الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[85] قال الحسين بن الفضل: (اللمم النظر من غير تعمُّد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم وهو ذنب)
الكشف والبيان للثعلبي
(1)
/ 359
(2)
الدراسة
الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر
(3)
بنص القرآن والسنة وإجماع السلف.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} .
وأصل اللمم والإلمام: ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون إعادة، ولا إقامة
(4)
. وهي الصغائر التي لا يسلم منها إلا من عصمه الله.
(5)
واختلف العلماء في معنى هذه الآية، فقال قوم: هذا استثناء متصل، واللمم من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب، ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس، وقال آخرون: هو استثناء منقطع معناه: لكن اللمم، ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه: فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذُهم الله به، وذلك أنَّ المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا يعملون معنا بالأمس؟ فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت
(6)
وزيد بن أسلم.
وقال بعضهم: "هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا " وذلك قول ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي ورواية عن ابن عباس
(7)
.
وفي رواية ابن عباس أنَّ اللَّمم هو دون حدّ الدنيا وحدّ الآخرة
(8)
.
وذكر العلماء غير ذلك في معنى اللمم
(9)
. والجمهور على أنه استثناء من الكبائر، وهو منقطع أي لكن يقع منهم اللَّمم
(10)
.
ورجَّح الطبري بأنه استثناء منقطع، ووجَّه المعنى إلى ما دون الكبائر ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا والعذاب في الآخرة، فإن ذلك معفوٌّ لهم عنه وذلك نظير قوله جل ثناؤه {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]
(11)
.
(1)
وافقه البغوي في تفسيره 4/ 261 فيما ذكر، وابن الجوزي في زاد المسير 8/ 76 في قوله (اللمم النظر من غير تعمد) وابن القيم في مدارج السالكين 1/ 324.
(2)
ت: فريدة الغامدي، ج: أم القرى.
(3)
يراجع دراسة قول الحسين بن الفضل في سورة النساء في هذا البحث.
(4)
تفسير البغوي 4/ 260.
(5)
ينظر: تفسير القرطبي 17/ 94.
(6)
زيد بن ثابت: ابن الضحاك الأنصاري النجاري، أبو سعيد وأبو خارجة، صحابي مشهور، من كتبة الوحي، قال مسروق:(كان من الراسخين في العلم)، توفي سنة (45 هـ) وقيل بعدها، ينظر: السير (2/ 462)، التقريب (2120)
(7)
ينظر: تفسير الطبري 27/ 76 - 80 وتفسير البغوي 4/ 260 وفي بعض ما ذكر: تفسير القرطبي 17/ 94 - 96، وتفسير ابن كثير 4/ 255/ 256.
(8)
رواه عنه ابن جرير في تفسيره 27/ 80.
(9)
ينظر: زاد المسير 8/ 76 وتفسير القرطبي 17/ 96 والبحر المحيط 8/ 162.
(10)
مدارج السالكين 1/ 322.
(11)
ينظر: تفسيره 27/ 81.
وقال النحاس: " ومن أصح ما قيل فيه وأجمعه لأقوال العلماء أنه الصغائر ويكون مأخوذاً من لممتُ بالشيء إذا قلَّلت نيلَهُ "
(1)
.
قال ابن القيم: " والصحيح: قول الجمهور: إن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة والغمزة والقبلة، ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم. وهو قول أبى هريرة وعبد الله بن مسعود وابن عباس .. ولا ينافي هذا قول أبي هريرة، وابن عباس في الرواية الأخرى (إنه يُلم بالكبيرة ثم لا يعود إليها) فإن
(اللمم) إما أنه يتناول هذا وهذا، ويكون على وجهين. كما قال الكلبي
(2)
، أو أن أبا هريرة.
وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة، ولم يُصرّ عليها، بل حصلت منه فلتةً في عمره باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مراراً عديدة. وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم وغور علومهم .. "
(3)
وإذا تقرر ما سبق علم أن الحسين بن الفضل يذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور بالجملة، ولعلَّه ذكر النظرة كمثال للصغائر وهي نظرة الفجأة كما نسب ذلك إليه ابن عطية
(4)
، وزاد عليه إذا عاود النظر فلا يغفر. وقد يكون هذا معنى الإصرار لأنه قيل: لا صغيرة مع الإصرار ـ والله أعلم ـ
وقد نسب الفراء هذا القول إلى الكلبيِّ
(5)
.
(1)
إعراب القرآن 4/ 185.
(2)
قال الكلبي (اللمم) على وجهين: كل ذنب لم يذكر الله عليه حداً في الدنيا ولا عذاباً في الآخرة، فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس، مالم يبلغ الكبائر والفواحش والوجه الآخر: هو الذنب العظيم، يُلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه. مدارج السالكين 1/ 323.
(3)
مدارج السالكين 1/ 324.
(4)
ينظر: المحرر الوجيز 5/ 205.
(5)
ينظر: معاني القرآن 3/ 100.