الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها بانت بها أي: كلمته الأولى وهي: أنت طالق قبل أن يتكلم بالثانية، ولا عدّة عليها، أي: بقوله تعالى في سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49].
والحاصل: أنه لو كان عليها العدة وقال ما قال متفرقًا فتقع عليها الثانية والثالثة ما دامت في العدة وقال مالك والشافعي في القديم والأوزاعي والليث بن سعد: تطلق ثلاثًا ولا تبين بالأول، ولو طلقها مفرقًا.
وقال أحمد: إن ذكر بالواو تطلق ثلاثًا ولا تبين بالأول؛ لأن المذكور بحرف الجمع كالمذكور بلفظ الجمع، ولهم أن المجلس واحد وهو يجمع المتفرقات فتقع الثلاث، ولنا أن الواو لمطلق العطف، وليس آخر الكلام ما يصير أوله من شرط واستثناء فيقع كل واحد إيقاعًا على حدة فتبين بالأول ولم يبعد محله للثاني؛ لأنها غير معتدة، كما قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يطلق امرأته قبل الدخول بها، شرع في بيان حكم حال المرأة يطلقها زوجها فتتزوج رجلًا فيطلقها قبل أن يدخل الدخول، فقال: هذا
* * *
باب المرأة يطلقها زوجها فتتزوج رجلًا فيطلقها قبل الدخول
باب في بيان حكم حال المرأة يطلقها زوجها فتتزوج رجلًا فيطلقها أي: ثم يطلقها زوجها الثاني قبل الدخول أي: قبل أن يطأها ولو بغير إنزال أو في حيض أو صوم أو إحرام ويكون بالغًا أو مراهقًا بالنكاح الصحيح.
وقال الشافعي في القديم الوطء بالنكاح الفاسد يحل.
وقال مالك وأحمد في رواية: الوطء في الحيض والإِحرام لا يحل كالنكاح الفاسد.
وقال سعيد بن المسيب: لا يشترط الوطء واستغرب هذا منه حتى قيل: لم يبلغه الحديث، والأظهر أنه حمل قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] على مجرد العقد وجعل الحديث من قبيل الأمر (ق 617) بما هو الأفضل فتأمل.
582 -
أخبرنا مالك، أخبرنا المِسْور بن رفاعة القُرظي، عن الزّبير بن عبد الرحمن بن الزّبير: أن رفاعة بن سمْوَالٍ طلَّق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحها عبد الرحمن بن الزبير، فأعرض عنها فلم يستطع أن يمسّها، ففارقها ولم يمسها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأول الذي طلَّقها، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها، وقال:"لا تَحِلُ لك حتى تذوق العُسَيْلة".
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة؛ لأن الثاني لم يجامعها، فلا يحلّ لها أن ترجع إلى الأول حتى يجامعها الثاني.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا المِسْور بكسر الجيم، وسكون السين المهملة وفتح الواو فراء مهملة ابن رفاعة بكسر الراء المهملة القُرظي، بضم القاف، وفتح الراء المهملة فظاء معجمة مكسورة نسبة إلى بني قريظة كان مقبولًا، وكان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، مات سنة ثمان وثمانين ومائة عن الزّبير بن عبد الرحمن بن الزّبير: كلاهما بفتح، وروى عن ابن بكير أن الأول مضموم والثاني مفتوح كان قرظيًا مدنيًا مقبولًا وكان في الطبقة السادسة كذا في (تقريب التهذيب)(1) أن رفاعة بن شمْولٍ بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الميم وفتح الواو فلام طلَّق امرأته تميمة بفتح المثناة، وقيل بضمها قيل: اسمها أميمة، وقيل: سمية كذا ذكره السيوطي، والظاهر أنها بفتح وكسر أو بضم ففتح بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثًا.
قال ابن عبد البر: كذا أكثر الرواة مرسل، ووصله ابن وهب عن مالك، فقال عن أبيه، وابن وهب من أجل من روى عن مالك في هذا الشأن وأثبتهم فيه، وتابعهم أيضًا ابن القاسم وعلي بن زياد وإبراهيم بن طهمان وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي كلهم عن مالك وقالوا فيه: عن أبيه وهو صاحب القصة. ذكره السيوطي فنكحها عبد الرحمن بن الزبير،
(582) إسناده ضعيف: فيه المسور بن رفاعة قال الحافظ: مقبول وفيه أيضًا الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير مقبول أيضًا كما قال الحافظ في التقريب.
(1)
التقريب (1/ 214).
قال النووي: هو ابن باطيا ويقال: باطيا، وكان عبد الرحمن صحابيًا، والزبير كان يهوديًا في غزوة بني قريظة قال: وما ذكرنا من أنه ابن باطيا القرظي هو الذي ذكره ابن عبد البر والمحققون، وقال ابن منده وأبو نعيم: إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن أمية الأوسي والصواب الأول، كما ذكره السيوطي فأعرض عنها أي: لم يتمكن منها فلم يستطع أن يمسّها، أي: يجامعها إما لعنة أو سحر أو لعلة أخرى ففارقها أي: طلقها وأراد أن يفارقها ولم يمسها، أي: والحال أنه ما جامعها فأراد رفاعة أن ينكحها، أي: يتزوجها وهو أي: رفاعة زوجها الأول الذي طلَّقها، أي: ظنًا منه أن مجرد النكاح كافٍ في التحلل لا سيما مع تحقق التعلل فَذُكِرَ أي: هو وغيره فيكون بصيغة المجهول ذلك أي: ما جرى من المذكور لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها، أي: لنفسه والمعنى عن تزوجها حينئذ وقال: "لا تَحِلُ لك حتى تذوق أي: هي العُسَيْلة" تصغير العسل، وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل، وأنث العسل؛ لأن فيه لغتين التذكير والتأنيث، كذا ذكره النووي.
وحاصل المقام: إن الإِنزال ليس بشرط في تلك الأحوال.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه رفاعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة، من فقهائنا لأن الثاني أي: زوجها الثاني لم يجامعها، أي: حق الجماع وكان وقع منه الملامسة فلا يحلّ لها أن ترجع إلى الأول أى: بنكاح جديد حتى يجامعها الثاني أي: ويطلقها أو يموت عنها أي: وتخرج عن عدته، وقد روى أصحاب الكتب الستة من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته، فتزوجت زوجًا غيره فدخل بها، ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال:"لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها (ق 618) ما ذاق الأول"، وفي رواية:"مثل ما ذاق الأول"، وروى أحمد في (مسنده) عن مروان عن أبي عبد الملك المكي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العسيلة الجماع" ورواه الدارقطني في (سننه) لكن المكي مجهول. والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال المرأة يطلقها زوجها فتتزوج آخر فيطلقها قبل الدخول بها، شرع في بيان حكم حال المرأة تسافر قبل انقضاء عدتها، فقال: هذا
* * *