إن محمداً لمجنون
…
(1)
{وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} اختُلف في الذكر على قولين
(2)
: الأول، محمد صلى الله عليه وسلم (أي وما محمد إلا ذكرٌ ذكَّر الله به الجن والإنس)
(3)
وهذا الذي اختاره الحسين. وقول بأنه (القرآن)
(4)
والخلاصة: أن ما أورده الحسين خلاف الأولى وأن الأولى - والعلم عند الله - كون المراد بالذكر هنا (القرآن).
قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]
[57] قال الحسين بن الفضل: (إنما أراد بقوله {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الأوثان، دون غيرها لأنه لو أراد الملائكة والناس لقال: (ومن تعبدون))
الكشف والبيان للثعلبي
(5)
/ 310
(6)
الدراسة
قال أهل العربية: (ما) إذا جُعلت اسماً فهي لغير المميزين من الجن والأنس و (من) تكون للمميزين العقلاء
(7)
، ومِنْ العرب من يستعمل (ما) في موضع
…
(من) ..
(8)
(9)
.
(1)
ينظر: تفسير الطبري 29/ 57.
(2)
ينظر في هذين القولين: فتح القدير 5/ 343
(3)
ينظر ما بين القوسين: تفسير الطبري 29/ 57.
(4)
ينظر: تفسير السعدي ص: 882.
(5)
وافقه ابن الجوزي في زاد المسير 5/ 393.
(6)
ت: ابن عاشور
(7)
يعبر بمن للناطقين ولا يعبَّر بها عن غير الناطقين إلا في ثلاث مسائل:
1 -
أن ينزل منزلته نحو قوله: {مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ} [الأحقاف: 5].
2 -
أن يجمع مع العاقل فيما وقعت عليه (من) نحو {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 18]
3 -
أن يقترن به في عموم فُصِّل بـ (من) نحو {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} {مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}
…
[النور: 45] لاقترانها بالعاقل في عموم {كُلَّ دَابَّةٍ} [النور: 45] ينظر: أوضح المسالك لابن هشام 1/ 147 - 150. وهمع الهوامع 1/ 91، وفي بعض هذا: المفردات ص: 477/ 478.
(8)
قال السيوطي: " وزعم قطرب وقوع (من) على غير من يعقل دون اشتراط أخذاً من ظاهر ما ورد من ذلك، والغالب في (ما) وقوعها على غير العاقل وقد يقع للعاقل نادراً نحو {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] .... ولو ورد هذا وأمثاله زعم قوم منهم ابن درستوية وأبو عبيدة ومكي وابن خروف وقوعها على آحاد من يعقل مطلقاً .. " همع الهوامع 1/ 91. وفي الكليات ص: 837: (وقال بعضهم: (من) للعاقل وقد يقع لغيره قيل مطلقاً، والصحيح أنه إذا اختلط بالعاقل. و (ما) لغير العاقل وقد يطلق على العاقل قيل مطلقاً، وقيل إذا اختلط .. )
(9)
ينظر: تهذيب اللغة 4/ 3319، وينظر في (ما) العين 4/ 114، ومغني اللبيب 1/ 341 والدر المصون 5/ 113.
وقال ابن قتيبة: (ما) و (مَن) أصلهما واحد، فجُعلت مَنْ للناس،
وما لغير الناس، نقول: مَنْ مرَّ بك من القوم، وما مرَّ بك من الإبل؟)
(1)
وتطلق (ما) و (من) على المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث
(2)
.
ومن هنا ذهب الحسين إلى أن الآية في الأوثان دون عيسى أو عزير أو الملائكة عليهم السلام، ولقد وافقه جماعة من المفسرين على أن المراد هو الأوثان:
وعلى رأسهم الإمام الطبري، وقال:" ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جان، وكل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بـ (من) لا بـ (ما)، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم بـ (ما)، قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} إنما أريد به ما كانوا يعبدون من الأصنام والآلهة والحجارة والخشب، لا من كان من الملائكة والإنس".
(3)
والنحاس بقوله: " وإنما يراد به الأصنام، واللغة تدل على هذا لأنَّ (ما) لما لا يعقل، فقد علم أن معنى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} لا يكون للمسيح وهذا أصحُّ ما قيل في قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}
(4)
و كذلك وافقهما ابن عطية
(5)
والشوكاني، وقال:" قال كثير من أهل العلم: ولا يدخل في هذه الآية عيسى وعزير والملائكة، لأن (ما) لمن لا يعقل، ولو أراد العموم لقال ومن يعبدون "
(6)
وغيرهم
(7)
(1)
ص: 285، قال الكفوي:" والأكثرون على أنَّ (ما) تعمُّ العقلاء وغيرهم. قال بعضهم: والغالب في استعمال (من) في العالم عكس (ما) ونكتته أن (ما) أكثر وقوعاً في الكلام من (مَن) وما لا يعقل أكثر ممن يعقل، فأعطوا ما كثرت صفته للتكثير وما قلت للتقليل للمشاكلة " الكليات ص: 836.
(2)
ينظر: شرح قطر الندى لابن هشام ص: 141 - 142، يراجع في أنواع الخطاب بما: المفردات ص: 462 –463. وفي (من) مغني اللبيب 1/ 363 –364 والكليات ص: 836.
(3)
تفسيره 17/ 115.
(4)
معاني القرآن 6/ 378، وينظر: إعراب القرآن له 3/ 57.
(5)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 101.
(6)
فتح القدير 3/ 532.
(7)
كأبي حيان في البحر المحيط 6/ 315 وأبي السعود في تفسيره 6/ 85، وقال:" أصنامهم التي يعبدونها كما يفصح عنه كلمة (ما) .. "
ولكن يُعكر على ما سبق ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت
…
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} فقال المشركون: الملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله، فقال (لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهةً ما وردوها)، قال: فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} عيسى وعزير والملائكة.
(1)
وحدّدت الرويات الأخرى أن السائل هو عبد الله بن الزِّبَعْرَى
(2)
.
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 416 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وروى نحوه الطبراني في الكبير 12/ 153، وابن جرير في تفسيره 17/ 115، وابن أبي حاتم في تفسيره 8/ 2468 وأبو عبد الله المقدسي في المختارة 10/ 304 وأخرج نحوه ابن أبي شيبه في مصنفة 6/ 340 عن سعيد بن جبير وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 69 " رواه الطبراني وفيه عاصم بن بهدلة وقد وثق وضعفه جماعة ".
(2)
فقد روى الواحدي عن ابن عباس قال: آية لا يسألني الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلم يسألون عنها قال: وما هي قال: لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} شقَّ على قريش فقالوا: أيشتم آلهتنا فجاء ابن الزبعرى فقال: ما لكم قالوا: يشتم آلهتنا قال: فما قال: قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قال: ادعوه لي، فلما دُعي النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله قال: بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعري: خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة، ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصاري يعبدون عيسى عليه السلام وهذه اليهود يعبدون عزيراً قال: فصاح أهل مكة فأنزل= =الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} " أسباب النزول ص: 252/ 253 وينظر: تفسير ابن جرير 17/ 114. وابن الزِّبَعْرى هو عبد الله بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي السهمي، كان من أشعر قريش وكان شديداً على المسلمين ثم أسلم عام الفتح ثم شهد ما بعدها من المشاهد، ينظر: الإصابة (2/ 308) والاستيعاب، حاشية الإصابة (2/ 309/ 310).
بعموم المعنى، فأوردوا على هذا الظاهر هذا الإيراد "
(1)
.
الثالث: أن ابن الزِّبَعْرى رام مغالطة. فالخطاب لأهل مكة ومعلوم أنهم عبدة أوثان لا عيسى ولا عزير.
قال الرازي: " واعلم أن سؤال ابن الزِّبَعْرى ساقط من وجوه.
أحدها: أن قوله إنكم خطاب مشافهة وكان ذلك مع مشركي مكة وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط.
وثانيها: أنه لم يقل ومن تعبدون بل قال وما تعبدون وكلمة ما لا تتناول العقلاء أما قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وقوله {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}
…
[الكافرون: 2] فهو محمول على الشيء ونظيره ههنا أن يقال إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن
…
الزِّبَعْرى
…
)
(2)
وقال ابن كثير: " وهذا الذي قاله ابن الزِّبعرَى خطأ كبير لأن الآية إنما نزلت خطاباً لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل ليكون ذلك تقريعاً وتوبيخاً لعابديها ولهذا قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} فكيف يورد على هذا المسيح وغزير ونحوهما ممن له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده، وعوّل ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن (ما) لما لا يعقل عند العرب "
(3)
.
وقال الشنقيطي: "إن هذه الآية لم تتناول الملائكة ولا عيسى لتعبيره بـ (ما) الدالة على غير العاقل، وقد أشار تعالى إلى هذا الجواب بقوله {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58]؛ لأنهم لو أنصفوا لما ادعوا دخول العقلاء في لفظ لا يتناولهم لغة "
(4)
ثم إنه قيل: إنَّ هذه القصة لا تصح؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان أفصحَ العرب وأنطقهم لساناً وأحضرهم جواباً كما وصف نفسه فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال وقيل بل كان سكوته للاستخفاف؛ لأنه سئل سؤالاً محالاً فقال {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ}
(5)
ولم يقل (من) تعبدون، وقيل غير ذلك
(6)
.
(1)
الصواعق المرسلة 1/ 241.
(2)
تفسيره 22/ 193.
(3)
تفسيره 3/ 199.
(4)
دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب ص: 159.
(5)
ينظر: تفسير السمرقندي 2/ 442.
(6)
ينظر: تفسير البيضاوي وحاشيته لشيخ زاده 6/ 74/ 75، وروح المعاني 17/ 94.
وفي نفس الأمر لو حكمت القاعدة التفسيرية التي تنصّ على أنه في تفسير القرآن بمقتضى اللغة يراعي المعنى الأغلب والأشهر والأفصح دون الشاذ أو القليل.
(1)
أكّد ذلك الطبري بقوله: " .. وتوجيه معاني كتاب الله عز وجل إلى الظاهر المستعمل في الناس أولى من توجيهها إلى الخفي القليل في الاستعمال .. "
(2)
وقال في موضع آخر" .. والتأويل في القرآن على الأغلب الظاهر من معروف كلام العرب المستعمل فيهم "
(3)
.
ولذا فإن قول الحسين انبنى على قاعدة أصيلة ينبغي أخذها بالاعتبار.
واختياره أن الأوثان هي المرادة دون عيسى أو عزير أو الملائكة عليهم السلام يؤيده ويقويه أن الخطاب كان لأهل مكة وهم عبدة أوثان ولم يكونوا أهل كتاب.
(1)
ينظر القاعدة وما يتعلق بها: قواعد التفسير 1/ 231 –215 يراجع: قواعد الترجيح 2/ 645 - 651.
(2)
تفسيره 3/ 265.
(3)
تفسيره 3/ 269.