الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصيبت أي: جُومِعَت مستكرهة بصداقها متعلق بقضى، أي: بمهر مثلها على من فعل ذلك، متعلق بصداقها، أي: حكم قاض المدينة عبد الملك بن مروان بن الحكم بمهر امرأة على رجل زناها مكرهة.
قال محمد: إذا استُكرِهت المرأة أي: حرة أو امرأة أمة، فلا حدّ عليها، وعلى من أي: يجب على الذي استكرهها الحدّ، فإذا وجب عليه الحدّ بطل الصداق، أي: مهر المثل يعني كما لا يجمع بين القطع والضمان، ولا يجب الحدّ والصداق في جِماع واحد، احترازًا من أنه إذا وقع جماع ثان ولم يجد شبهة، فإنه يجب به الصداق، (ق 742) ولعل حكم مروان محمول على ذلك، وهذا معنى قوله: فإن دُرِئ أي: دفع عنه الحدّ بشبهة أي: في الفعل والذات، كما هو مذكور في (المبسوطات)، وجب عليه الصداق أي: مهر المثل، وهو قولُ أبي حنيفة، وإبراهيم النَّخَعي، والعامة من فقهائنا، والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم الاستكراه في الزنا، شرع في بيان حد المماليك في الزنا والسُكْر، فقال: هذا
* * *
باب حد المماليك في الزنا والسكر
في بيان حد المماليك، وجمع المملوك كالمناكير، جمع المنكور في الزنا والسكر متعلقات في الحد، وهو: أي السكر بفتح السين المهملة، وسكون الكاف، فراء مهملة السد وزوال الإِدراك بالخمور، قوله: في الزنا والسكر قيدان احترازان عن نحو القتل والسرقة، فإنه لا فرق فيما بين الأحرار والمماليك، وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق السبب والمسبب.
704 -
أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، أن سليمان بن يسار، أخبره عن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي، قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائدَ من ولائد الإِمارة خمسين خمسين في الزنا.
(704) إسناده صحيح.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، يُكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة، أن سليمان بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: هو مولى أم سلمة رضي الله عنها، ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، كذا قاله ابن حجر (1)، أخبره عن عبد الله بن عَيَّاش بتشديد التحتية وشين معجمة، ابن أبي ربيعة، واسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، المخزومي القرشي، كان أبوه قديم الإِسلام فهاجر إلى الحبشة، فولد له هذا بها وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر وغيره، روى عنه ابنه الحارث، ونافع وسليمان بن يسار وغيرهم، كذا قاله ابن حجر في الإِصابة، قال: أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية جمع قلة لفتى، وهو الشاب القوي الحديث، ويستعار للمملوك، وإن كان شيخًا كالغلام من قريش فجلدنا، أي: نحن مع جماعة من قريش، ولائدَ جمع وليدة، وهي الجارية من ولائد الإِمارة بكسر الهمزة، وتفتح، أي: سلطنة الخليفة، وهو عمر رضي الله عنه خمسين خمسين أي: لكل جارية خمسين جلدة، في الزنا أي: بسببه في حدهن من الزنا، وذلك لقوله تعالى في سورة النساء:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، أي: من الجد أن الرجم لا ينصف، ولأن الإِحصان معدوم في حقهن لعقد شرطه وهو الحرية، وإذا ثبت النصف في الإِماء للرق ثبت في العبيد.
ودلالة أن النص الوارد في أحد المثلين وارد في الآخر، كذا قاله علي القاري.
ما الحكمة في لزوم على الإِماء نصف ما على المحصنات من العذاب، وهو الجلد؟
الجواب: ما رواه ابن جريج وابن عيينة، وغيرهما، عن يحيى بن سعيد، وروى معمر عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد ولائد من الخمس أبكارًا في الزنا، قال أبو عمر: هذا كله أصح، وأثبت مما رُوي عن عمر أنه سئل عن الأمة كم حدها؟ فقال: القت، فروتها، وراء الدار بالفروة القناع، أي: ليس عليها قناع ولا حجاب
(1) في التقريب (1/ 753).
لخروجها إلى كل موضع يرسلها أهلها لا تقدر على الامتناع منه، ولذا لا تقدر على الامتناع من الفجور، فلا حد عليها، وهكذا قال طائفة: لا حد (ق 743) عليها، أي: على الأمة حتى تنكح، وعليه تأولوا حديث زيد وأبي هريرة، وروى القولان عن أنس، وقد قرئ:"فإذا أَحصن"، بفتح أوله، أي: أسلمن أو عففن عند الأكثر، ومعناه عند البعض تزوجن، وبضمها، أي: أحصن بالزواج، أي: أنهم أحصنوهن عند من شرطه، وعند غيرهم معناه أحصن بالإِسلام، فكان الزوج يحصن بالأمة، فكذلك الإِسلام يحصنها، والمعنيان متداخلان في القراءتين، كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
705 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة وعن زيد بن خالد الجُهني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تُحصَن، فقال:"إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفيرٍ"، قال ابن شهاب: لا أدري أبَعْدَ الثالثة أو الرابعة، والضفير: الحبل.
قال محمد: وبهذا نأخذ، يجلد المملوك في حدّ الزنا نصف حدّ الحر، خمسين جلدة، وكذلك القذف وشرب الخمر السكر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس وعشرين بعد المائة، عن عبيد الله بالتصغير ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلي، يُكنى أبا عبد الله المدني، ثقة فقيه ثبت، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثمانين بعد
(1) في شرحه (4/ 184).
(705)
صحيح، أخرجه البخاري (2046)، ومسلم (1703).
المائة، عن أبي هريرة وعن زيد بن خالد الجُهني، أشار بالعطف إلى تحويل السند تقوية بالحكم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة أي: الجارية إذا زنت ولم تُحصن، بفتح الصاد وكسرها وسكون النون وتخفيفها.
وعن النووي: قال الطحاوي: لم يذكر أحد من الرواة قول: ولم تحصن، غير مالك، وأشار إلى تضعيفها بذلك، وأنكر الحفاظ هذا على الطحاوي، قالوا: بل روى هذه اللفظة ابن عيينة، ويحيى بن سعيد، فحصل أن هذه اللفظة صحيحة، وليس فيها حكم مخالف؛ لأن الأمة تجلد نصف جلد الحرة، سواء أحصنت أم لا، كذا ذكره السيوطي.
فقال: "إذا زنت فاجلدوها، أي: نصف جلد الحرة، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم أي: بعد الثلاث بيعوها ولو بضفيرٍ" أي: بمضفور من الحبل، قال ابن شهاب: لا أدري أي: لا أعرف، أبَعْدَ الثالثة أو الرابعة، وقع قوله: ثم بيعوها، والضفير: الحبل، أي: يحتمل أن يكون قوله: والضفير الحبل من كلام الزهري، أو من تفسير غيره.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بهذا الحديث، يجلد المملوك في حدّ الزنا نصف حدّ الحر، خمسين جلدة، أي: في الزنا، وكذلك القذف، أي: يحد به حد الحر أربعين جلدة، وشرب الخمر وكذلك يحد به أربعين في شرب الخمر مطلقًا، قليلًا أو كثيرًا، السكر، بفتح السين المهملة وسكون الكاف فراء مهملة زوال الإِدراك بسبب الخمر وغيره كالنبيذ وغيره، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، إلا أن السكران في حق الحد زائل العقل بناء على قول أبي حنيفة، هو من لا يعرف الرجال من النساء، ولا الأرض من السماء، وأما في حق الحرمة فعنده اختلاط الكلام احتياط في الجهتين.
وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد: السكران مطلقًا، أي: في حق الحد وفي حق الحرمة هو الذي يخلط في كلامه، قال في (المبسوط): وإليه أكثر المشايخ واختار للفتوى؛ لأنه هو المتعارف.
* * *
706 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، عن عمر بن عبد العزيز: أنه جَلد عبدًا في فِرْيَةٍ ثمانين، قال أبو الزِّناد: فسألتُ عبد الله بن عامر بن ربيعة فقال: أدركتُ عثمان بن عفان والخلفاء هلمّ جرّا، فما رأيتُ أحدًا منهم ضرب عبدًا في فِرْيَةٍ أكثر من أربعين.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يُضرب العبدُ في الفِرْيَة إلا أربعين جلدةً، نصف حدّ الحرّ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا أبو الزِّناد، بكسر الزاي، هو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، ثقة فقيه، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين ومائة، وقيل بعدها، عن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، (ق 744) يُكنى أبا العاص الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي أمر المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات في رجب سنة إحدى ومائة، وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، كذا في (تقريب التهذيب)، أنه أي: عمر بن عبد العزيز جَلد عبدًا في فِرْيَةٍ بكسر الفاء وسكون الراء، أي: قذف ثمانين، أي: جلدة حملًا لظاهر قوله تعالى في سورة النور: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، على عمومة، قال أبو الزِّناد: فسألتُ عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي مولاهم، ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوه صحابي شهير، وفي (الموطأ) لمالك عن ذلك، أي: الفعل لإِشكاله إذ الآية مخصوصة بالجر، فقال: أدركتُ عثمان بن عفان والخلفاء هلمّ جرّا، أي: أعدادًا أعدادًا كأعداد حبوب التسبيح الذين أدركتهم من الصحابة كعلي بن أبي طالب، والحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهم، وهو أي: لفظة هلم اسم فعل بُني لوقوعه موقع الأمر يستوي فيه الواحد والجمع، والذكر والأنثى عند أهل الحجاز، وأصله عند البصريين ها لم بفتح الهاء وضم اللام وألف بينهما، ففتح الميم المشددة مأخوذ من لم إذا قصده حذفت الألف
(706) إسناده صحيح.
عن الهاء للتخفيف، فصار هلم بفتح اللام وضم اللام وفتح الميم المشددة، كذا قاله عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام:{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: 150]، فاطلب تفصيله هناك، فما رأيتُ أحدًا أي: من الصحابة ضرب عبدًا في فِرْيَةٍ بكسر الفاء وسكون الراء المهملة وفتح التحتية فهاء، أي: قذف أكثر من أربعين، أي: جلدة، فدل أنهم خصوا الآية بالأحرار، كقوله تعالى في سورة النساء:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، والعبد في معنى الآية بجامع الرق.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما أخبره أبو الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، لا يُضرب العبدُ في الفِرْيَة أي: في القذف إلا أربعين جلدةً، نصف حدّ الحرّ، أي: قياسًا على حده في الزنا من التنصيف، ولعل عمر بن عبد العزيز خص حكم التنصيف بالزنا، وأجرى حد القذف على عمومه، وهو من الأئمة المجتهدين، وهو أي: ضرب العبد في القذف أربعين جلدة، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، ويؤيده ما ذكره بقوله:
* * *
707 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، وسئل عن حدّ العبد في الخمر فقال: بلغنا أن عليه نصف حد الحرّ، وأن عمر وعثمان وعليّا وعبد الله بن عمر جلدوا عبيدهم نصف حدّ الحر في الخمر.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، الحدُّ في الخمر والسُكر ثمانون، وحد العبد في ذلك أربعون، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، وسئل في (الموطأ) لمالك، أنه سئل عن حدّ العبد أي: الرقيق ولو
(707) إسناده صحيح.