الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تظهر العظم إن لم تُعِبْ الوجهَ أي: عاب المتاع من باب عاب فهو عائب وعابه صاحبه فهو معيب، يتعدى ولا يتعدى، والفاعل في هذا أعايب، كذا في (المصباح)، وفي (القاموس)، عاب لازم ومتعد، مثل ما في الموضحة في الرأس، أي: الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس، إلا أن تعيب الوجه ليزاد في ديتها ما بينها وبين نصف دية الموضحة في الرأس، فيكون فيها خمسة وسبعون دينارًا كما في (الموطأ) ليحيى عن مالك.
قال محمد: الموضحة في الوجه والرأس سواء؛ أي: لعدم اعتبار تفاوت المنفعة، في كل واحد نصف عشر الدية، وهو قول إبراهيم النَّخَعي، أحد أكابر المجتهدين، وأبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
لما فرغ من بيان حكم دية الموضحة في الوجه والرأس، شرع في بيان حكم هلاك ما في البئر، فقال: هذا
* * *
باب البئر جبار
باب في بيان حكم ما هلك في البئر بكسر الموحدة، وبسكون التحتية المنقلبة من همزة ساكنة، وما قبلها موحدة مكسورة، ويجوز تسهيلها وهي مؤنثة، قال تعالى في سورة الحج:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، ويجوز تنكيرها على معنى القلب والطوي جبار بضم الجيم وتخفيف الموحدة، أي: هدر لا شيء فيه ولا ضمان على ربها في كل ما سقط فيها من غير صنع أحد.
677 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، وعن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"جَرْحُ العجماء جُبَارٌ، والبئر جُبَار، والمعدن جُبَار، وفي الرِّكاز الخُمس".
قال محمد: وبهذا نأخذ، والجُبار الهَدَرُ، والعجماء الدابَّة المنفلتة تجرح
(677) صحيح، أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (4386)، والنسائي (5/ 45).
الإِنسان أو تعقره، والبئر والمعدن: الرجلُ يستأجر الرجل يَحْفُر له بئرًا أو معدِنًا فيسقط عليه فيقتله، فذلك هَدَر، وفي الرِّكاز الخمس، والرِّكاز ما استُخرج من المعدن من ذهب أو فضة أو رصاص أو نُحاس أو حديد أو زِئبق ففيه الخمس، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، حدثنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، مات بعد المائة، عن سعيد بن المسيَّب، أي: ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم، القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، كان في الطبقة الأولى من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربع وثمانين سنة، وعن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، أي: ابن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر تابعي ابن الصحابي، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين أو بعد المائة، عطف على قوله عن أبي سلمة على سعيد بن المسيب، تحويل للسند لتقوية الحكم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جَرْحُ بفتح الجيم على المصدر لا غير قاله الأزهري، فأما بالضم فاسم مضاف إلى العجماء بفتح العين المهملة، وسكون الجيم، وبالمد تأنيثًا أعجم، وهو البهيمة، ويُقال أيضًا لا تتكلم، جُبَارٌ، بضم الجيم (ق 703) وتخفيف الموحدة، أي: هدر لا شيء فيه.
قال أبو عمر: جرحها جنايتها، وأجمع العلماء أن جنايتها نهار أو جرحها بلا سبب فيه لأحد أنه هدر لا دية فيه، ولا إرث، فلا يختص الهدر بالجرح بل كل الإِتلافات ملحقة بها، قال عياض: وإنما عبر بالجرح؛ لأنه الأغلب، أو هو مثال به على ما عداه، وفي رواية التنيسي عن مالك العجماء جبار، ولا بد من تقدير أن لا معنى لكون العجماء نفسها جبار أو دلت رواية مسلم بلفظ:"العجماء جرحها جبار" على أن ذلك المقدر هو جرحها، فوجب المصير إليه، والبئر بكسر الموحدة وبسكون التحتية مهموزة، جُبَار أي: هدر لا ضمان على ربها في كل ما سقط فيها من غير صنع أحد إذا حفرها في موضع يجوز حفرها فيه كملكه، أو داره أو فناءه، أو صحراء الماشية، أو في طريق واسع محتمل، ونحو
ذلك، هذا قول مالك والشافعي والليث وداود وأصحابهم، كذا قاله في (التمهيد).
وقال أبو عبيد: المراد بالبئر هنا العادية القديمة التي لا يعلم لها مالك، وتكون في البادية فيقع فيها إنسان أو دابة فلا شيء في ذلك على أحد، والمعدن بضم الميم وسكون العين المهملة وكسر الدال المهملة: المكان من الأرض يخرج منه شيء من الجواهر والأجسام كالذهب وفضة وحديد ونحاس ورصاص وكبريت وغيرها، جُبَار، أي: لا ضمان فيه كالبئر، وليس المعنى أنه لا زكاة فيه، وإنما المعنى أن من استأجر رجلًا ليعمل في معدن فهلك فهدر لا شيء على ما استأجره ولا دية له في بيت المال، ولا غيره، والأصل في زكاته قبل الإِجماع قوله تعالى في سورة البقرة:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وصحح الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبيلة الصدقة، وفي الرِّكاز بكسر الراء وتخفيف الكاف فألف فزاي، وهو كما نقله الإِمام في الزكاة دفن الجاهلية، الخُمس أي: في الحال لا بعد الحول باتفاق سواء في دار الإِسلام أو الحرب، قليلًا أو كثيرًا، نقدًا أو تبره كنحاس وجوهر على ظاهر الحديث، وإليه مالك وغيره، وهذا الحديث رواه أصحاب الكتب الستة بلفظ العجماء جبار.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بهذا الحديث، والجُبار الهَدَرُ، بفتح الهاء والدال المهملة والراء، أي: باطل لا دية فيه، والعجماء الدابَّة المنفلتة بضم الميم، وسكون النون، وفتح الفاء، وكسر اللام، وفتح المثناة والهاء، أي: المتخلصة الخارجة بغير تصرف صاحبها، تجرح الإِنسان أو تعقره، من الباب الثاني، أي: تقطعه سواء يكون ليلًا أو نهارًا، والبئر والمعدن، أي: صورتهما الرجلُ يستأجر الرجل أي: الآخر، يَحْفُر له بئرًا أو معدنًا بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر الدال والنون، اسم مال خلقه الله تعالى في الأرض والجمع معادن كالذهب والفضة والحديد، فيسقط أي: جدار أو حجر، عليه فيقتله، فذلك هَدَر، وأما من حفر بئرًا في طريق فتلف به إنسان ضمن عاقلته ديته؛ لأنه متسبب بالتلف متعد بشغل الطريق، وبه قال مالك وأحمد خلافًا للشافعي، وإن تلف بحفر البئر في الطريق بهيمة ضمن الحافر من ماله إن لم يأذن بحفره الإِمام، لأنه متعد في الحفر فيضمن ما تلف به، وفي الرِّكاز الخمس، أي: بيان ما ذكره بقوله، والركاز بكسر الراء والكاف، فألف وزاي، أي: مال تحت الأرض، كما قال، ما استُخرج من الأرض، من المعدن من ذهب، أو فضة، أو رصاص بالفتح، (ق 704) أو نُحاس بالضم، أو حديد
أو زِئبق كدرهم وزبرجد معرب، ومنه ما استخرج من حجارة معدنية بالنار ودخانه يهرب الحيات والعقارب من البيت، وما أقام منها قتله كذا في (القاموس)، ففيه الخمس، بضمتين وبضم فسكون، يعني لو وجد الرجل ذهبًا أو فضة أو غيرها في أرض خراجية، وهي التي فتحها الإِمام قهرًا أو عشرية وهي التي فتحها صلحًا أخذ الإِمام جزءًا واحدًا من خمسة أجزاء، فما وجده مسلم أو ذمي وباقي الخمس مما وجده المسلم من أربعة أخماس لمالك الأرض أن ملكت، وإلا فيكون الباقي للواجد، كذا بيناه في (سلم الفلاح) و (شرح نور الإِيضاح)، وهو أي: أخذ الإِمام الخُمس مما استُخْرِج في أرض خراجية أو عشرية، قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
678 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن حزام بن سعد بن مُحيِّصة، أن ناقةً للبراء بن عازب دخلت حائطًا لرجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأما ما أفسدت المواضي بالليل فالضمان على أهلها.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا ابن شهاب، عن حزام بن سعد أو ابن ساعدة، ابن مُحيِّصة، بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتية المشددة، وفتح الصاد المهملة المخففة، والتاء الفوقية، وهو ابن مسعود الأنصاري، وقد نسب إلى جده، ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات بعد المائة من الهجرة، كذا قاله ابن حجر في (تقريب التهذيب)(1)، أن ناقةً للبراء بن عازب رضي الله عنه، دخلت حائطًا أي: بستانًا لرجل فأفسدت فيه أي: بعض الفساد، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ على أهل الحوائط حفظها أي: الحائط بالنهار، وأما ما أفسدت المواضي بالليل فالضمان على أهلها، أي: المواشي، قال الشافعي وأحمد وهو قول مالك وأكثر أهل الحجاز: يضمن صاحب الدابة المنفلتة أفسدت ليلًا أو نهارًا لهذا الحديث، وأجيب بأن ما رويناه
(678) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 155).