الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدراسة
تعني لفظة المثل في اللغة الشبه
(1)
يقال: هذا مِثْلُه ومَثَلُه كما يقال شِبْهُه وشَبَهُه بمعنىً.
(2)
وفي كتاب جمهرة الأمثال: " أصل المثَل: التماثلُ بين الشيئين في الكلام، وهو من قولك: هذا مِثْل الشيء ومَثَلُه، كما تقول: شِبْهه وشَبَهُه، ثم جُِعل كلُّ حكمةٍ سائرة مثلاً، وقد يأتي القائل بما يحسن أن يتمثَّلَ به، إلا أنه لا يتفق أن يسير فلا يكون مثلاً ".
(3)
وقال الراغب: " والمثل: عبارة عن قول شيء يشبه قولاً في شيء آخر، بينهما مشابهة، ليبين أحدهما الآخر ويصوّره ".
(4)
وقد ذكر الزركشي أن من حكمته تعالى تعليم البيان، وهو من خصائص هذه الشريعة، والمثل أعون شيء على البيان.
(5)
ويستفاد من الأمثال في القرآن أمور كثيرة: كالتذكير، والوعظ، والحث، والزجر والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس
(6)
.
قال الزمخشري: " ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر - شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق، حتى تريك المتخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد. وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبي، ولأمر مّا أكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء ".
(7)
والأمثال في القرآن على ضربين: ظاهرة مصرح بها وكامنة لا ذكر للمثل فيها.
(8)
وقد ألف علماء التفسير والعربية عدداً من المؤلفات في أمثال القرآن، منها:
(أمثال القرآن) لابن القيم الجوزية.
و (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم) للحسين بن الفضل.
ومن هذه الأمثال الكامنة ما ذكره الحسين في هذه الآية.
فقد ذكر الله في هذه الآية قصة أصحاب السبت وهي قصة مشهورة، ومبسوطة في مظانها من كتب التفاسير، وغيرها
(9)
.
(1)
ينظر: القاموس المحيط (مثل) ولسان العرب (مثل).
(2)
الصحاح (مثل).
(3)
لأبي هلال العسكري ص: 16.
(4)
المفردات ص: 464.
(5)
ينظر: البرهان 1/ 487.
(6)
ينظر: البرهان 1/ 486 والإتقان 4/ 38.
(7)
الكشاف 1/ 72.
(8)
ينظر: البرهان 1/ 486 والإتقان 4/ 39.
(9)
ينظر: على سبيل المثال تفسير ابن كثير 2/ 257 والبداية والنهاية 2/ 582 - 586.
قوله {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} .
اُختلف في هذه القرية، والمشهور أنها أيْلة
(1)
، وبه قال ابن عباس ومجاهد، وعكرمة
(2)
وقتادة، والسدي، وعبد الله بن كثير القارئ
(3)
، وسعيد بن جبير والضحاك.
(4)
وقيل غير ذلك
(5)
.
والصواب - والله أعلم - أن يقال هي قرية حاضرة البحر كما نصَّ على ذلك القرآن سواء كانت أيْله، أو غيرها ممَّا قيل، طالما يصدق عليها قوله {حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}
لا سيما أنه لم يرد خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأن ذلك من أيّ
(6)
.
وقوله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}
قال ابن جرير: " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فيه عن العمل شرَّعاً، يقول: شارعة ظاهرة على الماء من كل طريق وناحية كشوارع الطرق .. ويوم لا يعظمونه تعظيمهم السبت، وذلك سائر الأيام غير يوم السبت لا تأتيهم الحيتان ".
(7)
وذكر الحسين أن في هذا دلالة على أن الحلال لا يأتيك إلا قوتاً والحرام يأتيك جزفاً جزفاً، وهذا أيضاً يوافق أحد الأوجه التفسيرية في قوله تعالى:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَاءٍ غَدَقًا (16)} [الجن: 16]
(1)
أيْلة: بفتح أوله على وزن فعله. معجم ما استعجم للبكري 1/ 216، قال ابن عباس: أيله بين مدين والطور رواه عنه ابن جرير في تفسيره 6/ 110، وابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1597، قال ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان): أيلة بالفتح مدينة على ساحر بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام " 1/ 292.
(2)
عكرمة: أبو عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة، ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، توفي سنة (14 هـ) وقيل بعد ذلك، ينظر: السير (5/ 12)، التقريب (4673)
(3)
رواه عنهم ابن جرير في تفسيره 5/ 1597.
(4)
رواه ابن أبي حاتم عنهما في تفسيره 5/ 1597.
(5)
ينظر: تفسير ابن جرير 9/ 111، وتفسير ابن أبي حاتم 5/ 1597/ 1598 وتفسير البغوي 2/ 162، وزاد المسير 3/ 276 وتفسير ابن كثير 2/ 257.
(6)
ينظر: تفسير ابن جرير 9/ 111.
(7)
تفسيره 9/ 111.
أي: وأن لو استقاموا على الضلالة لأعطيناهم سعة من الرزق وذلك لنستدرجهم بها.
(1)
فالحلال قد لا يأتي بسرعة وقد يكون قليلاً أيضاً بينما الحرام يأتي بسرعة وقد يكون كثيراً؛ اختباراً وامتحاناً من الله لعباده، وهذا مشاهد فما أكثر الآن سبل الكسب الحرام وطرقه ولكنه ممحوق البركة.
وأحيانا قد يسلك العبد الطرق المحرمة ويبذل في ذلك وسعه، ولكن لا يأخذ من الرزق إلا ما قُدِّر له، فيجمع بين الحرمان والعصيان قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18]
ولا يعني هذا أن الكثرة ومحق البركة، متلازمان، بل قد يمنُّ الله على العباد بكثرة الرزق المبارك، هذا إذا ما آمنوا واتقوا، ومصداق ذلك قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأرضِ} [الأعراف: 96]
وقوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: 66].
وقيل إنَّ هذه القصة حصلت في زمن داود عليه السلام والله أعلم ـ بصحة ذلك.
(2)
قال القرطبي: " ورُوي في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن
…
داود عليه السلام ".
(3)
(1)
ينظر: تفسير الطبري 29/ 137.
(2)
ذكر البغوي في تفسيره 2/ 162، أن داود عليه السلام لعن المعتدين فيهم.
(3)
تفسيره 7/ 269.