الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من النساء وهو أي: عدم الحل فوق أربع حرائر من النساء قولُ أبي حنيفة أي: وكافة الفقهاء من أهل السنة والجماعة، وإنما خص بذكر قول أبي حنيفة اعتناء بشأن أبي حنيفة، أو يقال: اكتفى المصنف عن الأدنى بذكر الأعلى عنده.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يجمع بين المرأة وابنتها وبين المرأة وأختها في ملك النكاح، وفي ملك اليمين وطأ، شرع في بيان حكم حال الرجل ينكح ولا يطاءها لعلة.
* * *
باب الرجل ينكح المرأة ولا يصل إليها لعلة بالمرأة أو الرجل
في بيان حكم حال الرجل ينكح المرأة، أي: يتزوجها ولا يصل إليها أي: لا يقدر أن يطأها لعلة أي: وجدت بالمرأة كالرتق، أو العلة وجدت بالرجل وهي كالعنة والجباب أو لعلة وجدت فيهما كالجنون ونحوه.
538 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: مَنْ تَزَوَّجَ امرأة فلم يستطع أن يمسها، فإنَّه يُضْرَبْ له أجَلُ سَنَةٍ، فإن مَسَّها، وإلا فُرِّقَ بينهما.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، إن مضت سنة ولم يمسَّها، خُيِّرَت، فإن اختارته فهي زوجته، ولا خِيَارَ لها بعد ذلك أبدًا، وإن اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة، وإن قال: إني قد مَسستُها في السَّنَة، إن كانت ثَيِّبًا فالقول قوله، مع يمينه، وإن كانت بِكْرًا نَظَرَ إليها النساء، فإن قالوا: هي بِكْرٌ، خُيِّرت، بعد ما تُحَلَّف بالله ما مَسَّها، وإن قالوا: هي ثَيِّبٌ، فالقول قوله مع يمينه، لقد مَسَّها، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، بن أنس بن مالك بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، صاحب المذهب يعني كان من بني ذي أصبح، وهو ملك من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة
(538) إسناده صحيح: هو في رواية أبي مصعب الزهري رقم (1685) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (6/ 253).
من كبار أتباع التابعين من أهل المدينة، وله تسعون سنة أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المدني ثقة فقيه، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب، بن حزن بن وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات من فقهاء المدينة، كان في الطبقة الأولى من كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربع وثمانين سنة كما قاله ابن حجر (1) وابن الجوزي أنه كان يقول: مَنْ تَزَوَّجَ امرأة فلم يستطع أي: لم يقدر أن يمسها، أي: يجامعها لمانع به بأن يكون عنينًا أو خصيًا فإنَّه يُضْرَبْ أي: يقطع له أجَلُ سَنَةٍ، أي: قمرية على الأصح؛ لأن فيها أربعة فصول: فصل الربيع، وفصل الخريف، وفصل الصيف، وفصل الشتاء لعلة يقدر أن يجامعها في فصل منها، والسنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يومًا، وصححه في الواقعات والوالجية، وهو ظاهر الرواية كما في الهداية، وقيل: سنة شمسية، وهي تزيد عن القمرية بأحد عشر يومًا.
قال صاحب (الخلاصة): وعليه الفتوى، كما في (منح الغفار) فإن مَسَّها، أي: جامعها، ولو مرة قرت وإلا أي: وإن لم يمسها فُرِّقَ بينهما أي: فرق القاضي بينهما إن طلبته وتبين مطلقة.
وقال أحمد: يفسخ ثم لها كل المهر إن خلا بها ونصفه إن لم يخل بها.
وقال الشافعي: (ق 576) لا يجب شيء من المهر ولا متعة؛ لأنه فسخ عنده، وتجب العدة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وقد روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن هيثم عن محمد بن مسلم عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرفع إليه، فإن استطاعها فبها، وإلا فخيرت المرأة، فإن شاءت أقامت، وإن شاءت فارقه، وروى أيضا عن علي رضي الله عنه وابن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم: أن العنين يؤجل سنة.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله سعيد بن المسيب، من سادات التابعين وهو قولُ أبي حنيفة، إن مضت سنة ولم يمسَّها، خُيِّرَت، أي: بين المقام عنده والمفارقة عنه فإن اختارته أي: بعد ظهور عيبه فهي زوجته، أي: بلا طلاق ولا فسخ ولا
(1) التقريب (1/ 241).
خِيَارَ لها بعد ذلك أبدًا، أي: الرجوع إلى المطالبة بخلاف ذلك في إسقاط حقها بالنفقة والحضانة، فإن لها الرجوع بعد ذلك، والفرق ظاهر لا يخفى، والمجرب لا يجرب وإن اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة، والمعنى فرق بينهما ويقع طلقة بائنة حتى لو تزوجها بعد تفريق القاضي، لم يكن لها خيار لرضاها بحاله، بل لو تزوج امرأة أخرى عالمة بحاله ففي الأصل: لا خيار لها، وعليه الفتوى لعلمها بعيبه، وبه قال أحمد والشافعي في القديم وإن قال: إني قد مَسستُها بكسر السين الأولى وتفتح أي: جامعتها في السَّنَة، أي: في أثنائها إن كانت أي: المرأة ثَيِّبًا فالقول قوله، مع يمينه، وإن كانت بِكْرًا نَظَرَ إليها النساء، أي: العارفات فإن قالوا: هي بِكْرٌ، خُيِّرت، بعد ما تُحَلَّف بالله ما مَسَّها، أي: لم يجامعها ولو بالإِنزال وبدونه مع قيام ذكره، ولعل هذا هو يمين استظهار وإن قالوا: هي ثَيِّبٌ، فالقول قوله مع يمينه، لقد مَسَّها، والحاصل فيه إذا كانت ثيبًا فالقول قوله ابتداء وانتهاء مع يمينه، فإن كل ابتداء يؤجل سنة، وإن كل في الانتهاء تخيرت المرأة، وإذا كانت بكرًا تقول النساء: يؤجل في الابتداء ويخير في الانتهاء وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
539 -
أخبرنا مالك، حدثنا مُجَبَّر، عن سعيد بن المسيَّب، أنَّه قال: أيُّمَا رجل تزوّج امرأة وبه جُنون أو ضُرّ، فإنها تُخَيَّر، إن شاءَت قَرَّت، وإن شاءَت فَارَقَتْ، ولا خِيَارَ لها إلا في العِنِّين والمَجْبُوب.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا مُجَبَّر، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الموحدة المفتوحة والراء المهملة تابعي صرعه بعيره وكسر ساقه فشده بخشبات عن سعيد بن المسيَّب، بن حزن بن وهب بن عمرو بن عامر بن مخزوم، القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات، كان في الطبقة الأولى من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد التسعين بيسر ابن أربع وثمانين سنة، كما قال ابن الجوزي وابن حجر (1) أنَّه قال: أي: مرسلًا أيُّمَا رجل تزوّج امرأة وبه جُنون أي: مسلوب عقله أو ضُرّ، بضم الضاد
(539) هو في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (1609) ورواية يحيى (563).
(1)
التقريب (1/ 241).
المعجمة والراء المهملة المشددة، أي: ضرر آخر كالبرص والجزام فإنها تُخَيَّر، إن شاءَت قَرَّت، أي: أقامت معه وقامت وإن شاءَت فَارَقَتْ، أي: عنه بالمطالبة لما ينالها من الضرر وتخيرها نفسه.
قال الخطيب الدمشقي: في (تلخيص المفتاح) ويسأل بأيهما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما، والمراد بالأمر مضمون ما أضيف إليه (ق 577) كلمة أي: كقوله تعالى في سورة مريم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} [مريم: 73] أي: تخير أصحاب محمد، فالمؤمنون والكافرون قد اشتركا في الفريقين وسألوا عما يميز أحدهما عن الآخر، مثل الكون كافرين قائلين لهذا القول، ومثل الكون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كما قاله سعد الدين التفتازاني في شرحه فأي مرفوع مضاف إلى موصوف ورجل صفته، وتزوج رجل وبه جنون خبر مقدم ومبتدأ مؤخر مرفوع محله؛ لأنه خبر لأي فمحل كلمة "أي" منصوب على أنه مقول قال، ورجل جنس شامل إلى رجل واحد وأكثر منه، وهم مشاركون في الرجولية يميز بعضهم عن بعض بصفة الجنون وغيره من العقل والعلم.
قال محمد: إذا كان أي: عيبه أمرًا لا يحتمل بصيغة المجهول، أي: لا يمكنها المقام معه إلا بضربها خيرت، فإن شاءت أي: أقامت معه وإن شاءت قرت فارقت، وإلا أي: وإن كان عيبه أمر يحتمل، كما في نسخة فلا خِيَارَ لها وفي نسخة: ولا خيار بالواو إلا في العِنِّين وهي بكسر العين وكسر النون الأولى الممدودة المشددة على وزن دليل: من لا يريد النساء، والاسم منه العُنة بالضم، كما في اللغة، وفي الشرع عندنا: من لا يصل إلى النساء مع وجود الآلة أو من يصل إلى الثيب دون البكر، أو إلى بعض النساء دون بعضها وذلك لمرض به أو لضعف في خلقته أو لكبر في سنه، أو في غير ذلك، وعند مالك: العنين من لا يأتي بذكره الجماع لصغره والمَجْبُوب أي: الخصيِّ سواء كان مسلولًا وهو الذي سلت خصيتاه أو موجودًا وهو الذي قطعت خصيتاه، فهو كالعنين في التأجيل؛ لأن الوطء منه متوقع ففرق حالًا يطلبها، فيتعين أن يحمل المجبوب على الخصي بنوعيه، فإنه حقيقة أو حكمًا.
والحاصل أنه إذا كان بالزوج جنون أو برص أو جزام، فلا خيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: لها الخيار دفعًا للضرر عنها، كما في الجب والعنة بخلاف جانبه؛ لأنه يتمكن من دفع الضرر عنه بالطلاق، ولهما أن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق