الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التغابن
قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
…
[التغابن: 2]
.
[95](إن الله سبحانه خلق الخلق ثم كفروا وآمنو، قالوا وتمام الكلام عند قوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} ثم وصفهم {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} وهو مثل قوله {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45] الآية قالوا: فالله خلقهم والمشي فعلهم، وهذا اختيار الحسين بن الفضل)
.
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 326
(2)
الدراسة
قال ابن عباس: "إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً"
(3)
، وهناك ما يعضد هذا القول فقد قال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ الغلام الذي قتله ـ الخضر عليه السلام طُبِعَ كافراً)
(4)
.
وقال تعالى {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَكّل الله بالرحم ملكاً فيقول: أي ربِّ نطفهٌ، أي ربِّ علقة، أي ربِّ مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: ايْ ربِّ ذكرٌ أم أنثى؟ أشقيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب كذلك في بطن أمه)
(5)
.
وقال جماعة: معنى الآية: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا؛ لأن الله تعالى ذكر الخلق وتمَّ الكلام، ثم وصفهم بفعلهم، فقال:{فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} كما قال الله عز وجل {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ}
…
[النور: 45] والله خلقهم والمشيُ فِعلهم، ثم اختلفوا في تأويلها:
(1)
وافقه القرطبي في تفسيره 18/ 119 والشنقيطي في الأضواء 8/ 333.
(2)
ت: ابن عاشور.
(3)
رواه الطبري في تفسيره.
(4)
أخرجه مسلم عن أُبي بن كعب في كتاب (القدر) ح: 6766 ص: 1159.
(5)
أخرجه البخاري في أول كتاب (القدر) ح: 6595 ص: 1140 و مسلم في كتاب (القدر)
…
ح: 6730 ص: 1153.
ذكر عبد الله ابن عباس فمنكم كافر يؤمن ومنكم مؤمن يكفر.
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة
(1)
قال الزجاج: "وجائزٌ أن يكون: {خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} أي مؤمن بأن الله خلقه وكافر بأن الله خلقه
(2)
. ودليل ذلك قوله سبحانه {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] وقال {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37]
(3)
وجملة القول فيه: أن الله خلق الكافر، وكفرُه فعلٌ له وكسبٌ، وخلق المؤمن، وإيمانه فعلٌ له وكسبٌ، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار، وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته، فالمؤمن من بعد خلق الله إياه يختار الإيمان؛ لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدَّره عليه وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله تعالى إيَّاه يختار الكفر؛ لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدَّره عليه وعلمه منه، وهذا طريق أهل السنة والجماعة، من سلكه أصاب الحق وسَلِم من الجبر والقدر. قاله البغوي
(4)
.
وذكر القرطبي أن هذا هو ما عليه الأئمة والجمهور من الأمة
(5)
.
قال ابن تيمية: " وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره.
والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين: الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف "
(6)
(1)
ينظر فيما سبق: تفسير البغوي 4/ 408 وزاد المسير 8/ 280 وفي بقية الأقوال نفس المصدرين السابقين وتفسير القرطبي 18/ 119.
(2)
الكفر بالخلق هو مذهب الدهرية وأهل الطبائع.
(3)
معاني القرآن وإعرابه 5/ 179.
(4)
تفسيره 4/ 408.
(5)
ينظر: تفسيره 18/ 120.
(6)
متن التنبيهات السنية ص: 247/ 248/ 250.
إلى أن قال: " فما مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن معصيتة. وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويُخرجون عن أفعال الله وأحكامه حِكَمها ومصالحها "
(1)
.
قال الإمام مالك بن أنس: (ما أضلّ من كذب بالقدر، لو لم يكن عليهم فيه حجة إلا قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} لكفى بها حجة
(2)
.
(1)
المصدر السابق ص: 256 – 260.
(2)
رواه عنه الآجرى في الشريعة ص: 237 وابن المستفاض في القدر ص 218 وذكر أن إسناده صحيح.