الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[78] وقال الحسين بن الفضل: (مجازه: فإن الله هو مدهر الدهور)
الكشف والبيان 8/ 364
(1)
الدراسة
الدهر في الأصل اسم لمدة العام من مبدأ وجوده إلى انقضائه وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] ثم يُعبرَّ به عن كل مُدَّة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة.
(2)
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسبُّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلِّب الليل والنهار).
(3)
وروى كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولنَّ أحدُكم يا خيبةَ الدَّهر، فإنَّ الله هو الدَّهر)
(4)
.
قال الإمام الشافعي في تفسير رواية أبى هريرة السَّابق ذكرُها في المتن: تأويل ذلك – والله أعلم – أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر وتذمه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هدم أو ذهاب مال أو غير ذلك من المصائب، وتقول أصابتنا قوارع الدهر، وأبادهم الدهر وأتى عليهم الدهر والليل والنهار يفعل ذلك بهم فيذمون الدهر بذلك ويسبونه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الدهر) على أنه الذي يفعل بكم ذلك فإنكم إذا سببتم فاعل ذلك وقع سبكم على الله عز وجل فهو الفاعل بذلك كله وهو فاعل الأشياء ولا شيء إلا ما شاء الله العلي العظيم ".
(5)
وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم:
" قوله فإن الله هو الدهر، وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه، وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين
…
وإنما تأويله عندي – والله أعلم – أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر وأتى عليهم الدهر فيجعلونه الذي يفعل ذلك فيذمونه عليه وقد ذكروه في أشعارهم "
(6)
(1)
ت: ابن عاشور.
(2)
المفردات ص: 179، وللاستزادة: يراجع: تهذيب اللغة 2/ 1240/ 1241.
(3)
رواه البخاري في صحيحه كتاب (التفسير) باب تفسير سورة حم الجاثية، ح: 4826، ص: 854، ومسلم في الموضع السابق ح:5863.
(4)
رواه البخاري كتاب (الأدب) باب: لا تسبوا الدهر، ح: 6182، ص: 1077 ومسلم في الموضع السابق ح: 5865، واللفظ له.
(5)
الاستذكار لابن عبد البر 8/ 553.
(6)
غريب الحديث 2/ 145/ 146.
ثم ذكر بعضاً من هذه الأشعار وقال: " وقد أخبر الله تعالى بذلك عنهم في كتابه الكريم ثم كذبهم بقولهم فقال: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} قال الله عز وجل {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبُّوا الدهر) على تأويل لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه الأشياء ويصيبكم بهذه المصائب فإنكم إذا سببتم فاعلها فإنما يقع السب على الله تعالى؛ لأنه عز وجل هو الفاعل لها لا الدهر فهذا وجه الحديث إن شاء الله ".
(1)
وقال الأزهري: " قلتُ: وقد قال الشافعي في تفسير هذا الحديث نحْواً مما قاله أبو عُبيد، واحتجَّ بالأبيات التي ذكرها أبو عبيد، فظننت أبا عبيد عنه أخذ هذا التفسير لأنه أول من فسَّره ".
(2)
وإلى هذا التفسير الذي قاله الشافعي ذهب أهل العلم.
(3)
وقال الإمام النووي في قوله تعالى: (وأنا الدهر): " فإنه برفع الراء، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبوعبيد وجماهير المتقدِّمين والمتأخِّرين "
(4)
.
وقال ابن كثير: في قول الشافعي وغيره من الأئمة: " هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد والله أعلم "
(5)
.
وقال النووي: " ومعنى (فإن الله هو الدهر) أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم "
(6)
.
ولقد قال الخطابي في قوله (أنا الدهر): " أي أنا مالك الدهر ومصرِّفُه فحُذف اختصاراً للفظ واتساعاً في المعنى .. "
(7)
وقال غيره
(8)
: معنى قوله (أنا الدهر) أي المدبر أو صاحب الدهر أو مقلبه أو مصرفه، ولهذا عقبه بقوله (بيدي الليل والنهار)
(9)
وقال تعالى {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]
(1)
المصدر السابق 2/ 147.
(2)
تهذيب اللغة 2/ 1240.
(3)
ينظر على سبيل المثال: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة 1/ 222/ 223 وغريب الحديث للخطابي 1/ 490 ومشكل الحديث وبيانه لابن فورك 1/ 276 وشرح النووي 15/ 4.
(4)
شرح النووي 15/ 3.
(5)
تفسيره 4/ 151.
(6)
شرح النووي 15/ 4.
(7)
غريب الحديث 1/ 490.
(8)
أي: غير الخطابي.
(9)
عمدة القارئ 22/ 202.
والمحصلة من كلام العلماء أن ما قدره الحسين بن الفضل رحمه الله تقدير صحيح، فإن الله هو مدهر الدهور، أي: مقلبها ومدبرها، ويكون قوله (فإن الله هو الدهر) على الحقيقة في معناه، وهذا الذي دلَّ عليه السياق والقرائن، وأن في الكلام محذوفاً مقدراً لأنه فسره بقوله (أقلب الليل والنهار)، فليس الكلام على المجاز عنده ـ والله أعلم ـ.