الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعلوم أن الفرار من الله لا يكون إلا إليه، وكل من خفته فررت منه إلا الله سبحانه وتعالى فإذا خفته فررت إليه.
قال ابن كثير في قوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} أي الجؤوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه
(1)
.
وإذا تقرر ما سبق في معنى الآية يتبين بُعد ما ذكره الحسين في تفسيرها، والله أعلم.
إلا إذا حمل الكلام على أن العبد يحترز من عبادة كل أحد سوى الله فيكون على هذه هرب وفرّ من الشرك إلى التوحيد وهذا معنى صحيح في الآية.
ثم إنه ذكر في معنى (فرُّوا)(احترزوا) وهذا ليس معنىً صحيحاً في معنى (فرّ) وقد ذكرت في أول هذه الدراسة الأصل لهذه الكلمة لأجل أن يتبين أن الحسين رحمه الله لم يتبين في أصل الكلمة ما ذكره.
وفرَّ: هرب إلا إذا لم يكن يقصد المعنى المباشر وأتى بالذي يترتب على الفرار وهو الاحتراز من كل من هو غير الله.
وجاء الأمر هنا بلفظ الفرار لينبّه على أن وراء الناس عقاباً وعذاباً، وأمراً حقه أن يفر عنه، فجمعت لفظة (ففروا) بين التحذير والاستدعاء وينظر إلى هذا المعنى
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)
(2)
.
ذكر ذلك ابن عطية
(3)
وقال أبوحيان: " وهو تفسير حسن "
(4)
والله تعالى أعلى وأعلم.
قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]
[83] قال الحسين بن الفضل: (هو الاستعباد الظاهر، وليس هذا على القدر؛ لأنه لو قدَّر عليهم عبادته لما عصوه ولما عبدوا غيره، وإنما هو كقوله تعالى:
…
{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] ثم قال:
…
{قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9]{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] ووجه الآية في الجملة أن الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلَّة وإجبار، وإنما خلقهم خلق تكليف واختبار، فمن وفقه وسدَّده أقامه للعبادة التي خُلق لها، ومن خذله وطرده، حرمه إياها واستعمله لما خلقه له، كقوله صلى الله عليه وسلم (اعملوا فكلٌّ ميسرٌ لما خُلق له)
(5)
والله أعلم)
.
(1)
تفسيره 4/ 237.
(2)
جزء من حديث رواه البخاري في كتاب (الدعوات) باب النوم على الشق الأيمن، ح: 6315 ص: 1098 ج ومسلم في كتاب (الذكر والدعاء) ح: 6884 ص: 1178 كلاهما من طريق البراء بن عازب ..
(3)
المحرر الوجيز 5/ 181.
(4)
البحر المحيط 8/ 140.
(5)
ت: فريدة بنت محمد الغامدي، ج: أم القرى.