الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحد الحد في التعريض، شرع في بيان ما يتعلق الحد في الشرب، فقال: هذا
* * *
باب الحد في الشراب
في بيان ما يتعلق بالحد في الشرب، قوله باب، لغة: فرجة يدخل فيها الداخل من خارج، والعكس، وعرفًا: جملة مشتملة على فصول ومسائل غالبًا، وهو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ مقدر كما قدرناه، ومضاف إلى الحد، يجوز لنا يكون منصوبًا لمقدر، كما قدرنا، وظرف في الشرب حال من الحد أو صفة منه، أي: كائن في حق الشرب، وجه المناسبة بين هذا الباب والباب السابق إيلام الحد بالضرب الذي يتعلق مرة بالقول ومرة بالفعل.
709 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره قال: خرج علينا عمر بن الخطاب فقال: إني وجدتُ من فلانٍ ريح شراب فسألته، فزعم أنه شَرِبَ طلاءً، وأنا سائل عنه، فإن كان يُسكر جلدته الحدّ، فجلده الحدّ.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا ابن شهاب، هو محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، أن السائب بن يزيد، هو ابن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل غير ذلك في نسبته، ويعرف بابن النمر، صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج بالنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، كذا في (تقريب التهذيب) (1). أخبره قال: خرج علينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني وجدتُ من فلانٍ أي: هو ابنه عبيد الله بالتصغير، كما في البخاري ريح شراب أي: في فم ابنه
(709) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 228).
عبيد الله، فسألته، أي: الفلان، فزعم أي: فقال عمر ظانًا أنه شَرِبَ طلاءً، (ق 747) بكسر الطاء المهملة ومد اللام، قال في المقدمة: وهو ما طبخ من عصير العنب حتى يغلظ وشبه بطلاء الإِبل، وهو القطران الذي يطلى به الجرب، وهو ماء عنب طبخ وذهب أقل من ثلثه، وأنا سائل عنه، أي: عما شرب، فإن كان يُسكر كثيره جلدته الحدّ، أي: فسأل عنه فوجده يسكر، فجلده أي: فجلد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابن السائب بن يزيد هو عبيد الله الحدّ، أي: التام، وهو ثمانون جلدة، اعلم أنه لا يحد بمجرد الريح لاحتمال أن يكون مكرهًا أو مضطرًا، وقال مالك: وهو رواية عن أحمد يحد من وجد منه رائحة الخمر؛ لأن رائحتها منه يدل على شربها، فصار كإقراره بالشربة، كذا قاله علي القاري.
* * *
710 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ثور بن زيد الدِّيلي، أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له عليِّ بن أبي طالب: أرى أن تضربه ثمانين، فإنه إذا ما شربها سكِر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى - أو كما قال - فجلد عمر في الخمر ثمانين.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا ثور بفتح المثلثة وسكون الواو والراء المهملة، هو ابن يزيد، وفي نسخة: زيد الدِّيلي، بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وكسر اللام فتشديد التحتية، المدني، اسمه محمد بن البرقي، ثقة، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار أي: مع الصحابة في الخمر أي: في قدر حدها يشربها الرجل، بأخياره، فالمراد به المكلف ذكرًا كان أو أنثى، وإنما استشار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه، كما في الصحيحين، عن علي أي: لم يقدر فيه حدًا مضبوطًا، فقال له عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أرى بفتح الهمزة والراء المهملة: أي: اختيار أن تضربه ثمانين، أي: جلدة إذا كان حرًا الحد القذف، فإنه إذا ما شربها سكِر، كفرح، أي: أزال عقله، وإذا سكر هذى، أي: خلط وتكلم بما لا ينبغي، وإذا هذى افترى، أي: كذب وقذف، أو كما قال، أي: شك من الراوي، أي قال علي فيكون نقلًا بالمعنى، وفي رواية بعد افترى: وعلى المفتر ثمانون حد الفرية، فجلد عمر في الخمر ثمانين، أي: موافقة لعلي رضي الله
عنه، لا تقليدًا له، وبه قال مالك وأحمد في رواية، واختاره ابن المنذر، وفي أبي داود والنسائي عن عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشاب الذي ضربه النبي بخيبر وفيه: فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد، أن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، قال: وعنده المهاجرون والأنصار، فسألهم فاجتمعوا على أن يضربه ثمانين، وفي مسلم عن أنس رضي الله عنه، فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرحمن بن عوف: نصف الحدود ثمانون، فأمر به عمر رضي الله عنه.
قال ابن عبد البر: وانعقد عليه إجماع الصحابة، ولا مخالف لهم منهم، وعليه جماعة التابعين، وجمهور فقهاء المسلمين، والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بقول الجمهور، وتعقب بما في الصحيحين، عن علي رضي الله عنه أنه جلد الوليد في خلافة عثمان رضي الله عنه أربعين، ثم جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر وعمر ثمانين، وكل سنة وهذا أحب إليَّ، فلو أجمعوا على الثمانين في زمن عمر لما خالفوا في زمن عثمان، وجلدوا أربعين، إلا أن يكون مراد عمر (ق 748) أنهم أجمعوا على الثمانين بعد عثمان، فيصح كلامه، كذا قاله الزرقاني (1).
لما فرغ من بيان حد الشرب الخمر، شرع في بيان حد شرب المسكر، فقال: هذا
* * *
(1) في شرحه (4/ 205).