الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الديات
كتاب في بيان أحكام الديَّات، وفي نسخة: أبواب الديّات، وهي جمع الديَّة، وهي مصدر ودى القاتل المقتول، إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، ثم قبل لذلك المال، الديَّة تسمية بالمصدر، ولذا جُمِعَت، وهي كعدة في حذف الفاء الفعل، كذا في (المغرب) وغيره؛ لأن التاء في آخر الديَّة عوض عن الواو كعدة، والكتاب لغة: مصدر بمعنى الكتب، وهو الجمع، سُمي به المفعول للمبالغة، واصطلاحًا: طائفة من المسائل، وإضافته إلى الديات من قبيل إضافة العام إلى الخاص، وإنما قال: الديات بلفظ الجمع للإِشعار بتعدد أنواعها، واستنبط المصنف رحمه الله هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة النساء:{فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]، وجه المناسبة بين هذا الباب وبين باب العقيقة، إعطاء المال إلى الغير استحبابًا ووجوبًا.
663 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن أباه أخبره عن الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لعمرو بن حزم في العُقُول، فكتب:"أن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جَدْعًا مائة من الإبل، وفي الجائفة ثلث النفس، وفي المأمومة مثلها، وفي العين خمسين، وفي اليد خمسين، وفي الرِّجل خمسين، وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل، وفي السنّ خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل".
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة.
(663) إسناده ضعيف، ولكن الحديث صححه جمع من أهل العلم، منهم ابن عبد البر وغيره، قال الحاكم في حديث حكيم بن حزام: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. وقال ابن الجوزي رحمه الله في التحقيق: قال أحمد بن حنبل رحمه الله: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح.
وقال الزيلعي في نصب الراية (2/ 241): وقال بعض الحفاظ المتأخرين: ونسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة بالقبول وهي متوارثة، يرجعون إليها ويدعون آراءهم. =
• أخبرنا مالك وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني القاضي، ثقة كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة، أن أباه أي: أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أخبره أي: حكى أبو بكر بن محمد لابنه عبد الله عن الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه أي: أمر كاتبه بأن قال: اكتب لعمرو بن حزم بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي، فميم، أي: ابن لوزان الأنصاري البخاري، شهد الخندق وما بعدها، وكان عاملًا للنبي صلى الله عليه وسلم على نجران، مات بعد الخمسين من الهجرة، وغلط من قال في خلافة عمرو، وهو كتاب جليل، فيه أنواع كثيرة من الفقه في الذكاة، والديَّات، والأحكام، وذكر الكبائر، والطلاق، والعتاق، وأحكام الصلاة في الثوب الواحد، والأجنب (ق 687) فيه، ومس المصحف، وغير ذلك، أخرجه النسائي وابن حبان موصولان من طريق الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديَّات وبعث به مع عمرو بن حزم، فقدم على أهل اليمن، وهذه نسخة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، قيل: ذي رعين ومعافير، وهمدان، أما بعد: فذكر الحديث بطوله، وفيه: في العُقُول، أي: الديَّات، بضم العين المهملة والقاف، وسكون الواو، فلام: جمع العقل، يقال: عقلت القتل عقلًا أديت ديته، قال الأصمعي: سُميَّت الديَّة عقلًا تسمية بالمصدر؛ لأن الإِبل كانت تُعقل بفناء ولي القتيل، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الديَّة إبلًا كانت أو نقدًا، فكتب، يحتمل صيغة الفاعل والمفعول: "أن في النفس أي: في قتلها خطأ سواء كانت حرًا مسلمًا أو ذميّا مائة من الإبل، أي: وما يقوم مقامها من الذهب ألف دينار، ومن الفضة عشرة آلاف درهم عند أبي حنيفة.
= وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 10): وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإِسناد الواحد المتصل.
وقال أيضًا (25/ 8): وفي إجماع العلماء في كل مصر على معاني ما في حديث عمرو بن حزم دليل واضح على صحة الحديث، وأنه يستغني عن الإِسناد لشهرته عند علماء أهل المدينة وغيرهم.
روى الدارقطني في (سننه) عن الحسين بن صفوان، عن عبد الله بن أحمد رحمويه، عن إبراهيم بن سعد بن شهاب، أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان ديَّة اليهودي والنصراني المعاهدين دية الحر المسلم، وأخرج ابن أبي شيبة نحوه عن علقمة ومجاهد، وعطاء، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والزهري، وروى عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن الحكم بن عيينة، عن علي رضي الله عنه أنه قال: دية كل ذمي مثل دية المسلم، وقال أبو حنيفة: وهو قولي؛ لأنه حُرّ معصوم الدم فتكمل ديته كالمسلم، وقال الشافعي: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، وهو قول أحمد، وقال مالك: ديَّة اليهودي والنصراني نصف دية المسلم، وللشافعي ما رواه في مسنده عن فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت بن قيس، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، وفي المجوسي ثمان مائة درهم؛ لأن نقصان الكفر فوق نقصان الأنوثة، وبالأنوثة تنتصف الدية بالإِجماع، فينبغي أن يكون بالكفر أنقص من النصف، فيكون ثلث دية المسلم، وهي عندي اثنى عشر ألف درهم؛ ولأن الديَّة تنصف باعتبار الرق، وهو أثر من آثار الكفر فلا ينتقص باعتبار الكفر ولي؛ ولأن عقد الذمة أولى من الإِسلام، فينبغي أن لا يؤثر في حقن الدم مثل الإِسلام، وقولهم نقصان الكفر فوق نقصان الأنوثة مُسلَّم؛ إلا أن الدية في المرأة باعتبار نقصانها في المالكية؛ لأنها مالكة لما دون النكاح، ولا نقصان في المالكية للذمي، وقولهم: إن الديَّة ينتقص باعتبار الرق، غير مُسلَّم، بل تنتقص بنقصان المالكية، ولا تأثير للكفر في نقصان المالكية، واستدلالهم بنقصان عقد الذمة عن الإِسلام ساقط، لأن الإِحراز والتقويم بالدار عندنا وهما في ذلك سواء، كذا قاله عبد الله بن مسعود تاج الشريعة في (شرح النقاية).
وفي الأنف أي: في قطعه أو إتلافه كلًا أو بعضًا، (ق 688) إذا أوعبت بضم الهمزة، وسكون الواو وكسر العين المهملة، وفتح الموحدة، والتاء الساكنة، أي: إن استوصلت بحيث لم يبق منه شيء، وفي نسخة: بالباء التحتية وهي بمعناها، جَدْعًا بفتح الجيم وسكون الدال المهملة والعين المهملة منونًا أي: قطعًا، مائة من الإبل، أي: تمام الدية، وفي الجائفة اسم فاعل من جافته تجوفه، إذا وصلت لجوفه، أي: أن في الجراحة التي وصلت إلى الجوف ثلث النفس، أي: من الدية، وفي المأمومة مثلها، قيل لها: مأمومة؛ لأن فيها معنى المفعولية في الأصل، وجمعها على لفظ مأمومات، وهي الشجة
التي تصل إلى أم الدماغ وهي الجلدة التي فيها الدماغ، أي: والدية، وفي الشجة التي تصل إلى أم الدماغ فدية الجائفة، وهي ثلث دية النفس، وفي العين أي: وإن في إحدى العينين دية خمسين، أي: إبلًا في سنن أبي داود والنسائي، أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتابًا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن والديَّات، وبعث به مع عمرو بن حزم، فكان فيه وفي العينين الدية الكاملة، وفي العين الواحدة نصف الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية.
وفي اليد الواحدة نصف الدية، وعلى هذا القياس يجب دية كاملة في اثنين مما في البدن منه اثنان كالعينين واليدين والرجلين والشفتين والأذنين والأنثيين، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الرِّجل بكسر الراء المهملة وسكون الجيم، أي: إذا كانت واحدة خمسين أي: إبلًا، وفي كل إصبع بتثليث الهمزة والموحدة، وهي: تسعة فما هنالك أي: في الرجل واليد عشر من الإبل، لما أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل أصبع"، وما أخرجه الجماعة إلا مسلمًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه وهذه سواء"، يعني الإِبهام والخنصر، وفي السنّ خمس من الإبل، أي: سواء كان أضراسًا أو ثنايا أو رباعيات، لما أخرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسنان خمس من الإِبل، في كل سن، وفي الموضحة وهي الشجة التي تكشف العظم، أي: تكسره وتظهره خمس من الإبل".
قال محمد: وبكذا كله نأخذ، أي: نعمل بجميع ما رواه عبد الله بن أبي بكر في هذا الكتاب الديات، وهو أي: ما قاله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان محل كامل الدية ومحل بعضها، شرع في بيان محل بعض الديَّة، فقال: هذا
* * *