الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النور
[59] قال الحسين بن الفضل: (في الآية تقديم وتأخير تقديرها: وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصناً)
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 99
(2)
الدراسة
مرَّ سابقاً أسلوب التقديم والتأخير، وشُرِح بما يغني عن إعادته.
قوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}
يقول تعالى ذكره: وزوِّجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم ومن أهل الصلاح من عبيدكم ومماليككم.
(3)
وفي معنى الأيامى، قال الجوهري:" والأيامى: الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء .. ، لأن الواحد رجل أيِّمٌ سواء كان تزوَّج من قبل أو لم يتزوج، وامرأة أيّم أيضاً، بكراً كانت أو ثيباً ".
(4)
(1)
وافقه البغوي في تفسيره 1/ 298، وذكر نحوه القرطبي في تفسيره 12/ 232، والشوكاني في فتح القدير 4/ 37.
(2)
ت: ابن عاشور.
(3)
تفسير الطبري 18/ 150.
(4)
الصحاح (أيم) و ينظر: تفسير ابن كثير 3/ 286.
وذُكر أن قوله تعالى {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] أنزلت في عبد الله بن أبي بن سلول حين أكره أمته على الزنا، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر، قال:(كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له اذهبي فابغينا شيئاً، فأنزل الله عز وجل {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} (لهنَّ) وهكذا جاء في الحديث {غَفُور رَحِيمٌ}
(1)
والشاهد هو قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} والتحصن هو التعفف.
قال الجوهري: أحْصَنَت المرأة: عَفَّت.
(2)
قال قتادة: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} أي عفة وأخلاقاً.
(3)
(1)
كتاب التفسير ح: 7552، ص 1309، وروى عن جابر أيضا قوله (إن جارية لعبد الله بن أبى ابن سلول يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله غَفُورٌ رَحِيمٌ} وروى الحاكم عن جابر وصححه 2/ 432 (كانت مسيكة لبعض الأنصار فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء، فنزلت:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}
وينظر: مسند أبي يعلى 4/ 199 وتفسير ابن جرير 18/ 159/ 160، وتفسيرابن أبى حاتم
…
8/ 2589/ 2590، وتفسير ابن كثير 3/ 288/ 289.
(2)
الصحاح (حصن).
(3)
رواه عنه ابن أبى حاتم في تفسيره 8/ 2590.
وقال مقاتل بن حيان.
(1)
: يستعففن عن الزنا
(2)
وهذا الشرط راجع إلى إكراه الفتيات على الزِّنا إذ إنه لا يتصور إكراههن إلا إذا
أردن التحصن
(3)
، فآمر المطيعة للبغاء لا يسمى مكرهاً ولا أمره إكراهاً
(4)
.
فخرج على الغالب، وهذا هو اختيار النووي
(5)
، وابن كثير
(6)
وغيرهم.
وقال ابن العربي: " وإنما ذكر الله إرادة التحصن من المرأة؛ لأن ذلك هو الذي يُصور الإكراه، فأما إذا كانت راغبة في الزنا لم يُتصور إكراه فحصَّلوه إن شاء الله"
(7)
قال ابن حجر: " لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، ويحتمل أن يقال لا يتصور الإكراه إذا لم يردن التعفف لأنهن حينئذ في مقام الاختيار ".
(8)
وقال الشوكاني: وقيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن، فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن، وهذا الوجه أقوى الوجوه "
(9)
.
قال ابن عاشور: " وذكر {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} لحالة الإكراه إذا إكراههم إياهن لا يتصور إلا وهن يأبين، وغالب الإباء أن يكون عن إرادة التحصن ".
(10)
وقيل: وتوجيه قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} غير ذلك مما يضعف
(11)
ـ والله أعلم بالصواب ــ.
وذهب النحاس
(12)
والسجستاني
(13)
والزجاج
(14)
والحسين بن الفضل إلى أن قوله {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} متعلقة بقوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} ، وأجاب الزجاج بقوله: " والمعنى انكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن أردنا تحصينا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ومعنى {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} أي لا تكرهوهن على البغاء البتة وليس المعنى: لا تكرهوهنَّ إن أردن تحصُّناً وإن لم يردن فليس لنا أن نكرههنَّ.
(15)
(1)
مقاتل بن حيان: النبطي، أبو بسطام البلخي، الخراز، مات قبيل (150 هـ) بأرض الهند، ينظر السير (6/ 340)، التقريب (6867).
(2)
رواه عنه ابن أبى حاتم في تفسيره 8/ 2590.
(3)
ينظر: التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 67.
(4)
تفسير النسفي 3/ 146.
(5)
ينظر: شرح النووي 18/ 127.
(6)
ينظر: تفسيره 3/ 289.
(7)
أحكام القرآن 3/ 402، وينظر: تفسير القرطبي 12/ 232.
(8)
فتح الباري 4/ 581.
(9)
فتح القدير 4/ 37.
(10)
التحرير والتنوير 18/ 181.
(11)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 182 وتفسير القرطبي 12/ 232.
(12)
ينظر: معاني القرآن 4/ 532.
(13)
ينظر: غريب القرآن 1/ 132 وأبو حاتم السجستاني هو سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري، أبو حاتم، المقرئ النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، له: إعراب القرآن، اختلاف المصاحف، وغيرها، توفي سنة (255 هـ)، ينظر: السير (12/ 268)، بغية الوعاة (1/ 606).
(14)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 40.
(15)
المصدر السابق، وللفائدة يراجع الإحكام للآمدي 3/ 101.
وقد يفهم من قول الحسين أيضاً أنه من أراد أن يلزم الحصانة فليتزوَّج.
(1)
وقال ا بن عطية
(2)
والقرطبي
(3)
وأبو حيان
(4)
. وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين، فقال بعضهم، قوله {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}
راجع إلى الأيامى وزاد أبو حيان: " وهذا فيه بعد وفصل كثير "
(5)
وقال ابن جُزي الكلبي: " وهذا بعيد "
(6)
وقال ابن حجر: " وحكمة التقييد بقوله {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} أن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن لأن المطيعة لا تسمى مكرهة فالتقدير فتياتكم اللاتي جرت عادتهن بالبغاء، وخفي هذا على بعض المفسرين فجعل {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} متعلقاً بقوله فيما قبل ذلك {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} .
(7)
وقال الآلوسي: " وزعم بعضهم أن {إِنْ أَرَدْنَ} راجع إلى قوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وهو مما يقضي منه العجب
(8)
.
ومهما يكن الأمر فقول الحسين بن الفضل ومن وافقه فيه تكلف ظاهر، وهذا دأب من كانت بضاعته العربية فقط دون معرفة أسباب النزول وملابساته فيقع منه مثل هذا، و قد ذكرتُ سابقاً فيمن نزلت الآية، و ذكرتُ معنى {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} في هذا السياق الذي هو في غاية الترابط والانسجام.
فما الحامل على القول بالتقديم والتأخير والآية في غاية الوضوح، وقد جاءت على الأصل في ترتيب الكلام دونما حاجة إلى تقديم أو تأخير، ولذا أوردت الآية الأولى وهي قوله {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} . وبينتُ معناها مختصراً ثم أعقبتها بذكر مناسبة قوله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ذلك كله ليتبين القارئ الكريم روعة أسلوب القرآن وعظمة أحكامه ووضوح معانيه بلا حاجة للقول بالتقديم والتأخير.
(1)
ينظر: في هذا التوجيه عمدة القارئ 12/ 104.
(2)
ينظر: المحرر الوجيز 4/ 182.
(3)
ينظر: تفسير القرطبي 12/ 232.
(4)
ينظر: البحر المحيط 6/ 416.
(5)
المصدر السابق.
(6)
التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 67.
(7)
فتح الباري 12/ 394.
(8)
روح المعاني 18/ 158.
ومعلوم أن القرآن نزل بلسان عربيٍّ مبين واضح المعنى جليِّ المراد لا يحتاج إلى ركوب الصعب لفهمه ولا تحميل نصوصه مالا تحتمل.
ثم إنه ما كلُّ ما جاز في العربية جاز في القرآن، وينبغي تجنب الأعاريب التي هي خلاف الظاهر والمنافية لنظم الكلام.