الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجل يرث من دية امرأته والمرأة من دية زوجها
باب في بيان حكم الرجل يرث من دية المرأة، أصله يورث من الباب الثاني، فسقطت الواو لوقوعها بين الباء وبين كسرة الراء، ومصدره ورث بكسر الواو وسكون الراء فتاء مثلثة فقلبت واوه همزة تبعًا لمضارعه في الحذف والقلب، وكان أرث بكسر الهمزة وسكون الراء فمثلثة فالإِرث، والميراث اسم لشيء تركه الميت، كذا قاله محمد الواني، والمعنى: الرجل يأخذ من تركة امرأة بعد موتها من ديتها، والمرأة ترث، أي: تأخذ من دية زوجها.
استنبط المصنف رحمه الله هذه الترجمة من مفهوم قوله تعالى في سورة النساء: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]؛ لأن الإِرث والميراث اسم عما تركه الميت.
ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق بسبب حياة بني آدم وهو القصاص أو أخذ الميراث؛ لأن في قصاص القاتل بقاء حياة الغير، وكذا في أكل الميراث حياة الباقين.
672 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نَشَدَ الناس بمنى من كان عنده علم في الدية أن يخبرني به، فقام الضَّحاك بن سفيان، فقال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشيم الضِّبابي: "أن وَرِّثْ امرأته من ديته"، فقال له عمر: ادخل الخِباء حتى آتيك، فلما نزل أخبره الضحاك بن سفيان بذلك، فقضى به عمر بن الخطاب.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لكل وارث في الدية والدمّ نصيب امرأةً كان الوارث أو زوجًا أو غير ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا ابن شهاب هو: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، المدني، ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين، من
(672) في سنده انقطاع.
أهل المدينة، مات بعد المائة من الهجرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نَشَدَ الناس بمنى أي: سألهم فيها، فيه استعارة تبعية؛ لأن عمر رضي الله عنه شبه الحكم في الدية بالضالة، حيث عبر عن السؤال بالنشد، فإنه يطلب به الضالة، يقال: نشدت الضالة أنشدها نشدة، ونشدانًا من الباب الأول إذا طلبتها ونشدت الله بمعنى سألتك يا الله، أي: الله، أسألك بالله كأنك ذكرته إياه، فنشد أي: تذكر، كذا قاله محمد الواني في ترجمة (صحاح الجوهري)، من كان عنده علم في الدية أي: من جهة إرثها يخبرني به، فقام الضَّحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر بن الكلاب، قال ابن عبد البر: هكذا رواه جماعة أصحاب مالك، ورواه أصحاب ابن شهاب عنه، وابن شهاب عن سعيد بن المسيب، ورواية سعيد بن المسيب عن عمر يجري مجرى المتصل لأنه قد رواه، وقد صحح بعض العلماء سماعه عنه، ومن طريق هشيم عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: جاءت امرأة إلى عمر تسأل أن يورثها من دية زوجها، قال: لا أعلم شيئًا، فنشد الناس الحديث، وفي طريق معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: ما أرى الديَّة إلا للعصبة؛ لأنهم يعقلون عنه، فهل يسمع أحد منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا؟ فقال: أي: الضحاك بن سفيان بن عوف (ق 697) بن أبي بكر الكلابي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب، فذكر الحديث فقال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة، كذا في (الموطأ) ليحيى، في أشيم بوزن أحمد الضِّبابي بفتح الضاد المعجمة فموحدة فألف وموحدة ثانية وتحتية مشددة، نسبة إلى ضباب، بطن من بني الحارث ومن قريش، وبكسرها إلى ضباب بن عامر بن صعصعة فقلعة الضباب محلة بالكوفة، ذكره السيوطي، وزاد يحيى قال ابن شهاب: فكان قتل أشيم خطأ، قاله ابن عبد البر، روى مشكدانة عن ابن المبارك، عن مالك، عن الزهري، عن أنس قال: كان قتل أشيم خطأ، قال: وهو غريب جدًا، والمعروف أنه من قول ابن شهاب، فإنه كاف يدخل كلامه في الأحاديث كثير، كذا نقله علي القاري عن السيوطي أن ورث بفتح الهمزة وسكون النون مصدرية، والباء مقدرة أو تفسيرية، وكلمة ورث بفتح الواو وكسر الراء المشددة فمثلثة ساكنة أمر معروف، وفي نسخة:"أن أورث بضم الهمزة وفتح الواو وكسر الراء المهملة المشددة فمثلثة، امرأته أي: امرأة هشيم من ديته"، أي: من دية زوجها أشيم، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أي: للضحاك: ادخل الخِباء بكسر الخاء المعجمة وموحدة
ممدودة، أي: الخيمة حتى آتيك، أي: أو تحقق السؤال عنك، واسمع الجواب منك، فلما نزل أي: عمر بن الخطاب أخبره الضحاك بن سفيان بذلك، أي: بالخبر، وروى ابن شاهين من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، قال: حُدثت عن المغيرة بن شعبة أنه قال: حدثت عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال: ابنيني على هذا بما أعرف، فنشدت الناس في الموسم فأقبل رجل يُقال له زرارة بن جزي فحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان بإسناد حسن عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جزي قال لعمر بن الخطاب: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، وكان قتل أشيم خطأ، فقضى به أي: بما أخبره الضحاك بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أي: بعد رواية الضحاك وزرارة بن جزي والمغيرة بن شعبة، ذلك له عن النبي صلى الله عليه وسلم كما علم، لا لأنه لا يقبل خبر الواحد بل لإِشاعة الخبر، وإشهاده بالموسم، ورد ما كان رواه أن الدية إنما هي للمعصية، لأنهم يعقلون عنه؛ لأنه قياس مع النص، قال أبو عمر: هذا حديث ابن شهاب عن مالك وغيره أن الضحاك بن سفيان أخبر عمر، وقول ابن عيينة أن الضحاك كتب إليه وهم، إنما الضحاك كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن العالم الجليل قد يخفى عليه من السنن والعلماء ما يكونوا عند من هو دونه في العلم، وأخبار الآحاد (ق 698) علم خاصة لا ينكر أن يخفى منه الشيء على العلم وهو عند غيره، كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بخبر الضحاك بن سفيان، قضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكل وارث في الدية والدمّ نصيب أي: حظ وحصة، امرأةً أي: زوجة، كان الوارث أو زوجًا أو غير ذلك، أي: من الورثة ذكر أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، وقال مالك: لا يرث الزوجان من الانقطاع الزوجية بالموت، ولا وجوب الدية بعده، ولا يخفى أن هذا تعليل في مقابلة النص من الدليل غير مقبول، وكذا يثبت حق الزوجين في القصاص عند الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ ترك مالًا أو حقًا فهو لورثته"، ولا شك أن القصاص حقه؛ لأنه بدل نفسه فيستحقه جميع الورثة بحسب إرثهم كالدية، وقال ابن أبي ليلى: لا حق لهما في القصاص كذا قاله علي القاري.