الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد وافق الحسين رحمه الله غيره من العلماء في بيان سبب التسمية.
وقال البخاري
(1)
في أول كتاب التفسير: "وسُميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءَتها في الصلاة "
(2)
.
*
ما أول سورة أُنزلت
؟
[3] قال الحسين بن الفضل:
(لأنَّها أوَّل سورة نزلت من السَّماء)
(3)
الكشف والبيان 1/ 604
(4)
.
الدراسة
قيل: إن الفاتحة أوَّل شيء نزل من القرآن، وحجَّتهم ما أسنده الواحديُّ
(5)
عن أبى ميسرة
(6)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا برز سمع منادياً يُنادي: يا محمَّدُ، فإذا سمع الصَّوت انطلق هارباً، فقال له ورقة بن نوفل: إذا سمعت النِّداء فاثبت حتى تسمعَ ما يقول لك، قال: فلمَّا برز سمع النِّداء: يا محمد فقال: لبَّيك، قال: قل أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسول الله، ثم قال: قل {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} حتى فرغ من فاتحة الكتاب، وهو قول عليِّ بن أبى طالب)
(7)
.
وذكر ابن كثير
(8)
في كتابه "البداية والنهاية" رواية البيهقي
(9)
ثم قال:
(1)
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجُعفي، أبو عبد الله البخاري، جبل الحفظ، وإمام الدنيا في فقه الحديث، صاحب الصحيح توفي سنة (256 هـ)، ينظر: تهذيب الكمال (6/ 227) التقريب (5727).
(2)
فتح الباري 8/ 197 باب ما جاء في فاتحة الكتاب.
(3)
أورد الثعلبي هذا القول في سبب تسميتها بفاتحة الكتاب
(4)
ت: خالد العنزي، ج: أم القرى.
(5)
الواحدي: علي بن أحمد بن محمد الواحدي، أبو الحسن النيسابوري، الشافعي، وهو من مشاهير علماء التفسير، وله ثلاثة كتب في التفسير: البسيط، الوسيط، الوجيز، وله أسباب النزول، وغيرها، توفي سنة (468 هـ). ينظر: السير (17/ 339)، طبقات المفسرين للسيوطي (ص: 66).
(6)
عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي ثقة، عابد مخضرم، توفي سنة (63 هـ). ينظر: تهذيب الكمال (5/ 421) التقريب (5048)
(7)
أسباب النزول: ص 29، وروى البيهقي نحوه مطولاً في دلائل النبوة 2/ 158/ 159.
(8)
ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، أبو الفداء الدمشقي الشافعي، الحافظ المفسر الفقيه المؤرخ، صاحب التصانيف المشهورة، منها: تفسير القرآن العظيم، البداية والنهاية، جامع المسانيد، توفي سنة (774 هـ). ينظر: تذكرة الحفاظ للحسيني (ص: 57)، الدرر الكامنة (1/ 445).
(9)
البيهقي: الحافظ أحمد بن الحسين بن علي الشافعي أبو بكر البيهقي، الفقيه الحافظ الأصولي، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، تواليفه تقارب ألف جزء منها كتاب شعب الإيمان، ودلائل النبوة
…
توفي سنة (458 هـ) ينظر: مرآة الجنان (3/ 63)، كشف الظنون (2/ 1047).
"وهذا لفظ البيهقيِّ، وهو مرسل، وفيه غرابة، وهو كون الفاتحة أوَّلَ ما نزل"
(1)
.
وقيل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} كما ورد في حديث جابر
(2)
الصحيح
(3)
، وقيل:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وهذا هو الصحيح
(4)
.
لِما روى الشَّيخان وغيرُهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان أوَّل ما بُدئ به الرَّسول صلى الله عليه وسلم الرُّؤيا الصّادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصُّبح، ثم حُبّب إليه الخَلاء، فكان لحق بغار حراء فيتحنَّث فيه، قال: والتَّحنُّث: التعبُّد اللياليَ ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله.
ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوَّد بمثلها حتى فجئه الحقُّ وهو في غار حراء.
فجاءه الملك، فقال: اقرأ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطَّني
(5)
حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثَّانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثَّالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [سورة العلق] الآيات إلى قوله {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
(6)
[سورة العلق: 5]
(1)
/ 24
(2)
جابر: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، ثم السلمي، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشر غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين، ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 43)، التقريب (871).
(3)
ينظر: صحيح البخاري (كتاب التفسير) باب وربك فكبر، ح: 4924 ص: 877، وينظرفي شرحه: فتح الباري 8/ 876/ 877، وصحيح مسلم (كتاب الإيمان) ح: 409، ص: 81/ 82.
(4)
ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 9.
(5)
الغط: العصر الشديد والكبس، لسان العرب مادة:(غطط)
(6)
صحيح البخاري، (كتاب التفسير)، ح: 4953 ص 886/ 887 وينظر شرحه في فتح الباري 8/ 926 - 937 وصحيح مسلم (كتاب الإيمان) ح: 403 ص 80 - 81. وينظر في شرح النووي لصحيح مسلم 2/ 169 - 177
وقالت عائشة رضي الله عنها أول سورة نزلت من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
(1)
.
وروي عن مجاهد
(2)
: (أن أوَّل ما نزل من القرآن، {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
(3)
[القلم: 1].
قال القاضي أبو بكر الباقلاني
(4)
" وقد اختلف الصَّحابة ومَن بعدهم في أوَّل ما نزل من القرآن وآخره، ورُوِيَت في ذلك روايات كلُّها محتملة التأويل، فقال قوم منهم: أول شيء أُنزل: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]. وقال آخرون أول ما أُنزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [سورة العلق: 1] وقال قوم أول ما أُنزل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1] إلى آخر فاتحة الكتاب
…
ثم قال: فأما من قال: إنَّ أوَّل سورة أنزلت الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فإنهم يروون ذلك من طريق إسرائيل بن إسحاق
(5)
عن أبي ميسرة قال: .. وساق الحديث فقال: وهذا الخبر منقطعٌ غيرُ متَّصل السند، لأنه موقوف
على أبى ميسرة، وأثبتت الأقاويل من خلاف الصَّحابة قولَ من قال: إنَّ أول ما أُنزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وما يليه في القوة قول جابر، ومن قال: أول ذلك {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]
(6)
.
(1)
رواه عنها الحاكم في المستدرك على الصحيحين ح 3954، 2/ 576 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
(2)
مجاهد: مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المخزومي، مولاهم المكي، إمام في التفسير والعلم، توفي سنة (101 هـ) وقيل: بعدها بسنة، وقيل: بسنتين، وقيل: بثلاث. ينظر: تذكرة الحفاظ (1/ 92)، التقريب (6481).
(3)
رواه عنه أبو عبيد في فضائل القرآن 2/ 199.
(4)
أبو بكر الباقلاني: محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر البصري ثم البغدادي، أحد كبار المتكلمين، صاحب التصانيف، توفي سنة (403 هـ). ينظر: السير (17/ 190).
(5)
إسرائيل بن أبي إسحاق: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي: الهمداني، أبو يوسف الكوفي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، توفي سنة (160 هـ) وقيل بعدها. ينظر: السير (7/ 355)، التقريب (401).
(6)
الانتصار 1/ 239/ 241
قال النَّوويُّ
(1)
: " في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثمَّ أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] هذا دليلٌ صريح في أنَّ أول ما نزل من القرآن (اقرأ)، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السَّلف والخلف "
(2)
.
وقال في موضع آخر: " فالصَّواب أنَّ أول ما نزل (اقرأ) وأنَّ أول ما نزل بعد فترة الوحي {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] وأمَّا قول من قال من المفسِّرين: أول ما نزل الفاتحة فبطلانُه أظهر من أن يُذكر والله أعلم "
(3)
.
وقال السُّيوطيُّ: " اُختُلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال: أحدها، وهو الصحيح {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. [العلق: 1]
(4)
.
والحاصل أنَّ أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وهذا هو المحفوظ، وأنَّ نزول الفاتحة كان بعد ذلك، وعلى هذا فما نقله الحسين رحمه الله مغاير للصَّحيح الرَّاجح، إلا إذا كان مقصدُ الحسين أنَّ سورة الفاتحة أولُ سورة كاملة نزلت فقد يكون له وجه، وإن كان لا يظهر هذا من عبارته ـ والله أعلم ـ.
قال الزَّركشيُّ
(5)
: "وطريق الجمع بين الأقاويل أنَّ أوَّل ما نزل من الآيات {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وأول ما نزل من أوامر التبليغ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] وأول ما نزل من السور سورة الفاتحة .. "
(6)
.
(1)
النووي: يحي بن شرف بن مري الحزامي الحوراني، محيي الدين أبو زكريا الشافعي، صاحب التصانيف النافعة، منها: رياض الصالحين، الأذكار، شرح صحيح مسلم، توفي سنة (676 هـ). ينظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1470).
(2)
شرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان) ح: 173/ 172/ 2252.
(3)
المرجع السابق ص 2/ 179
(4)
الإتقان 1/ 68 وينظر: البرهان في علوم القرن 1/ 206
(5)
الزركشي: محمد بن بهادر بن عبد الله التركي الأصل المصري، بدر الدين الزركشي، صاحب فنون، من المكثرين في التأليف، منها النكت على مقدمة ابن الصلاح، البرهان في علوم القرآن، توفي سنة (794 هـ)، ينظر: الدرر الكامنة (5/ 133)، طبقات المفسرين للأدنه وي (ص: 302)
(6)
البرهان في علوم القرآن 1/ 206.