الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
دعا عبد الله بن طاهر والي خراسان الحسين بن الفضل قال: أشكلت عليَّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي، قال: وما هي أيها الأمير، قال: .. وقوله {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، وصحَّ الخبر بأن القلم قد جفَّ وجرى بما هو كائن إلى يوم
…
القيامة.
(1)
[91] قال الحسين بن الفضل: .. (وأما قوله {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)} فإنها شؤون يعيدها لا شؤون يبديها
(2)
، ومجاز الآية سوق المقادير إلى المواقيت، فقام عبد الله بن طاهر، وقبَّل رأسه وسوَّغ خراجه)
.
الكشف والبيان للثعلبي
(3)
/ 386/ 387
(4)
.
الدراسة
قوله {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}
الشأن هو الخطب والأمر والحال وجمعه شؤون
(5)
.
قال أبو الدرداء: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يغفر ذنباً ويكشف كرباً، ويرفع قوماً ويضع آخرين
(6)
.
وقال مجاهد: من شأنه أن يعطي سائلاً، ويفك عانياً، ويجيب داعياً ويشفي سقيماً
(7)
.
وقال الفراء: " في كل يوم أن يميت ميتاً، ويولد مولوداً، ويغني ذا، ويفقر
…
ذا، فيمالا يحصى من الفعل "
(8)
.
(1)
ينظر في هذا المعنى: ما أخرجه البخاري في كتاب (القدر) باب جفَّ القلم على علم الله ص: 1141 و مسلم في كتاب (القدر) ص: 1154.
(2)
في الكشف والبيان ت: محمد بن عاشور 9/ 154 (يبديها)، وعند القرطبي 17/ 146 وأبي حيان 8/ 191 وغيرهما (يبتديها) ولعلها الصحيحة.
(3)
وافقه القرطبي في تفسيره 17/ 46 والزمخشري في الكشاف 4/ 448 وأبو حيان في البحر المحيط 8/ 191 وابن حجر في الفتح 11/ 601 ولم يذكروا (سوق المقادير إلى المواقيت) ونسبها إلى الحسين بن الفضل الثعالبي في تفسيره 4/ 244 و البغوي في تفسيره 4/ 288 وابن عطية في المحرر الوجيز 5/ 229 وابن الجوزي في زاد المسير 8/ 114 ..
(4)
ت: فريدة الغامدي، ج: أم القرى.
(5)
ينظر: لسان العرب (شأن).
(6)
رواه البخاري في كتاب (التفسير) سورة الرحمن، ص: 864، وينظر: فتح الباري 8/ 802
(7)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 27/ 157 وينظر: تفسير مجاهد 2/ 642.
(8)
معاني القرآن 3/ 116.
فالمفسرون
(1)
على أنه من شأنه أن يحيي ويميت، ويرزق، ويعزَّ قوماً ويذلَّ قوماً، ويشفي مريضاً، ويفكَّ عانياً، ويفرج مكروباً، ويجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويغفر ذنباً إلى مالا يُحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء
(2)
.
قال ابن عطية: أي يظهر شأنٌ من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماته ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى "
(3)
.
وقال السعدي: " وهذه الشؤون التي أخبر أنه تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} هي تقاديره وتدابيره التي قدرها في الأزل وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها التي اقتضتها حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمت هذه الخليقة وأفناهم الله تعالى، وأراد تعالى أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، ويريهم من عدله وفضله وكثير إحسانه، ما به يعرفونه ويوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان إلى دار الحيوان "
(4)
.
فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبُه أهل الأرض والسموات، والحاصل: أن قول الحسين بن الفضل صحيح وجمعه بين الآية وما ورد من أن القلم قد جفَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة صحيح أيضاً، وهنا مسألة دقيقة أشار إليها الحسين بن الفضل وهي التي استشكلت على الأمير وطلب تخريجها من الحسين وبينها ابن عطية والسعدي فيما نقلتُ عنهما، وهي متعلقة بالقدر وكونه لا يبدو له شيء سبحانه فيتغير له المكتوب، بل الأمر أنه يمضي ما قدّره في الكتاب المسطور؛ لأن كل مقادير الأشياء مكتوبة فيه فلقد أمر الله سبحانه القلم ليكتب كل ما هو كائن إلى يوم القيامة ولا بد من وقوعه في وقته.
فهو سبحانه قدّر مقادير الخلائق، وكتب أعمال العباد قبل أن يعملوها، ثم إنه يأمر الملائكة بكتابتها بعدما يعملونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنه، فلا يكون بينهما تفاوت.
ومعنى جفَّ القلم: أي فرغت الكتابة، وفيه إشارة إلى أن الذي كُتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه، فهو كناية عن الفراغ من الكتابة؛ لأن الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها وكذلك القلم فإذا انتهت الكتابة جفت الكتابة والقلم
(5)
، قال ابن حجر:" قلتُ: وفيه إشارة إلى أن كتابة ذلك انقضت من أمد بعيد ".
(6)
(1)
ينظر على سبيل المثال تفسير الصنعاني 3/ 263/ 264 و تفسير ابن جرير 27/ 157 وتفسير ابن أبى حاتم 10/ 3325 وتفسير ابن كثير 4/ 273 والمستدرك للحاكم 2/ 516 ..
(2)
ينظر: تفسير البغوي 4/ 287.
(3)
المحرر الوجيز 5/ 229.
(4)
تفسيره ص: 830.
(5)
ينظر: الفتح 11/ 600.
(6)
المصدر السابق 11/ 600/ 601.
وقد روى البخاري عن أبى هريرة رضي الله عنه قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (جفَّ القلم بما أنت
…
لاقٍ)
(1)
.
وفي حديث جابر عند مسلم (فيما العمل اليوم؟ أفيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما نسْتَقْبِل؟ قال: لا بل، فيما جفَّت به الأقلام وجرت به المقادير)
(2)
.
قال النووي: " (جفَّت به الأقلام) أي مضت به المقادير، وسبق علم الله تعالى به وتمت كتابته في اللوح المحفوظ، وجفَّ القلم الذي كتب به وامتنعت فيه الزيادة والنقصان.
قال العلماء: وكتاب الله تعالى ولوحه وقلمه والصحف المذكورة في الأحاديث كل ذلك مما يجب الإيمان به، وأما كيفية ذلك وصفته فعلمها إلى الله تعالى. {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] والله أعلم ".
(3)
اللهم يا إله العالمين ورب الناس أجمعين، اجعلنا ووالدينا والمسلمين ممن سبق في علمك أنهم من عبادك المؤمنين المقربين، اللهم آمين.
(1)
كتاب القدر باب: جفَّ القلم على علم الله، ص:1141. وينظر: فتح الباري 11/ 601.
(2)
كتاب (القدر) ح: 6735 ص: 1154.
(3)
شرح النووي 16/ 162.