الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبرة للأكثر، وفي نسخة: أجزت بلا همزة، وهي لغة، وإن ذهب النصف فصاعدًا لم تجزئ، وأما المريضة التي فسدت لمرضها، أي: تغيرت، والعجفاءُ التي لا تُنقَى فإنهما لا يُجزئان، وكذا لا تجزئ عند أبي حنيفة ما ذهب أكثر ثلث أذنها، أو عينها، أو إليتها، أو ذيلها، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا بقى أكثر من النصف أجزأه، وهو اختيار أبي الليث، وفي كون النصف فإنهما روايتان عنهما.
لما فرغ من بيان حكم ما يكره في الضحايا شرع في بيان ما ينهى من أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام، فقال: هذا
* * *
باب لحوم الأضاحي
باب في بيان حكم لحوم الأضاحي بتشديد التحتية جمع الأضحية، وهي بضم الهمزة وسكون الضاد المعجمة، وكسر الحاء المهملة، وتشديد التحتية المفتوحة فهاء، حيوان يُذبح في أيام النحر لم ينحر على وجه التقرب.
634 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد، أن عبد الله بن عمر أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرتُ ذلك لِعَمْرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق، سمعتُ عائشة أم المؤمنين تقول: دفّ ناسٌ من أهل البادية حضرةَ الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"ادّخروا لثلاث ليالٍ، وتصدَّقوا بما بقي"، فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان الناس ينتفعون في ضحاياهم يجملون منها الودَك، ويتخذون منها الأسقية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذلك" - أو كما قال - قالوا: يا رسول الله نهيتَ عن
(634) حديث صحيح، أخرجه مسلم (1972)، والنسائي (7/ 233)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 186)، وابن حبان في صحيحه (5925)، وأحمد في المسند (3/ 388)، والبيهقي في السنن (9/ 290، 291).
إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما نهيتكم من أجل الدَّافة التي كانت دَفَّت حَضْرَة الأضحى، فكلوا وتصدقوا وادَّخروا".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني القاضي ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة، عن عبد الله بن واقد، بن الحارث بن عبد الله الحنفي، يُكنى أبا رجاء الهروي الخراساني، وهي بلدة عظيمة في طرف الشرق، كانت في الإِقليم الرابع من الأقاليم السبعة، وعبد الله بن واقد، كان ثقة، وموصوفًا بخصال من الخير، وكان في الطبقة السابعة من طبقات التابعين من أهل خراسان، مات سنة بضع وستين ومائة، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أخبره: أي: عبد الله بن واقد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، أي: بعد ثلاث ليال، قال عبد الله بن أبي بكر، فذكرتُ ذلك أي: حديث ابن عمر رضي الله عنهما لِعَمْرة بنت عبد الرحمن أي: الأنصارية فقالت: صدق، أي: عبد الله بن واقد، سمعتُ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: دفّ بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء المفتوحة، أي: أتى ناسٌ من أهل البادية، والدافة الجماعة القادمة، (ت 659) قاله ابن حبيب، وقال الخليل: قومٌ يسيرون إلينا، حضرةَ الأضحى بالنصب على الظرفية، أي: وقت الأضحى، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادّخروا بتشديد الدال المهملة وأصله تحروا بالمعجمة من الذخيرة، أي: امكسوا واحبسوا منه لثلاث، أي: لثلاث ليالٍ، كما في النسخة، وتصدَّقوا بما بقي"، وهذا كان أمر للوجوب في سنه محط، فلما كان بعد ذلك أي: في العام المقبل، وقد سألوا: هل يفعلون كما فعلوا العام الماضي؟ قال ابن المنير: كأنهم فهموا النهي ذلك العام كان على سبب خاص، والدافة فإذا ورد العام على سبب خاص حال في النفس من عمومه وخصوصه، هو استحالة، فلما كان مظنته الاختصاص عادوا للسؤال، فبيَّن لهم أنه خاص بذلك السبب، ويشبه أن يستدل بهذا من يقول: إن العام يضعف عمومه بالسبب، فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقد بقاء العموم على أصالته لما سألوا، ولو اعتقدوا الخصوص لما سألوا، بدل سؤالهم على أنه ذو شانين، وهذا اختيار الجويني، كما قاله الزرقاني.
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان الناس ينتفعون في ضحاياهم أي: في الادخار والتزود ويجملون بسكون الجيم وضم الميم، أي: يذيبون منها الودَك، بفتحتين، أي: الشحم، ويتخذون منها أي: من جلود الضحايا الأسفية، جمع السقاء، وهي: أداة الماء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذلك" أي: أي السبب الذي منعهم من الانتفاع، أو كما قال، شك الراوي أي: في هذا المعنى، ولو كان بخلاف المبنى، قالوا: يا رسول الله نهيتَ أي: نهي تحريم عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، أي: ثلاث ليال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما نهيتكم من أجل الدَّافة بالدال المهملة، وبعد الألف فاء ثقيلة، أصله لغة الجماعة، التي كانت دَفَّت حَضْرَة الأضحى، أي: في وقته، فكلوا وتصدقوا وادَّخروا، بتشديد الدال المهملة وكسر الخاء المعجمة، أمر استحباب ورخصة، زاد يحيى: يعني أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدافة قومًا مساكين قدموا المدينة، فأراد أن يعينهم، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها، وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعم منها والله أعلم بنيته، وهذا الحديث رواه مسلم من طريق روح بن عبادة، وأبو داود عن القعنبي، كلاهما عن مالك به.
* * *
635 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزّبير المكي، عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد ذلك:"كلوا وتزوّدوا وادَّخروا".
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بالادخار بعد ثلاث، والتزوّد، وقد رخّص في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان نهى عنه، فقوله الآخِرُ ناسخٌ للأوَّل، فلا بأس بالادّخار والتزوُّد من ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة.
• أخبرنا مالك، في نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا أبو الزّبير المكي، هو محمد بن مسلم، تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة، وضم الراء، الأسدي، مولاهم صدوق، إلا أنه يدلس، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل مكة، مات سنة ستة ومائة، عن جابر بن عبد الله، الصحابي ابن الصحابي، أنه أخبره، أي: أبا الزبير
(635) صحيح، انظر السابق.
المكي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، أي: ثلاث ليال من وقت التضحية، واختلف في أنه كان نهي تحريم أو تنزيه، وصححه المهلب لقول عائشة: التضحية كنا نملح منها، ونقدد (ق 660) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا: لا نأكل إلا ثلاثة أيام، قالت: وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعم منه، والله أعلم.
ثم قال بعد ذلك أي: سنة أخرى: "كلوا وتزوّدوا وادَّخروا".
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعلم إلا بما رواه جابر، لا بأس أي: لا كراهة بالادخار بعد ثلاث، والتزوّد، أي: وبالتزود وأيضًا بعد ثلاث، وقد رخّص في ذلك أي: فيما ذكر من الادخار والتزود رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان نهى عنه، أي: عما ذكر، فقوله الآخِرُ ناسخٌ للأوَّل، وهو نص يزيل حكم النص الآخر، كما في (صحاح الجوهري). والنسخ بفتح النون وسكون السين المهملة والخاء المعجمة: التغيير، كما يقال: نسخت الريح آثار الدار إذا غيرتها.
والحاصل: أن النسخ فيه جهتان، ففي حق الله تعالى بيان محض لانتهاء الحكم الأول ليس فيه معنى التبديل؛ لأنه كان معلومًا عند الله تعالى أنه ينتهي في وقت كذا بالناسخ، فكان الناسخ بالنسبة إلى علمه تعالى مبينًا للمدة، وفي حق البشر تبديل؛ لأنه أزال ما كان ظاهر الثبوت، ولحقه شيء آخر، وهذا على مثال القتل؛ فإنه بيان انتهاء أجل المقتول عند الله تعالى؛ لأن المقتول ميت بانقضاء أجله عند أهل السنة والجماعة، إذ لا أجل له سواه، وفي حق العباد تبديل وتغيير وقطع للحياة المظنون استمرارها لولا القتل؛ فلهذا يترتب عليه القصاص وسائر الأحكام، لأنا أمرنا إيراد الأحكام على الظواهر، كذا قاله عبد اللطيف بن الملك في (شرح المنار)، فلا بأس أي: لا كراهة بالادّخار والتزوُّد من ذلك، أي: من لحم الضحايا، وهو أي: جواز الادخار من لحوم الضحايا، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
636 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزبير المكيّ، أن جابر بن عبد الله أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد ذلك:"كُلوا وادَّخروا وتَصدَّقُوا".
(636) انظر السابق.