الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(صحيحه) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة رجال، كما قاله علي القاري، لكن إنما يجوز الاشتراك عن سبعة إذا لم يكن لأحدهم أقل من سبع، وهي بضم السين والموحدة والعين المهملة جزء واحد من سبعة أجزاء، حتى إذا مات رجل وترك ابنًا وامرأة وبقرة وضحيا بها لم يجز في نصيب الابن أيضًا لفوات وصف القربة في البعض، وعدم تجزيء هذا الفعل في كونه قربة، كذا نقله صاحب (الدرر) عن (الكافي).
(ق 664) وندب كون الاشتراك قبل الشراء ليكون أبعد عن الخلاف بين الأئمة، حيث قال زفر: من اشترى بدنة لأضحية ثم جعل ستة رجال شركاء له في بدنة مشربة لا يجوز؛ لأنه أعدها للقربة، فلا يجوز بيعها ولا رجوع عنها، كذا في (المورد).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما يجوز شركة سبعة رجال في بقرة لأضحية ولغيرها من القربات بما رواه أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وبغيره، البدنة والبقرة أي: كل منهما تجزئ أي: تكفي عن سبعة في الأضحية والهدي؛ وغيرها من الكفارة والنذر والعقيقة، متفرقين أي: حال كون الشركاء أجانب أو مجتمعين من أهل بيت واحد أو غيره، أي: ولو كانوا من بيوت متعددة إن لم يكن لفرد منهم أقل من سبع، كما ذكر آنفًا ولم يكن أحدهما كافرًا أو يريد اللحم، وهو أي: جواز اشتراك سبعة رجال في الأضحية والهدي، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، وتقسيم لحم الأضحية وزنًا لأجزاء إلا إذا ضم معه من أكارعها أو جلودها ليكون في جانب شيء من اللحم ومن الأكارع أو ليكون في كل جانب شيء من اللحم وبعض الجلد فحينئذٍ يجوز صرفًا للجنس إلى خلاف الجنس.
لما فرغ من بيان ما يجزئ من الضحايا عن أكثر من واحد، شرع في بيان الذبائح، فقال: هذا
* * *
باب الذبائح
باب في بيان الذبائح، جمع ذبيحة، فعيل بمعنى مفعول يعني: مذبوح، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، ويقال للمذبوح: ذبيحة، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية
فيكون الذبيحة اسمًا للحيوان المذبوح، وهو أي: الباب في اللغة: النوع سطلقًا، وفي العُرف: نوع من المسائل التي اشتمل عليها الكتاب، كذا قاله الشمني.
قوله: بابٌ بالتنوين، خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا باب أو بالوقوف فلا نصيب له من الإِعراب، فإضافة الباب إلى الذبائح بمعنى في تقديره: هذا باب كائن في بيان الذبائح، وإضافته إليها من قبيل إضافة العام إلى الخاص، وإنما اختار المصنف الذبائح بلفظ الجمع إشعارًا إلى أنواع الذبيحة فإن بعضه مباح الأكل وبعضه حرام، أما مباحه: ما ذُبح بذكر اسم الله تعالى عليه، وأما حرامه فما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه، وأنه فسق، والناسي لا يسمى فاسقًا كما هو ظاهر في الآية، وإنما قدم باب ما يجزئ من الضحايا عن أكثر من واحد على باب الذبائح اعتناءً لشأن الضحايا؛ لأنها تذبح للتقرب إلى الله تعالى. والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق معنى إراقة الدم مطلقًا.
640 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رجلًا كان يرعى لِقْحة له بأُحُدِ، فجاءَها الموت فذكّاها بشِظاظٍ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها، فقال:"لا بأس بها فكلوها".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا زيد بن أسلم، أي: العدوي مولى عمر، يكنى أبا عبد الله أو أبا أسامة المدني، ثقة، عالم كان يرسل، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين، عن عطاء بن يسار الهلالي، يُكنى أبا محمد المدني، مولى ميمومة، ثقة فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من صغار التابعين، من أهل المدينة، ومات سنة أربع وتسعين، كذا في (تقريب التهذيب)(1)، أن رجلًا أي: من الأنصار من بني حارثة، وهو بطن من الأوس، كان يرعى لِقْحة له بكسر اللام وسكون القاف والحاء المهملة المفتوحة فهاء: ناقة ذات لبن، بأُحُدِ وهو بضمتين: جبل عظيم (ق 665) قريب من
(640) صحيح، أخرجه البخاري في الذبائح (5505)، وابن ماجه (3182)، وأحمد (6/ 386)، والطبراني في الكبير (19/ 190).
(1)
التقريب (1/ 392).
المدينة، وقد ورد في حقه:"أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه"، فجاءَها أي: فأصاب اللقحة الموت أي: مقدماته، فذكّاها بتشديد الكاف، أي: فذبحها، كما في نسخة، بشِظاظٍ بكسر السين المعجمة وإعجام الظائين: العود المحدد، وفسِّر في بعض طرق الحديث بالوتد، كذا نقله علي القاري عن السيوطي، وفي رواية أيوب: فنحرها بوتد، فقلت لزيد وتد من حديد ومن خشب؟ قال: بل من خشب، وفي رواية يعقوب بن جعفر عن زيد عن عطاء، فأخذها الموت فلم يجد شيئًا ينحرها به، فأخذ وتدًا فذكاها به، حتى طرق دمها، فعلى هذا فالشظاظ الوتد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها، فقال. "لا بأس أي: لا كراهة بها كلوها، وفي نسخة: فكلوها بالفاء أمر إباحة، ففيه دليل على أن الذبح يحل بكل ما فيه حدة كالقصب والحجر، قال أبو عمر، أي: ابن عبد البر: هذا مرسل عند جميع الرواة، ووصله أبو العباس محمد بن إسحاق السراج من طريق أيوب والبزار من طريق جرير بن حازم، كلاهما عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري.
* * *
641 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن رجل من الأنصار: أن معاذ بن سعد - أو سعد بن مُعاذ - أخبره أن جارية كانت لكعب بن مالك ترعى غنمًا له بسَلْع، فأصيبت منها شاة فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"لا بأس بها فكلوها".
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، كل شيء أفرى الأوداج وأنهر الدم فذبحتَ به فلا بأس بذلك، إلا السن والظفر والعظم، فإنه مكروه أن يذبح بشيءٍ منه، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا نافع بن عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة، عن رجل من الأنصار، يحتمل أنه
(641) صحيح، انظر ما تقدم.
ابن كعب بن مالك، كما في رواية البخاري عن عبد الله عن نافع عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، والابن عبد الرحمن، كما رجحه الحافظ، وقيل: عبد الله، وبه جزم المزي في (الأطراف)، أن معاذ بن سعد أو سعد بن مُعاذ شك من الراوي، وسعد هذا أشهلي، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية، وأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل، ودارهم أول دار أسلمت من الأنصار، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنصار، شهد بدرًا وأُحدًا وغيرها، أخبره أن جارية أي: لا تسم لكعب بن مالك الأنصاري والصحابي الخزرجي، شهد العقبة الثانية، وكان أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكف بصره في آخر عمره، كانت ترعى غنمًا له أي: قطعة غنم لكعب بن مالك، بسَلْع، بفتح السين المهملة، وسكون اللام، فعين مهملة: جبل بالمدينة، ومتعلق بترعى، فأصيبت منها شاة بصيغة المجهول، أي: أصابت مقدمة الموت شاة من تلك الغنم، فأدركتها أي: الجارية بتلك الشاة حيّة، فذبحتها بحجر، وفي نسخة: ثم ذبحها ولكنه بمعنى الفاء التعقيبية، كما قال تعالى في سورة المؤمنون:{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} [المؤمنون: 14]، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"لا بأس بها فكلوها". والحديث أخرجه البخاري أيضًا عن كعب بن مالك، أن جارية كانت لهم ترعى بسلع فأبصرت شاة من غنمها موتًا فكسرت حجرًا فذبحتها، (ق 666) فقال كعب لأهله: لا تأكلوا حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله أو حتى أرسل إليه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أو بعثه إليه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها، فالأمر باقي، وفيه جواز التزكية بالحجر، وجواز ما ذبحته المرأة سواء كانت حرة أم أمة كبيرة كانت أو صغيرة، طاهرة كانت أو غير طاهرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أباح ما ذبحته ولم يستفصل، وهذا قول الجمهور، ومالك في (المدونة)، والشافعي، ونقل ابن عبد الحكم عن مالك الكراهة، وأخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك، وتابعه عبيد الله وجويرية بن إسماعيل عند البخاري، والليث بن سعد عند الإِسماعيلي وعلَّقه البخاري الثلاثة عن نافع، كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه سعد بن معاذ، كل شيء أفرى بفتح الهمزة وسكون الفاء قراءة مفتوحة وتحتية على وزن أقطع لفظًا ومعنًا،
(1) في شرحه (3/ 109).
الأوداج بفتح الهمزة وسكون الواو ودال مهملة، فألف وجيم: جمع ودج، أي: العروق التي تحيط بالعنق لقطع في الذبح، أي: كل محدة تشق العروق المحيطة بالعنق، وأنهر الدم أي: أساله وكثر، فذبحتَ به فلا بأس بذلك، أي: الذبح بكل ما وصف، إلا السن والظفر بفتحتين وسكون الثاني، وبكسر السين وتشديد النون، وذلك لما أخرجه البخاري (1) عن عبادة بن رفاعة بن رافع عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ليس لنا مدي، فقال:"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس الظفر والسن، أما الظفر فمدي الحبشة، وأما السن فعظم"، والعظم أي: مطلقًا، فإنه مكروه أن يذبح بشيءٍ منه، وذلك أن العظم يتنجس بالدم إذا ذبح به، وقد نهينا عن تنجيسه لأنه زاد إخواننا من الجن، وأما الظفر فإن الجِنَّة يحلونه محل المدي، ومذهبنا النهي عن التشبه بالكفار، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
قال صاحب (الهداية): فكلموا في معنى المكروه والمروي عن محمد نصًا أن كل مكروه حرام؛ إلا أنه لم يجد نصّا قاطعًا لم يطلق عليه لفظ الحرام، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب. انتهى. وهذا في كراهة التحريم، وفي (الحاشية اليعقوبية) أن المكروه كراهة التنزيه، وعند محمد كان تركه أولى مع عدم المنع عن الفعل، ويقابله المندوب، أي: ما كان فعله أولى مع عدم المنع عن الترك. انتهى.
وفي كلام ابن الهمام أن الحرام في مقابلة الفرض، وكراهة التحريم في مقابلة الوجوب، وكراهة التنزيه في مقابلة السنة، كما قاله علي القاري.
* * *
642 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بَضَعَ فلا بأس به إذا اضْطُررتَ إليه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بذلك كلِّه، على ما فسرت لك، وإن
(1) البخاري (5223)، (5/ 2106).
(642)
إسناده صحيح.
ذُبِح بسنٍّ أو ظفر منزوعين فأفرى الأوْداج وأنْهر الدم أكل أيضًا، وذلك مكروه وإن كانا غير منزوعين فإنما قتلها قتلًا فهي ميتة لا تؤكل، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: قال: ثنا، أخبرنا يحيى بن سعيد بن حزن بن وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، كان في الطبقة الأولى من كبار التابعين، من أهل المدينة، اتفقوا على أن مرسلاته (ق 667) أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين بيسير، وهو ابن أربع وثمانين سنة، أنه كان يقول ما أي: جارح ذبح به بصيغة المجهول إذا بَضَعَ بفتح الموحدة وتشديد الضاد المعجمة، وقد يخفف أي: إذا قطع الحلقوم والودجين، فلا بأس به، أي: لا كراهة في الذبح بالمحددة، إذا اضْطُررتَ إليه، أي: إن احتجت إليه في الذبح أشد الاحتياج، وإلا فالمستحب الذبح بالحديد المشحوذ لحديث:"وليحد شفرته"، وذكاة الضرورة جرح أين ما كان من البدن، وذكاة الاحتياج بين الحلق واللبة وهي الصدر، وعروق الذبح الحلقوم وهي مجرى النفس، والمريء، وهي مجرى الطعام والشراب، والودجان، وهما مجرى الدم، وهل الذبح بقطع الثلاث منهما، عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف أولًا، ثم رجع إلى أنه لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وعن محمد أنه لا بد من قطع أكثر من واحد من الأربعة، وهو رواية عن أبي حنيفة.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله سعيد بن المسيب: لا بأس بذلك كلِّه، أي: لا كراهة في الذبح بكل محدة، على ما فسرت لك، أي: بينت وسرحت فإن في نسخة: وإن بالواو ذُبِح بسنٍّ أو ظفر منزوعين أي: مقطوعين ومفصولين عن محلهما، فأفرى الأوْداج وأنْهر أي: أسال الدم أكل أيضًا، أي: كما أكل المذبوح بكل محدة وفيه خلاف للشافعي، وذلك مكروه؛ لأن في الذبح بسن أو ظفر تشبه بالكفار كما مرّ، لكن ينبغي التحرز أو يستحب الخروج من الخلاف؛ ولأن الدليل من الحديث مطلق، فإن كانا أي: السن والظفر غير منزوعين بأن يكونا قائمين في محلهما، فإنما قتلها أي: الذبح قتلًا، أي: غير ذبح شرعي، فالضمير المنصوب عائد إلى المذبوح باعتبار النفس، كما قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، أو باعتبار الميتة، كما فسرت