الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ميراث الولاء
في بيان ما يتعلق ميراث الولاء وهو بفتح الواو ومد اللام، والمراد به هنا ولاء العتاقة وقد قدر الولاء لمن أعتق، رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية الطبراني عن عبد الله بن أبي أوفى والحاكم والبيهقي عن ابن عمر:"الولاء لحمة كالحمة النسب لا يباع ولا يوهب" رواه الشافعي في مسنده عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أيضًا، فمن أعتق فولاؤه أي: فميراثه لسيده ذكرًا كان سيده أو أنثى، وأن شرطه عدمه لما رواه أصحاب الكتب الستة في حديث عائشة رضي الله عنها، أنها لما اشترت بريرة اشترط أهلها أن ولائها لهم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أعتقيها، فإن الولاء لمن أعتق" وآخر العصبات السببية مولى العتاقة، وهو مقدم عندنا على ذوي الأرحام والرد على الفروض وهو قول علي وزيد بن ثابت.
وقال ابن مسعود وهو مؤخر عن ذوي الأرحام أيضًا واستدل بقوله تعالى في سورة الأنفال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أي: بعضهم أقرب من بعض فمن ليس له رحم، والميراث مبني على القرب وبقوله صلى الله عليه وسلم لمن أعتق عبدًا وهو مولا له:"فإن شكرك فهو خير له وإن كفرك، وهو شر له وإن مات ولم يترك وارثًا وذوي الأرحام من قبيل الورثة".
والجواب: أما من الآية فهو أن سبب نزولها ما روى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانوا يتوارثون بذلك، فنسخ الله هذا الحكم بهذه الآية وبين أن الرحم مقدم على المؤاخاة والموالاة، ولا نزاع لنا في تقدم ذوي الرحم على موال الموالات، وأما من الحديث فهو أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله:"ولم يدع وارثًا" أنه لم يدع وارثًا هو عصبة ألا ترى أنه قال في آخره: "كنت أنت عصبته" ولم يقل: أنت وارثه، وإذا كان (ق 767) مولى العتاق محصلة وهو آخر العصبات، كما دل عليه الحديث كان مقدمًا على ذوي الأرحام والرد لتقدم العصبات عليها، كذا قاله علي القاري. محمد قال:
730 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أخبره أن
أباه أخبره، أن العاص بن هشام هَلَكَ وترك بنين له ثلاثة ابنين لأم ورجلًا لعلَّة فهلك إحدى الابنين الذين هما للأم، وترك مالًا وموالي، فورثه أخوه لأمه وأبيه، وورث ماله وولاء مَواليه، ثم هلك أخوه وترك ابنه وأخاه لأبيه، فقال ابنه: قد أحرزْتُ ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي، وقال أخوه: ليس كله لك إنما أحرزت المال، فأما ولاء الموالي فلا، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألستُ أرثه أنا، فاختصموا إلى عثمان بن عفان، فقضى لأخيه بولاء الموالي.
قال محمد: وبهذا نأخذ، الولاءُ للأخ من الأب دون بني الأخ من الأب والأم، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا بدل أخبرنا حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، بفتح العين، أي: الأنصاري المدني البخاري بفتح النون وتشديد الجيم القاضي، ثقة كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة أن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أي: القرشي المخزومي المدني التابعي ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات في أول خلافة هشام. كذا في (تقريب التهذيب) (1) أخبره أن أباه أي: أبا بكر أحد فقهاء المدينة أخبره، أن العاص قال علي القاري: وهو بغير الياء لأنه أجوف لا ناقص، كما توهم ابن هشام هَلَكَ أي: قتل يوم بدر كافرًا وترك بنين له ثلاثة بالنصب على البدل ابنين لأم أي: شقيقًا يعني لأبوين ورجلًا أي: وابنًا كبير لعلَّه بفتح العين المهملة واللام المشددة أي: امرأة أخرى، والجمع علات إذا كان الأب واحدًا والأمهات شتى قيل: مأخوذ من العلل، وهو الشرب بعد الشرب، لأن الأب لما تزوج امرأة بعد أخرى صار كأنه شرب مرة بعد أخرى فهلك إحدى الابنين الذين هما للأم، أي: لأب وترك مالًا وموالي، أي: معتقين له فورثه أخوه لأمه وأبيه، وورث ماله أي: متركاته وفي نسخة: لم يجد كلمة وورث، كما لم توجد في (الموطأ) لمالك فحينئذ ماله بالنصب بدل من ضمير فورثه، وكذلك قوله: وولاء مَواليه، أي: ورث ولاء موالي أخيه ثم هلك
(1) التقريب (1/ 362).
أخوه أي: مات الذي ورث وولاء الموالي، كذا في (الموطأ) لمالك برواية يحيى بن يحيى الليثي وترك ابنه وأخاه لأبيه، أي: لا لأمه فقال ابنه: قد أحرزْتُ أي: ضممت وملكت ما كان أبي أحرز من المال أي: مال أخيه وولاء الموالي، أي: ومن ولاء مواليه أيضًا وقال أخوه: أي: أخو الميت وهو المنازع ليس كله لك وفي نسخة: ليس كذلك إنما أحرزت المال، أي: بلا شبهة وأما ولاء الموالي وفي نسخة: فأما بالألف فلا، أي: فلا أحرزت أو فلا سبيل لك أرأيت أي: أخبرني لو هلك أخي الأول الذي ورث أبوك منه المال والولاء اليوم أي: حيث لم يكن له أخ غير بعد موت شقيقه الذي هو أبوك ألستُ أرثه أنا، أي: دونك لأن الأخ وأن الأب مقدم على ابن الأخ الشقيق فالواجب أن ينتقل إلى الولاء فاختصموا إلى عثمان بن عفان، رضي الله عنه فقضى أي: عثمان لأخيه بولاء الموالي أي: دون ابنه وفي هذه القصة إشكال؛ لأن العاص قتل يوم بدر كافرًا، فكيف يموت في زمان عثمان ويتحاكم إليه في إرثه والذي يرفع الإِشكال أن يكون التحاكم في الإِرث تأخر إلى زمان عثمان، لكن من يقتل يوم بدر كافرًا لا يتحاكم في إرثه إلى عثمان في خلافته، ثم وجدت أن الذي تحاكم إلى (ق 768) عثمان ولد العاص بن هشام، فيحتمل أنه سعيد الذي ذكره ابن أبي حاتم كذا قاله الحافظ في (تعجيل المنفعة) وسهوه ظاهر، فإنه لم يتخاصم في إرث العاص وإنما ذكر في صدر الخبر لبيان أنه خلف شقيقين وواحد؛ لأنه أحرى والذي تخاصم إلى عثمان إنما هو ابن العاص وابن ابنه الذي مات أبوه قبل ذلك، وقد كان ورث شقيقه ماله وولاء مواليه بلا ولد فاختصما في ولاء مواليه دون إرثه ولا ذكر لميراث العاص أصلا فلا إشكال. كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما أخبره أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الولاءُ للأخ من الأب أي: عند عدم الأخ من الأب والأم دون بني الأخ من الأب والأم، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
731 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن أباه أخبره أنه كان جالسًا عند أبَان بن عثمان، فاختصم إليه نفر من جُهينة ونفر من بني الحرث بن
(731) إسناده صحيح.
الخزرج، وكانت امرأة من جهينة تحت رجل من بني الحرث بن الخزرج يقال له: إبراهيم بن كليب، فماتت فورثها ابنها وزوجها، وتركت مالًا وموالي، ثم مات ابنها، فقال ورثَتُه: لنا ولاءُ الموالي، وقد كان ابنها أحرزه، وقال الجهنيون: ليس كذلك، إنما هم موالي صاحبتنا فإذا مات ولدها، فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم، فقضى أبان بن عثمان للجهنيّين بولاء الموالي.
قال محمد: وبهذا أيضًا نأخذ، إذا انقرض ولدها الذكور رجع الولاء وميراث من مات بعد ذلك من مواليها إلى عَصَبتها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: قال: حدثنا أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن أباه أي: أبا بكر بن حزم أخبره أنه كان جالسًا عند أَبان بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة ابن عثمان، أي: ابن عفان فاختصم إليه نفر من جُهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون فهاء ونفر من بني الحرث بن الخزرج وهو بطن من الأنصار وكانت امرأة من جهينة تحت رجل أي: تحت نكاحه من بني الحرث بن الخزرج يقال له: إبراهيم بن كليب، بضم الكاف مصغرًا فماتت أي: المرأة فورثها ابنها وزوجها، وتركت مالًا وموالي، أي: عتقاء لها ثم مات ابنها، فقال ورثَتُه: ابنها لنا ولاءُ الموالي، وقد كان ابنها أحرزه، أي: الولاء فينتقل إلينا كالمال.
وقال الجهنيّون: ليس كذلك، إنما هم أي: موالي صاحبتنا أي: بنتنا فإذا مات ولدها، وفي نسخة: ولدنا بضم الواو وبفتحها وسكون اللام، أي: ولادنا فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم، أي: رجوعًا إلى الأصل فقضى أبان بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة ابن عثمان للجهنيّين بولاء الموالي أي: بميراث العتقاء لهم.
قال محمد: وبهذا أيضًا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما أخبره أبو بكر بن عمرو بن حزم، كما علمنا بما أخبره أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث إذا انقرض أي: مات ولدها أي: أولادها الذكور رجع الولاء أي: ميراث عتقاء المرأة المتوفية وميراث من أي:
متروكات ابن مات بعد ذلك أي: بعد موت أمه من مواليها معتق يرجع أي: يرجع الميراث من عتقاء المرأة المتوفاة إلى عَصَبتها، وهي أبوها، كما قال السكاكي صاحب (معراج الدراية على الهداية) في عيون المذاهب إذا مات المولى أي: السيد ثم معتقه فميراثه لأقرب عصبة مولاه، أي: سيد المعتق هذا إن وجد ابن الابن للمرأة المتوفاة، وإن لم يوجد فالولاء لعم ابنها لأبوين إن وجد، وإلا فلعم الابن لأب إن وجد، وإلا فلابن العم لأبوين وإن سفل وهو أي: رجوع ميراث العتقاء إلى عصبة ابن المعتق إذا انقرض أبناء الذكور للمعتق قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
732 -
أخبرنا مالك، أخبرني مخبر، عن سعيد بن المسيَّب، أنه سُئِل عن عبدٍ له ولدٌ من امرأةٍ حرة، لمن ولاؤهم؟ قال: إن مات أبوهم وهو عبد لم يُعتق فولاؤهم لموالي أمهم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وإن أعتق أبوهم قبل أن يموت جرّ ولاؤهم فصار ولاؤهم لموالي أبيهم، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد أخبرنا أخبرني بالإِفراد مخبر، من الإِخبار أي: محدث أو ناقل، وهو عكرمة، وكان مالك يكره؛ ولذا يعبر عنه في (الموطأ) برجل، وإنما يكتم اسمه لكلام سعيد بن المسيب، وقد احتج العلماء وأصحاب (ق 769) السنن بعكرمة وتنكية مسلم أي: عدل منه ولم يخرج عنه إلا حديثًا واحدًا في الحج، لما قيل فيه: إنه كان يقبل جوائز الأمراء، وقد صنفوا في الرد عنه وعما قيل، لسعيد بن جبير هل أحد أعلم منك؟ قال: عكرمة، وهو مولى ابن عباس رضي الله عنهما، يكنى أبا عبد الله أصله من البربر، وهو أحد فقهاء مكة سمع ابن عباس وغيره من الصحابة، وروى عنه خلق كثير، وكان ينتقل من بلد إلى بلد.
قال أبو المنذر وغيره: البربر من ولد فاران بن عمليق بن لود بن سام بن نوح صلوات الله على نبينا وعليه، والأكثر الأشهر في نسبهم أنهم بقية قوم جالوت، لما قتل طالوت هربوا من المغرب فحملوا في جبالها وقاتلوا أهل بلادها ثم صالحوهم على شيء يأخذونه
منهم وأقاموا بالجبال، وذكر محمد بن أحمد الهمداني في كتابه مرفوعًا إلى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما أنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي وصيف أي: غلام بربري فقال: "يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ " قلت: بربري يا رسول الله قال: "إنهم أمة بعث الله إليهم نبيًا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه". كذا قاله ياقوت الحموي في (معجم البلدان) عن سعيد بن المسيَّب، أنه سُئِل عن عبدٍ له ولدٌ بفتحتين وبضم فسكون أي: أولاد من امرأةٍ حرة، أي: كانت أمة فأعتقت لمن ولاؤهم؟ قال: أي: سعيد بن المسيب إن مات أبوهم وهو عبد قوله: لم يُعتق صفة كاشفة لدفع توهم أن طلاقه عليه باعتبار ما كان فولاؤهم أي: ميراث الأولاد مات أبوهم رقًا لموالي أي: لسيد أمهم أي: وإن أعتق أبوهم قبل الموت لم يكن لهم الولاء وفي (الموطأ) لمالك برواية يحيى عن مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن أن الزبير بن العوام اشترى عبدًا فأعتقه ولذلك العبد بنون من امرأة حرة، فلما أعتقه الزبير قال: هم موالي أمهم، بل هو موالينا فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقضى عثمان للزبير بولائهم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله سعيد بن المسيب وإن أعتق أبوهم قبل أن يموت جرّ ولاؤهم أي: أوصل ميراث الأولاد إلى مواليهم فصار ولاؤهم أي: رجع ميراث الأولاد لموالي أي: المعتق على صيغة اسم الفاعل أبيهم، أي: الأولاد وهو أي: مصير ميراث الأولاد لموالي أبيهم إن أعتق أبيهم قبل أن يموت قولُ أبي حنيفة، والعامة وقد روى البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبير من العصبة ولا يورثون النساء من الولاء إلا من أعتق، وروى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال: لا يرث النساء من الولاء إلا من أعتق أو أعتق من أعتق، وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال:"لا يرث النساء من الأولاد والأمة أعتقن أو كاتبن" وروى نحوه عن محمد بن سيرين وابن المسيب وعطاء والنخعي، وأما ما ذكره فقهائنا حديث لا ولاء للنساء إلا ما أعتقن أو أعتقن من أعتقن أو كاتب من كاتبن أو دبر من دبرن أو جروه معتقهن أو معتق معتقهن، وهذا موجود في كتب الحديث.
لما فرغ من ما يتعلق بولاء الموالي، شرع في بيان ما يتعلق بميراث صبي سبي من بلده إلى بلد الإِسلام، فقال: هذا
* * *