الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها، أي: نهيًا تحريمًا، فسألتُ قال مالك: فسألتُ زيدًا أي: ابن أسلم: ما الغُبَيْرَاءُ؟ فقال: السَّكْرَكَة، بسين مهملة، وكاف مضمومتين، وراء ساكنة، ثم كاف مفتوحة، فهاء فهي لفظة حبشية، وقد عربت فقيل الترفع، كذا في (النهاية)، وقال بعض أهل اللغة: هي بفتح السين وسكون الكاف الأولى وفتح الراء المهملة والكاف الثانية، وبالهاء، وفي الحديث:"إياكم والغبيراء، فإنها خمر الأعاجم".
لما فرغ من بيان الحد في شرب المسكر، شرع في بيان تحريم الخمر، فقال: هذا
* * *
باب تحريم الخمر وما يُكره من الأشربة
في بيان تحريم الخمر وما يكره من الأشربة بيان بما
713 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن ابن وَعْلة المصري، أنه سأل ابن عباس عما يُعصر من العنب، فقال ابن عباس: أهدى رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمرٍ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل علمتَ أن الله حرَّمها؟ "، قال: لا، فسارَّ الرجلُ إنسانًا إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بِمَ سارَرْتَهُ؟ " قال: أمرته أن يبيعها، فقال:"إن الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها"، قال: ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا زيد بن أسلم، وقد مر بيان طبقته آنفًا، عن ابن وَعْلة المصري، بفتح الواو وسكون العين المهملة واللام المفتوحة فمثناة فوقية، اسمه عبد الرحمن المصري التابعي الصدوق، وفي رواية ابن وهب عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن وعلة النسائي، من أهل مصر، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل مصر، كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
(713) صحيح، أخرجه مسلم في المساقاة (1579)، والنسائي في البيوع (7/ 307، 308)، والشافعي في المسند (1/ 14، 141)، والبيهقي في الكبرى (6/ 11، 12).
أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عما يُعصر من العنب، فقال ابن عباس: أهدى رجلٌ اسمه كيسان الفقي، كما رواه أحمد من حديثه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمرٍ، بالإِضافة، أي: مزادتها، وأصل الراوية البعير يحمل الماء عليها فيها المبالغة، ثم أطلقت الراوية على كل دابة يحمل عليها الماء، ثم على المزادة، ولفظ رواية أحمد عن كيسان: أنه كان يتجر في الخمر، وأنه أقبل من الشام، فقال: يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد، وعنده أيضًا عن ابن عباس، كان للنبي صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس، فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل علمتَ أن الله عز وجل حرَّمها؟ "، أي: غلب في أمره، وظهر في حكمه ولا يُسئل عما يفعله، حرَّمها في سورة المائدة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، قال: أي: الرجل: لا، أي: لم أعلم بذلك، فسارَّ الرجلُ بتشديد الراء، أي تكلم خفية، إنسانٌ إلى جنبه، وفي رواية أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما: فأقبل الرجل على غلامه فقال: بعها، ولابن وهب: فسارّ إنسانًا فقال له: أي: للإِنسان، تكلم خفية برجل في جنبة النبي صلى الله عليه وسلم، أصله بما محذوف الألف؛ لأن حرف الجر أدخل على ما الاستفهامية يحذف ألفها تخفيفًا للفظ الكثير التداول، أو فرق بين الاستفهامية والإِسمية، أو إخبارًا عن شدة اتصال ما بحرف الجر، حتى صارت كالجزء منه، فمعناه: أي شيء كلمته خفية، كما فصلناه في تفسير عم يتساءلون، في كتابنا (نور الأفئدة). قال: أمرته ببيعها، أي: ظنًا منه أنه يحرم شربها لا بيعها، فقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الذي أي: الله عز وجل حرَّم شربها حرَّم بيعها"؛ لأنه رجس، أي: نجس، وهو لا يصح بيعه، ولا يؤدي إلى شربها، وفي حديث كيسان، (ق 750) قال: إنها حرمت وحرم ثمنها.
قال: أي: الراوي، ففتح أي: الرجل المزادتين، بفتح الميم والزاي، تثنية مزادة، وهي القربة؛ لأنه يتزود فيها الماء، حتى ذهب ما فيهما، أي: من الخمر، ففيه وجوب إراقته لفعله ذلك بحفرته صلى الله عليه وسلم، وأقره عليه هذا إذا كانت عند مسلم صورة إذا أسلم ذمي وفي يده الخمر والخنزير فأتلفها آخر لا يضمنها بلا إتلاف لأنهما بمال في حق المسلم، بخلاف خمر الذمي، وخنزيره، حيث يضمنها بلا إتلاف، لأنهما مال في حق الذمي، كذا في كتاب (الغصب من الدرر).
وقد اختلف في وقت تحريم الخمر، فقيل: سنة أربع بعد الهجرة، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة ثمان، قال الحافظ: وهو الظاهر لرواية أحمد عن ابن عباس، أن الرجل المهدي راوية الخمر لقيه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وروى أحمد وأبو يعلى عن تميم الداري: أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر، فلما كان عام حرمت جاء براويته فقال:"أشعرت أنها قد حرمت بعدك؟ " قال: أفلا أبيعها وأنتفع، فنهاه، ففي هذا تأييد الوقت المذكور، فإن إسلام تميم الداري كان بعد الفتح. وروى أصحاب السنن عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل قوله تعالى في سورة البقرة:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} الآية [البقرة: 219]، فقرأت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل في قوله تعالى في سورة النساء:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، فقرأت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزل في قوله تعالى في سورة المائدة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91].
قال عمر رضي الله عنه: انتهينا، صححه علي بن المدني والترمذي، انتهى.
وبحديث عمر قد يجمع بين الأقوال الثلاثة باحتمال أن كل مرة كانت في سنة منها، وزعم مغلطاي أنها حرمت في شوال سنة ثلاث، والواقدي أنه عقد قول حمزة إنما أنتم عبيد لأبي يعني سنة اثنين، ويرد عليه حديث الصحيح عن جابر: اصطبح الخمر ناس يوم أحد فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء. ثم أحذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها، فلا يلزم من أهدى الراوية إليه كل عام قبل التحريم أن يشرب، بل يهديها أو يتصدق بها، أو نحو ذلك، وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه، وهو لم يشرب الخمر المحضرة من الجنة ليلة المعراج، وهذا الحديث رواه مسلم في البيع من طريق ابن وهب عن مالك به، وتابعه حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، وتابعه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن وعلة في مسلم أيضًا، كذا قاله الزرقاني.
* * *
714 -
اخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر أن رجلًا من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر: إنا نبتاع من تمر النخل والعنب فنعصره خمرًا، فنبيعه، فقال له عبد الله بن عمر: إني أُشهد الله عليكم وملائكته، ومن سمع من الجنّ والإِنس أنِّي لا آمركم أن تبتاعوها فلا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها، فإنها رجس من عمل الشيطان.
قال محمد: وبهذا نأخذ، ما كرهنا شربه من الأشربة الخمر والسّكر، ونحو ذلك، فلا خير في بيعه ولا أكل ثمنه.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلًا من أهل العراق بكسر العين المهملة والراء المهملة فألف، وقاف، أي: الكوفة والبصرة، كانتا في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: يا أبا عبد الرحمن، وهو كنية ابن عمر: إنا نبتاع أي: نشتري من تمر النخل والعنب والقصب أي: قصب السكر، فنعصره أي: من الإِعصار، خمرًا، فنبيعه، أي: فهل ذلك حرام، أي: ولعلهم كانوا حديثي عهد بالإِسلام. فقال له عبد الله بن عمر: إني أُشهد الله عليكم وملائكته، ومن سمع من الجن والإِنس أنِّي بذلك لزيادة الزجر والتهويل والإِشارة إلى أن حرمت ذلك فجمع عليها، لا آمركم أن تبتاعوها أي: فلا تشتروها، ولا تعصروها ولا تسقوها، أي: أنفسكم وغيرها، وهو من سقى أو أسقى، وفي (الموطأ) برواية يحيى: إني لا آمركم أن تبتاعوها، ولا تبيعوها، ولا تعصروها، ولا تشربوها، ولا تسقوها، أي: غيرها، فإنها أي: الخمر رجس أي: نجس من عمل الشيطان، أي: فاجتنبوه لعلكم تفلحون، كما في الآية.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما روى نافع عن ابن عمر، وفي نسخة: كله نأخذ، ما أي: شيء كرهنا أي: حرمنا شربه من الأشربة الخمر وهو حرام
(714) إسناده صحيح.
قطعًا، والسّكر، بفتحتين عصر الرطب إذا اشتد، كذا في (المغرب)، ونحو ذلك، أي: من أنواع النبيذ.
قال الميرك: اعلم أنه جرت عادة أصحاب الحديث إذا روي بإسنادين أو أكثر وساقوا الحديث بإسناد أولًا، ثم ساقوا بإسناد آخر يقولون في آخره: مثله أو نحوه اختصارًا، والمثل يستعمل بحسب الاصطلاح فيما إذا كان الموافقة بين الحديثين في اللفظ والمعنى، والنحو فيستعمل إذا كانت الموافقة في المعنى فقط، هذا هو المشهور فيما بينهم، وقد يستعمل كل واحد منهما مقام الآخر. كذا قاله علي القاري في (شرح الشمائل)، في حدثنا سفيان بن وكيع في باب خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا خير في بيعه ولو لغير مسلم، ولا أكل ثمنه، أي: لأنه لا بركة فيه.
* * *
715 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الخمر في الدنيا، ثم لم يَتُب منها حُرِمَها في الآخرة، فلم يُسْقَها".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا نافع، وفي نسخة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الخمر في الدنيا، ثم لم يَتُب منها أي: من شربها حتى مات، وفي لفظ: ثم إشعار بأن تراخي التوبة لا يمنع قبولها إلى أن يغرغر حُرِمَها بضم الحاء المهملة وكسر الراء المهملة الخفيفة من الحرمان، وهو حذف الإِيصال، أي: منع من شربها في الآخرة، فلم يُسْقَها" بصيغة المجهول، ولمسلم من طريق أيوب عن نافع: فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة، قال ابن العربي: ظاهر الحديث أنه لا يشربها في الجنة؛ وذلك لأنه استعمل ما أمر بتأخير ما وعد به فحرمه عند ميقاته، كالوارث إذا قتل مورثه، فإنه يحرم ميراثه لاستعجاله؛ ولهذا قال نفر من الصحابة ومن العلماء، وهو موضع احتمال وتوقف وإشكال والله أعلم كيف يكون الحال؟
(715) صحيح، أخرجه البخاري (5575)، ومسلم (5124)، والنسائي في الأشربة (8/ 317).
قال القرطبي: يقول بظاهره أنه يحرم ذلك وإن دخل الجنة إذا لم يتب لاستعجاله ما أخر الله له في الآخرة وارتكاب ما حرم عليه في الدنيا.
وقد أخرج الطيالسي بسند صحيح، وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري (1) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه هو"، قال: فهذا نص صريح إن كان كله مرفوعًا، وإن كانت الجملة الأخيرة مدرجة من كلام الراوي، فهو أعرف بالحديث، قال الحافظ: وفصل بعض المتأخرين (ق 752) بين من يشربها مستحلًا، فهو الذي لا يشربها أصلًا؛ لأنه لا يدخل الجنة وبين شربها عالمًا بتحريمها فهو حل الخلاف، فقيل: إنه الذي يحرم شربها مدة والوصال تعذيبه إن عذب، أو المعنى أن ذلك جزاؤه إن جوزي، كذا قاله الزرقاني (2).
* * *
716 -
أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن أنس بن مالك: أنه قال: كنتُ أسقي أبا عُبيدة بن الجرّاح، وأبا طلحة الأنصاري، وأبي بن كعب شرابًا من فضيخ وتمر، فأتاهم آت فقال: إن الخمر قد حُرِّمَتْ، فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجِرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسّرت.
قال محمد: النقيع عندنا مكروه، ولا ينبغي أن يُشرب من البُسْر والتمر والزبيب، وهو قولُ أبي حنيفة، إذا كان شديدًا يُسكر.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، الدني، يكنى أبا يحيى، ثقة حجة، كان في الطبقة
(1) الحاكم (4/ 157)، وابن حبان (12/ 245)، والطيالسي (1/ 10).
(2)
في شرحه (4/ 211).
(716)
إسناده صحيح.
الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة، عن أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي رضي الله تعالى عنه، أنه قال: كنتُ أي: قبل تحريم الخمر أسقي بفتح الهمزة أو ضمها أبا عُبيدة بالتصغير، اسمه: عامر بن الجرّاح، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأبا طلحة، وهو زيد بن سهل الأنصاري، زوج أم أنس، وجد إسحاق، وأبي بن كعب وهو سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم، زاد في رواية لمسلم، وأبو دجانة، وسهيل بن بيضاء، ومعاذ بن جبل، وأبا أيوب، شرابًا من فضيخ بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة، وسكون التحتية والخاء المعجمة، شراب يتخذ من البسر المكسور حتى يسكر بسرعة، وتمر لمسلم من طريق قتادة عن أنس أنه قال: أسقاهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر.
وللبخاري من طريق بكر بن عبد الله عن أنس: أن الخمر حرمت يومئذ التمر والبسر، ولأحمد عن حميد عن أنس: حتى كان الشراب يأخذ فيهم، ولابن أبي عاصم: حتى مالت رؤوسهم، قال أنس: فأتاهم آت أي: فجاءهم رجل، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، فقال: إن الخمر قد حُرِّمَتْ، فقال أبو طلحة: أي: زيد بن سهل، وهو زوج أم أنس لربيبه الساقي: يا أنس قم إلى هذه الجِرار بكسر الجيم، جمع جرة، التي فيها الشراب المذكور، فاكسرها أي: اسكب ما فيها، قال أنس: فقمت إلى مهراس لنا بكسر الميم وسكون الهاء، فراء مهملة، فألف وسين مهملة، أي: حجر مستطيل ينقر ويدق فيه، ويتوضأ، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب، فقيل لها: مهراس من الحجر أو الصفر الذي يهرس فيه الحبوب، وغيرها، فضربتها أي: الجرار بأسفله حتى تكسّرت.
وفي رواية إسماعيل عن مالك فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، وفي رواية لمسلم: سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل، فيه حجة قوية في قبول خبر الواحد؛ لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا، حتى قدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضاه من صب الخمر وكسر أوانيها.
وأخرجه البخاري في الأشربة عن إسماعيل، وفي الجر الواحد عن يحيى بن قزعة، ومسلم في الأشربة من طريق ابن وهب كلهم عن مالك به، وله طرق عندنا وعند غيرهما، قال أبو عمر: هذا الحديث وما كان مثله يدخل في المسند عند الجميع.