الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال النووي في (شرح مسلم): المختار ما قاله جمهور أصحابنا وغيرهم أن معناه أنه صلى الله عليه وسلم اشتراها من أهل القتيل. انتهى، وقيل: لا حجة عنه لأنهم لم يدعوا إلى أهل خيبر إلا قتله عمدًا فيكون ديته دية العمد، وهي من أسنان الصدقة، وإنما الخلاف في الخطأ، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بدية الخطأ، شرع في بيان ما يتعلق بدية الأسنان مطلقًا، فقال: هذا
* * *
باب دية الأسنان
باب في بيان أحكام دية الأسنان بفتح الهمزة جمع سن مؤنثة وزن حمل وأحمال، والعامة يقولون: إسنان بالكسر والضم وهو خطأ، وهو أعم من الضرس وغيره لغة، اقتبس المصنف رحمه الله هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة المائدة:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45]، ووجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق الإِطلاق والتقييد.
668 -
أخبرنا مالك، أخبرنا داود بن الحصين، أن أبا غَطَفان أخبره: أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله: ما في الضرس؟ فقال عبد الله بن عباس: إن فيه خمسًا من الإِبل، قال: فردني مروان إلى ابن عباس، فقال: فلم تجعل مقدَّم الفم مثل الأضراس؟ قال: فقال ابن عباس: لولا أنك لا تعتبر إلا بالأصابع عَقْلها سواء.
قال محمد: وبقول ابن عباس نأخذ، عقل الأسنان سواء، وعقل الأصابع سواء؛ في كل أصبع عُشر الدية، وفي كل سن نصف عُشر الدية، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا داود بن
(668) إسناده صحيح.
الحصين، الأموي مولاهم، يكنى أبا سليمان المدني ثقة، إلا في عكرمة، رُمي برأي الخوارج، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة بعد الهجرة، كذا قاله ابن حجر العسقلاني (1)، أن أبا غَطَفان بفتح العين المعجمة وفتح الطاء المهملة والفاء فألف ونون على وزن نزوان المري بن طريف أو ابن مالك المري بالراء، المدني، قيل: اسمه سعد، ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين، مات بعد المائة، أخبره: أن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية، يكنى عبد الملك الأموي، ولي الخلافة في المدينة من جهة معاوية في آخر سنة أربع وستين ولم يثبت له صحبة، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس في رمضان قبل المائة، وهو ابن ثلاث أو إحدى وستين سنة، كذا في (تقريب التهذيب)، أرسله إلى ابن عباس رضي الله عنهما، (ق 692) يسأله: ما في الضرس؟ أي: أي شيء من الدية تلزم للضرس الذي قلع خطأ؟ فقال عبد الله بن عباس: إن فيه أي: في واحدة خمسًا من الإِبل، أي: لقوله صلى الله عليه وسلم: "وفي السن خمس"، قال أي: أبو غطفان: فردني مروان أي: ثانيًا حتى أسأل إلى أبن عباس، رضي الله عنهما، فقال: أي: أبو غطفان على وجه الالتفات من التكلم إلى الغيبة لنشاط السامع وللإِصغاء بكلامه، وللتنبيه على أن هذا الحكم عظيم، ومقتضى أن يقال، فقلت: أي: سألت عبد الله بن عباس بأن أقول له: فلم تجعل أي: يا ابن عباس مقدَّم الفم أي: الثنايا والفاء عطف على مقدر وهو مدخول الهمزة الاستفهامية مقدرة كما جيئت في (الموطأ) ليحيى أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ وهي غير الثنايا، والمعنى: هل رويت يا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم دية الثنية والضرس سواء، فلم تجعل دية مقدم الفم كدية الأضراس؟ قال: أي: أبو غطفان: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لولا أنك لا تعتبر أي: لا تقيس إلا بالأصابع أي: لكان كافيًا لك، فحذف جواب لو، وإنما قال له ذلك مجازاة لما رُوي إليه من أن جعل الأسنان مثل الأضراس خلاف القياس، وإلا فابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأصابع والأسنان والثنية والضرس سواء أخرجه الإسماعيلي، وفي البخاري (2) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1) في التقريب (1/ 198).
(2)
في البخاري (6/ 2526) رقم (6500).
"هذه وهذه سواء" يعني الخنصر والإِبهام، ولأبي داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده:"الأصابع كلها سواء، كلهن فيه عشر عشر من الإبل"، كذا قاله الزرقاني، عَقْلها أي: دية الأصابع كلها، سواءُ، أي: مستوية مع اختلاف ما فيها من تفاوت المنفعة.
قال محمد: وبقول ابن عباس نأخذ، أي: نعمل ونقول: عقل الأسنان أي: ديتها سواء أي: لا فرق بين أفرادها، قال الأصمعي: وجه التسمية الدية عقلًا؛ لأن كل إبل تربط عند باب وإرث المقتول لأجله ديته، ثم شاع استعمال لفظ العقل في كل دية كانت دنانيرًا ودراهم، كذا قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري)، وعقل الأصابع سواء؛ في كل أصبع عُشر الدية، بضم العين المهملة وسكون الشين المعجمة والراء، وهي عشرة من الإِبل، وفي كل سن نصف عُشر الدية، وهو خمس من الإِبل لزوم دية كل سن نصف عشر الدية، وهو أي: لزوم دية كل سن نصف عشر الدية الكاملة قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، لما أخرجه أبو داود (1) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: أنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسنان خمس من الإِبل في كل سن، ولما في كتاب عمرو بن حزم: وفي السن خمس من الإِبل، ولما أخرجه أبو داود (2) وابن ماجه (3) عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأسنان سواء الثنية والضرس سواء، هذه وهذه سواء"، ولو قلع جميع أسنانه يجب ستة عشر ألفًا، وفي البدن عضو الدية، أكثر من دية النفس سوى الأسنان، وفي الكوسج يجب أربعة عشر ألفًا؛ لأن أسنانه تكون ثمانية وعشرين، حُكي أن امرأة قالت لزوجها: يا كوسج، فقال: إن كنت كوسجًا فأنت طالق، (ق 693) فسئل أبو حنيفة عن ذلك فقال: تعد أسنانه إن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج، وهذا يدل على أن الكوسج أنواع باختلاف تفاوت اللحية، وما ذكره الإِمام حقيقة العلامة لكن فيه إشكال؛ لأن مدار الإِيمان على العرف في الأمكنة والأزمان، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام دية الأسنان مطلقًا، شرع في بيان أحكام دية السن والعين المخصوصين، فقال: هذا
* * *
(1) أبو داود (4563).
(2)
أبو داود (4560).
(3)
ابن ماجه (2650).