المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أبطل ذلك تعارض لقوله: ألا ترى أن عمر أبطل ديته - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٣

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب النِّكَاح

- ‌باب الرجل يكون له نسوة، كيف يقسم بينهن

- ‌باب أدنى ما يتزوج عليه المرأة

- ‌باب لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها في النكاح

- ‌باب الرجل يخطب على خطبة أخيه

- ‌باب الثَّيِّب أحقُ بنفسها من وليها

- ‌باب الرجل يكون عنده أكثر من أربع نسوة فيريد أن يتزوج

- ‌باب ما يُوجب الصداق

- ‌باب نكاح الشغار

- ‌باب نكاح السر

- ‌باب الرجل يجمع بين المرأة وابنتها، وبين المرأة وأختها في ملك اليمين

- ‌باب الرجل ينكح المرأة ولا يصل إليها لعلة بالمرأة أو الرجل

- ‌باب البكر تستأمر في نفسها

- ‌باب النكاح بغير ولي

- ‌باب الرجل يتزوج المرأة ولا يفرض لها صداقًا

- ‌باب المرأة تتزوج في عدتها

- ‌باب العزل

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب طلاق السنة

- ‌باب طلاق الحرة تحت العبد

- ‌باب ما يُكره للمطلقة المبتوتة والمتوفى عنها من المبيت في غير بيتها

- ‌باب الرجل يأذن لعبده في التزويج هل يجوز طلاق المولى عليه

- ‌باب المرأة تختلع من زوجها بأكثر مما أعطاها أو أقل

- ‌باب الخلع كم يكون من الطلاق

- ‌باب الرجل يقول: إذا نكحت فلانة فهي طالق

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين فتتزوج زوجًا ثم يتزوجها الأول

- ‌باب الرجل يجعل أمر امرأته بيدها أو غيرها

- ‌باب الرجل يكون تحته أمة فيطلقها ثم يشتريها

- ‌باب الأمه تكون تحت العبد فتعتق

- ‌باب طلاق المريض

- ‌باب المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها وهي حامل

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الرجل يطلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها فتتزوج رجلًا فيطلقها قبل الدخول

- ‌باب المرأة تسافر قبل انقضاء عدتها

- ‌باب المتعة

- ‌باب الرجل يكون عنده امرأتان فيؤثر إحداهما على الأخرى

- ‌باب اللعان

- ‌باب متعة الطلاق

- ‌باب ما يكره للمرأة من الزينة في العدة

- ‌باب المرأة تنتقل من منزلها قبل انقضاء عدتها من موت أو طلاق

- ‌باب عدة أم الولد

- ‌باب الخلية والبرية وما يشبه الطلاق

- ‌باب الرجل يولد له فيغلب عليه الشبه

- ‌باب المرأة تُسْلِم قبل زوجها

- ‌باب انقضاء الحيض

- ‌باب المرأة يطلقها زوجها طلاقًا يملك الرجعة فتحيض حيضة أو حيضتين ثم ترتفع حيضتها

- ‌باب عدة المستحاضة

- ‌باب الرضاع

- ‌كتاب الضحايا وما يُجزئ منها

- ‌باب ما يُكره من الضحايا

- ‌باب لحوم الأضاحي

- ‌باب في الرجل يذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى

- ‌باب ما يجزئ من الضحايا عن أكثر من واحد

- ‌باب الذبائح

- ‌باب الصيد وما يُكره أكله من السباع وغيرها

- ‌باب أكل الضب

- ‌باب ما لفظه البحر من السمك الطافي وغيره

- ‌باب السمك يموت في الماء

- ‌باب ذكاة الجنين ذكاة أمه

- ‌ باب أكل الجراد

- ‌باب ذبائح نصارى العرب

- ‌باب ما قتل الحجر

- ‌باب الشاة وغير ذلك تذكى قبل أن تموت

- ‌باب الرجل يشتري اللحم فلا يدري أذكى هو أو غير ذكى

- ‌باب صيد الكلب المعلم

- ‌باب العقيقة

- ‌أبواب الديات

- ‌باب الدية في الشفتين

- ‌باب دية العمد

- ‌باب دية الخطأ

- ‌باب دية الأسنان

- ‌باب أرش السن السوداء والعين القائمة

- ‌باب النفر يجتمعون على قتل واحد

- ‌باب الرجل يرث من دية امرأته والمرأة من دية زوجها

- ‌باب الجروح وما فيها من الأروش

- ‌باب دية الجنين

- ‌باب الموضحة في الوجه والرأس

- ‌باب البئر جبار

- ‌باب من قتل خطأ ولم تعرف له عاقلة

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود في السرقة

- ‌باب العبد يسرق من مولاه

- ‌باب من سرق تمرًا أو غير ذلك مما لم يحرز

- ‌باب الرجل يُسرق منه الشيء يجب فيه القطع فيهبه للسارق بعد ما يرفعه إلى الإمام

- ‌باب ما يجب فيه القطع

- ‌باب السارق يسرق وقد قطعت يده أو يده ورجله

- ‌باب العبد يأبق ثم يسرق

- ‌باب المختلس

- ‌كتاب الحدود في الزنا

- ‌باب الرجم

- ‌باب الإِقرار بالزنا

- ‌باب الاستكراه في الزنا

- ‌باب حد المماليك في الزنا والسكر

- ‌باب الحد في التعريض

- ‌باب الحد في الشراب

- ‌كتاب الأشربَة

- ‌باب شراب البتع والغبيراء وغير ذلك

- ‌باب تحريم الخمر وما يُكره من الأشربة

- ‌باب الخليطين

- ‌باب نبيذ الدُّبَّاء والمُزَفَّت

- ‌باب نبيذ الطلاء

- ‌كتاب الفرائض

- ‌باب ميراث العمة

- ‌باب النبي صلى الله عليه وسلم هل يُورَث

- ‌باب لا يرث المسلم الكافر

- ‌باب ميراث الولاء

- ‌باب ميراث الحميل

- ‌باب الرجل يوصي عند موته بثلث ماله

- ‌باب الأيمان والنذور وأدنى ما يجزئ في كفارة اليمين

- ‌باب الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله

- ‌باب من جعل على نفسه المشي ثم عجز

- ‌باب الاستثناء في اليمين

- ‌باب الرجل يموت وعليه نذر

- ‌باب من حلف أو نذر في معصية

- ‌باب من حلف بغير الله عز وجل

- ‌باب من جعل ماله لباب الكعبة

- ‌باب اللغو في الأيمان

الفصل: أبطل ذلك تعارض لقوله: ألا ترى أن عمر أبطل ديته

أبطل ذلك تعارض لقوله: ألا ترى أن عمر أبطل ديته عن القاتل، فدفع المصنف هذا التوهم بقوله ألا، وعطف عليه قوله: ولكن عمر لم يعرفها، فيجعل الدية أي: دية المقتول على العاقلة، وفي نسخة: على عاقلته بالإِضافة، أي: على قدر حالتهم، ولو أن عمر لم ير أن له أي: للسائبة القاتل مولى أي: أصلًا، ولا أنَّ له عاقلة أي: مطلقًا لجعل دية من أي: المقتول قُتِل بصيغة المجهول في ماله، أي: مال القاتل إن كان موسرًا، أو على بيت المال، أي: إن كان القاتل معسرًا، ولكنه أي: عمر رأى له عاقلة ولم يعرفهم، أي: بخصوصهم لأن بعض الحجاج، وفي نسخة تنبغي أن تصحح: بعض الحاج كان أعتقه ولم يُعرف بصيغة المجهول المُعتِقُ بصيغة اسم الفاعل نائب الفاعل لقوله: لم يعرف، أي: لم يعلم المعتق بعينه، ولا عاقلتُه، أي: لأنهم فرع الأول في المعرفة، فأبطل ذلك أي: وجوب الدية عمر حتى يُعرف، أي: حتى تبين معتقه وعاقلته، ولو كان لا يرى له عاقلة أي: من أول الأمر لجعل ذلك أي: لوجوب الدية عليه أي: على السائب القاتل في ماله أي: إذا كان غنيًا، أو على المسلمين في بيت مالهم، أي: إن كان القاتل فقيرًا.

لما فرغ من بيان حكم من قتل خطأ، ولم تُعرف له عاقلة، شرع في بيان القسامة، فقال: هذا

* * *

‌باب القسامة

باب في بيان القسامة، هي بفتح القاف مصدر لأقسم أو اسم لمصدره، ثم القوم الذين يحلفون سموا به، وسببها وجود القتيل في المحلة أو في معناها، وركنها: قولهم بالله ما قتلناه، وما علمناه قاتلًا، وشرطها: أن يكون المقسم رجلًا حرًا عاقلًا، وحكمها: القضاء بوجوب الدية، وإضافة باب إلى القسامة من إضافة العام إلى الخاص، ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق السببية والمسببية.

680 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، وعِراك بن مالك الغِفاري، أنهما حدثاه: أن رجلًا من بني سعد بن ليث أجْرى فرسًا

(680) إسناده صحيح.

ص: 268

فوطِئ على إصبع رجل من جُهينة فَنَزَفَ منها الدم فمات، فقال عمر بن الخطاب للذين ادُّعِيَ عليهم: أتحلفون خمسين يمينًا: ما مات منها؟ فأبوا وتحرَّجوا في الأيمان، فقال للآخرين: احلفوا أنتم، فأبَوْا، فقضى بشَطْر الدّية على السعديِّين.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا ابن شهاب، هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، المدني، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة خمس وعشرين بعد المائة، عن سليمان بن يسار الهلالي، مولى ميمونة، (ق 708) وقيل: أم سلمة، ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين، مات بعد المائة، وعِراك بكسر العين المهملة فراء مهملة مخففة، وقيل: مشددة فألف وكاف، ابن مالك الغِفاري الكناني المدني التابعي الفاضل، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات بعد المائة في خلافة يزيد، كذا في (تقريب التهذيب)، عطف قوله: عراك على قوله: سليمان إشعار التحويل السند لتقوي الحكم، أنهما أي: سليمان بن يسار، وعراك بن مالك، حدثاه أي: ابن شهاب، أن رجلًا أي: لم يسمَّ من بني سعد بن ليث بن أبي بكر بن عبد مناة بن كنانة، والنسبة إليه السعدي، أجْرى بفتح الهمزة وسكون الجيم، أي: أسرع فرسًا أي: في جريه فوطِئ أي: حافر فرسه على إصبع رجل منِ جُهينة بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون فهاء قبيلة: من قضاعة، فَنَزَفَ بفتح النون والزاي المعجمة ففاء، أي: سال منها أي: من إصبعه الدم بكثرة، حتى ضعف، فمات أي: بسببه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: للذين ادُّعِيَ عليهم، بصيغة المجهول، يعني: إنكارهم أنه مات بسببه، أي: ادعى أولياء صاحب أصبع على أولياء صاحب فرس: أتحلفون بالله خمسين يمينًا: ما مات أي: لم يمت منها؟ أي: تلك الجهة، فأبوا أي: نكلوا وتحرَّجوا بفتح الفوقية والحاء المهملة وتشديد الراء المهملة المفتوحة والجيم والواو فألف للجمع، أي: امتنعوا عن الأيمان، بفتح الهمزة، وسكون التحتية والميم، فألف ونون جمع يمين، أي: حلف يعني لم يحلفوا احترازًا عن الحرج والوقوع في الإِثم، فقال أي: أمر عمر بالحلف للآخرين أي: لأولياء المقتول: احلفوا على صيغة الأمر، أنتم أيها المدَّعون خمسين يمينًا، وفي نسخة: أتحلفون كما في (الموطأ) ليحيى: أتحلفون أنتم أنه مات منها؟ فأبَوْا أي: امتنعوا عن الحلف، فقضى

ص: 269

أي: حكم عمر بشَطْر الدّية أي: بنصفها على السعديِّين، أي: المنسوبين إلى بني سعد.

* * *

681 -

أخبرنا مالك، حدثنا أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن، عن سهل بن أبي حَثْمة: أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن عبد الله بن سهل ومحيِّصة خرجا إلى خَيْبر من جهْد أصابهما فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتِلَ وطُرح في فقيرٍ أو عين، فأتى يهودَ فقال: أنتم قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى قَدِمَ على قومه، فذكر ذلك لهم، ثم أقبل هو وحويِّصة؛ وهو أخوه أكبر منه، عبد الرحمن بن سهل، فذهب ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كَبِّر كبِّر" يريد السن - فتكلم حُويِّصة، ثم تكلم مُحَيِّصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إما أن تَدُوا صاحبَكم وإما أن تؤذنوا بحرب"، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فكتبوا له: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحُويِّصَة ومُحَيِّصَة وعبد الرحمن:"تحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا، قال:"فتحلف لكم يهود"، قالوا: ليسوا بمسلمين، فَوَدَاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة، حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل بن أبي حَثْمة: لقد ركضتني منها ناقة حمراء.

قال محمد: إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحلفون وتستحقون دمَ صاحبكم"، يعني بالدية ليس بالقود، وإنما يدل على ذلك: أنه إنما أراد بالدية دون القود قوله في أول الحديث: "إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا

(681) صحيح، أخرجه البخاري (2702)، ومسلم (4263 - 4270)، وأبو داود (4520، 4521، 4523)، والترمذي في الديات (1422)، والنسائي (8/ 7 - 8 - 9 - 10)، وابن ماجه (2677)، وأحمد (4/ 142)، والشافعي في مسنده (2/ 112، 113)، وعبد الرزاق في المصنف (18258)، وابن أبي شيبة في المصنف (9/ 383)، والدارقطني (3/ 110)، والبيهقي في الكبرى (8/ 120).

ص: 270

بحرب"، فهذا يدل على آخر الحديث وهو قوله: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم"، لأن الدم قد يستحق بالديّة كما يستحق بالقود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: أتحلفون وتستحقون دم من ادعيتم، فيكون هذا على القود، وإنما قال لهم: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم"، فإنما عنى به: تستحقون دم صاحبكم بالدية، لأن أول الحديث يدل على ذلك وهو قوله: "إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب"، وقال عمر بن الخطاب: القسامة تُوجب العَقْل ولا تُشِيط الدَّمَ، في أحاديث كثيرة.

فبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن، ويقال: اسمه عبد الله، تابعي، قال علي القاري: ويُطلق أبو ليلى على الوالد وولده، انتهى، وهو مدني ثم كوفي، ثقة، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين، من أهل الكوفة، كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، كذا قاله ابن حجر في (تقريب التهذيب)، وسيد علي في (خلاصة الهيئة)، وقال ولي الدين التبريزي صاحب (المشكاة) في أسماء رجاله: أن عبد الرحمن بن ليلى سمع أباه وخلقًا كثيرًا من الصحابة، وعنه الشعبي ومجاهد وابن سيرين وجماعة من التابعين، قال ابن خلكان: إن عبد الرحمن بن أبي ليلى غرق في نهر البصرة، وقيل: فُقِدَ بدير الجماجم سنة ثمان وثمانين في وقعة بني الأشعث، وقيل: سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنين من الهجرة، انتهى. عن سهل بفتح المهملة فسكون ابن أبي حَثْمة، بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة: ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير ولد سنة ثلاث (ق 709) من الهجرة، وله أحاديث، مات في خلافة معاوية، أنه أخبره رجال من كبراء بضم الكاف وفتح الموحدة والراء المهملة ممدودة، مضاف إلى قومه أي: مشايخهم وقدمائهم، وهم: محيصة وحويصة ابنا مسعود وعبد الله وعبد الرحمن ابنا سهل، أن عبد الله بن سهل هو ابن زيد بن كعب الأنصاري المارثي، ومحيِّصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتية المشددة على الأشهر، وفتح الضاد المهملة، ابن مسعود بن كعب الحارثي الأوسي، أسلم قبل أخيه

ص: 271

حويصة، خرجا إلى خَيْبر بعد فتحها، وعند ابن إسحاق: فخرج عبد الله بن سهل من جهْد بفتح الجيم وسكون الهاء، أي: من أجل جوع وقحط أصابهما، وفي مسلم: خرجا إلى خيبر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي يومئذٍ صلح وأهلها يهود، فأتى بضم الهمزة وكسر التاء محيصة أي: فجاء آت، فأخبر بصيغة المفعول أن عبد الله بن سهل قد قُتِلَ وطُرح بضم أولهما، أي: رُمي في فقير بفتح الفاء وكسر القاف وهو البئر القريبة الواسعة الفم وقيل: الحفرة التي تكون حول النخل، وبين أو عين، شك من الراوي، وعند ابن إسحاق: وجد في عين قد كسرت عنقه، فأتى أي: محيصة يهودَ أي: جماعة يهود وهو غير منصرف للعلمية وتأنيث القبيلة مع وزن الفعل، فقال أي: لهم: أنتم أي: يا سكان خيبر قتلتموه، أي: حيث إنكم سكان خيبر وأعداء للمسلمين، ولعله كان به جرح أو أثر ضرب أو خنق أو خروج دم من أذنيه أو عينيه؛ لأن الخالي عنده لا قسامة فيه عندنا ولا دية وهو قول أحمد في رواية، وحماد والثوري، وقال مالك والشافعي وأحمد في رواية: ليس الأثر شرطًا بل الشرط اللوث، وهو ما يوقع في القلب صدق مدعي من أثرهم على ثيابه، أو عداوة ظاهرة، أو شهادة عدل، أو جماعة غير عدول، أن أهل المحلة قتلوه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار بل كان يقتلهم أثر فيه أولا، ولنا أن القسامة في الدية لتعظيم الدم وصيانته عن الهدر، وذلك في القتل دون الموت حتف الأنف والقتل يُعرف بالأثر، فقالوا: أي: أهل خيبر والله ما قتلناه أي: عبد الله بن سهل، ثم أي: بعد حلفهم أقبل أي: محيصة، حتى قَدِمَ على قومه، أي: بني حارثة، فذكر ذلك أي: ما وقع لهم، ثم أقبل هو أي: محيصة وحويِّصة؛ بضم الحاء المهملة وفتح الواو وكسر التحتية المشددة على الأشهر، وقد تخفف وصاد مهملة هو ابن مسعود بن كعب الأوسي، شهد أحدًا والخندق وسائر المشاهد، وهو أي: حويصة أخوه أي: محيصة أكبر منه، أي: من محيصة، وعند ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم قال بعد قتل كعب بن الأشرف:"مَنْ ظفرتم به من اليهود فاقتلوه"، فوثب محيصة على تاجر يهودي فقتله، فجعل حويصة يضربه وكان أسن منه، وذلك قبل أن يسلم حويصة، وعبد الرحمن بن سهل، أي: ابن زيد بن كعب الحارثي أخو المقتول، فذهب أي: محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، جملة حالية مبنية لعله تقدمه في القضية، حيث كان حاضرًا هناك، وفي الرواية اللاحقة، فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه وجمعه باحتمال (ق 710) أن كل منهما أراد الكلام، فقال أي: لمحيصة رسول

ص: 272

الله صلى الله عليه وسلم: "كَبِّر كَبِّر" أي: قَدِّم الأكبر، وأن يبدأ في الكلام والتكرار للتأكيد والاهتمام في المرام، يريد السن، إرشاد إلى الأدب في تقديم الأسن، وفيه أن المشركين في معنى من معاني الدعوة وغيرها كالمسلمين في ابتداء الكلام أكبرهم، فإذا سمع منهم تكلم الأصغر فيُسمع منه إن احتيج له، فإن كان فيهم من له بنان ولتقديمه وجه فلا بأس بتقديمه، وإن صغر، قاله ابن عبد البر. وأخرج بسنده أنه قدم وفد من العراق على عمر بن [عبد](*) العزيز، فنظر عمر إلى شاب منهم يريد الكلام، فقال: كبروا، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك، قال: صدقت: تكلم - رحمك الله - فقال: أما وقد شكر. . . فذكر الخبر. انتهى.

وحقيقة الدعوى إنما هي لعبد الرحمن أخي القتيل لاحق لابن عمه فيها، فإنما أمر صلى الله عليه وسلم أن يتكلم الأكبر لأنه لم يكن المراد حينئذٍ الدعوى بل سماع صورة القصة وعند الدعوى يدعى المستحق أو المعني، أن الأكبر يكون وكيلًا له، كذا قاله الزرقاني (1).

فتكلم حُويِّصة، ثم تكلم مُحَيِّصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي: لليهود المُدعى عليهم: "إما بكسر الهمزة أن تَدُوا صاحبَكم بفتح الفوقية وخفة الدالة المهملة، أي: تعطوا أيها اليهود دية صاحبكم، وإما أن تؤذنوا أي: تعلموا بحرب"، أي: من الله ورسوله، هذا تهديد وتشديد أن لا قدرة لهم على حربه صلى الله عليه وسلم مع ما هم فيه من غاية الذلة وكناية عن نسخ الجزية وترك الإِجارة، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتبًا بالكتب إلى اليهود في ذلك أي: الجنس الذي نقل إليه هذا على تقدير إقرارهم وعدم إنكارهم، فكتبوا أي: اليهود له أي: لجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا والله ما قتلناه، وزاد في رواية: وما علمنا قاتله، هذا حكاية قول الجميع؛ لأن الواحد منهم إذا حلف يقول: ما قتلتُ ولا علمتُ له قاتله، لا ما قتلناه لجواز أنه قتله وحده، فإذا حلف ما قتلناه كان صادقًا في يمينه؛ لأنه لم يقتله مع غيره؛ فإن قيل: يجوز في ما قلت أن يكون قتله مع غيره كان في يمينه كاذبًا؛ لأن الجماعة متى قتلوا واحدًا كان كل واحد منهم قاتلًا، ولهذا يجب القصاص على كل واحد منهم في العمد والكفارة في الخطأ، كذا حققه بعض الحنفية، فإن قيل: المراد بقوله: ما قتلناه ما قتله واحد، فيقال: يحتمل أن يكون صادقًا في نفسه؛ إلا أنه

(1) في شرحه (4/ 257).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين سقط من المطبوع

ص: 273

يكون كاذبًا في حق غيره لعدم إحلافه في إثباته ونفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحُويِّصَة ومُحَيِّصَة وعبد الرحمن:"تحلفون، وليحيى: أتحلفون؟ بهمزة الاستفهام، يعني: خمسين رجلًا، وتستحقون دم صاحبكم؟ " أي: قصاصًا على ما هو الظاهر أو دية كما سيأتي، قالوا: أي: الحويصة والمحيصة وعبد الرحمن: لا، أي: لا نحلف، وفي رواية ابن المفضل: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر، ووقع في الصحيح من رواية سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تأتون بالبينة".

وفي النسائي: عن عمرو بن شعيب (ق 711) عن أبيه عن جده، فقال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سهل - وهو أخو المقتول:"أقم شاهدين على قاتل أخيك عبد الله بن سهل، أرفعه إليك برمته"، فقال: إني لم أصب شاهدين، وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم، فقال أبو عمر: هذه رواية أهل العراق عن بشير بن يسار، وفي رواية أهل المدينة عنه أثبت وهم به أقعد ونقلهم أصح عند العلماء.

وقد حكى الأثرم عن أحمد أنه ضعف رواية سعيد بن عبيد عن بشير، وقال: الصحيح عنه ما رواه يحيى بن سعيد، وإليه أذهب، وقال بعضهم: ذكر البينة وهم؛ لأنه وإن سلم أنه لم يلن مع اليهود فيها منه صلى الله عليه وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين، وأجيب بأنه وإن سلم أنه لم يلن مع اليهود فيها من المسلمين أحد، لكن في القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرًا فيجوران طائفة أخرى خرجت لمثل ذلك، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم طلب البينة أولًا فلم تكن لهم بينة فعرض عليهم الإِيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعي عليه، قال صلى الله عليه وسلم لأصحاب المقتول:"فتحلف لكم يهود"، أي: المتهمون بأن حلف خمسون رجلًا حرًا مكلفًا منهم فتختارهم، قالوا: لا، أي: لا نرضى أنهم يحلفون، ليسوا بمسلمين، أي: فليس لهم أيمان؛ لأن فيهم كفر أعظم من أن يحلفوا على إثم، فَوَدَاهُ بفتح الواو والدال المهملتين الخفيفتين، فألف، أي: فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتول إلى ورثة من عنده، أي: من خالص ماله أو من بيت المال؛ لأنه عاقلة المسلمين وولي أمرهم، فبعث إليهم أي: ورثة المقتول بمائة ناقة، أي: دفعًا للمنازعة، حتى أدخلت على بناء المجهول، أي: النوق، عليهم أي: على أصحاب المقتول وهم في الدار، وهو كناية عن قربها لديهم ووصولها إليهم، قال سهل بن أبي حَثْمة: لقد ركضتني بفتح الراء المهملة والكاف والضاد المعجمة المفتوحة، وسكون الفوقية والنون: الوقاية،

ص: 274

أي: ضربتني برجلها، ومنه قوله تعالى في سورة ص:{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، منها أي: من تلك الإِبل، فدخلت مربدهم فركضتني برجلها، وقال ذلك ليبين ضبطه للحديث، ضبطًا شافيًا بليغًا.

وفيه مشروعية القسامة، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة، كمالك والشافعي في أحد قوليه، وأحمد عن طائفة التوقف فيها، فلم يروا القسامة ولا أثبتوا لها في الشرع، كذا قاله الزرقاني (1).

قال محمد: إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحلفون وتستحقون دمَ صاحبكم"، يعني يريد النبي صلى الله عليه وسلم استحقاق دية بالدية ليس بالقود، بفتحتين، أي: ليس مراده أن استحقاقه بالقصاص، وفيه أنه ينافيه قوله فيدفع برمته إليهم، إلا أن يقال: أي يدفع ديته بتمامها، وإنما يدل على ذلك، أي: على ما ذكره من إرادة الدية لا القود، فقوله: أنه أي: بدل من ذلك إنما أراد بالدية دون القود قوله في أول الحديث، (ق 712) أي: مخاطبًا اليهود: "إما بكسر الهمزة أن تدوا كلمة أن مصدرية وبفتح الفوقية والدال المهملة المضمومة، والواو الساكنة فألف، أي: أعطوا صاحبكم أي: الدية أيها اليهود، وإما أن تؤذنوا أي: تعلموا بحرب" أي: من الله ورسوله، وفيه أنه يحتمل أن يكون هذا قبل تحقق اليمين من أحد الجانبين، فهذا أي: ما صدر في صدر الحديث يدل على آخر الحديث من جهة المراد، وهو قوله:"أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم"، لأن الدم قد يستحق بالدية كما يستحق بالقود، أي: بالقصاص والكلام في المراد فيهما وإلا فالأمر لا يخلو منهما، والظاهر أن الدية هي المراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم أي: لورثة المقتول: أتحلفون وتستحقون دم من ادعيتم، أي: عليه ليكون صريحًا في المراد، فيكون هو أي: اللفظ محمولًا على القود" أي: نصًا، وإنما قال لهم: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم"، أي: ديته، يحتمل احتمالين، فالإِضافة قد تكون لأدنى ملابسة، فإنما عنى به أي: أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: تستحقون دم صاحبكم بالدية، لأن أول الحديث يدل على ذلك، أي: على القود، وفي نسخة: على هذا، وهو أي: أول الحديث قوله: "إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب"، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي: ما يكون كالنص في هذا الباب: القسامة تُوجب

(1) في شرحه (4/ 259).

ص: 275

العَقْل؛ لأن الدية لفظ، ولا تُشِيط الدَّمَ، أي: من نشاط دمه إذا بطل، وهو من باب ضرب وأشاطه السلطان أبطله، وهدره، ومنه قول بعض الشافعية: ويشاط الدم بالقسامة، كما في (المغرب)، وفي بعض النسخ الأصل: ولا تهدر بل ولا تشيط، والمعنى: لا تبطله بالكلية، فلا بد من الدية في القصة، في أحاديث كثيرة، أي: في ضمنها ومع جملتها.

فبهذا نأخذ، أي: فإنما نعمل بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، ثم عندنا يبدأ بالمدعى عليهم في الأيمان، وهو قول عمر والشعبي والنخعي والثوري، وقال مالك والشافعي وأحمد: يُبدأ بالمدعين في الأيمان فإن حلفوا استحقوا دم المقتول وإن نكلوا حلف المدعي عليهم خمسين يمينًا وإن حلفوا برؤوا، وهو مذهب يحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد، والليث بن سعد، لقوله صلى الله عليه وسلم لأولياء عبد الله قوله فيما رواه البيهقي (1): أفتريكم يهود بخمسين رجلًا ولنا ما في الكتب الستة من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اليمين على المدعين عليه"، وما رواه ابن أبي شيبة من قضاء عمر في القتيل الذي وجد في اليمين بين وادعة وأوجب، فكتب عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن قِسْ بين الحيين قال: أيهما كان أقرب فخذهم به فقاسوه فوجدوه أقرب إلى وداعة فأخذنا وأغرمنا وأحلفنا، فقلنا: يا أمير المؤمنين، أتحلفنا وتغرمنا؟ قال: نعم، فاحلف خمسين رجلًا بالله، ما قتلت ولا علمت قاتلًا.

وقد روى أبو داود والطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في (مسانيدهم)، والبيهقي في سننه (2) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن قتيلًا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب، فوجد أقرب إلى الحيين أي قبيلتين، (ق 713) بشير، قال أبو سعيد الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ديته عليهم بعد يمين خمسين رجلًا منهم فإن لم يكن في المحلة خمسون من أهل القسامة كتب الحلف عليهم إلا أن يتم لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد عليهم الإِيمان حتى وفوا، وروي أيضًا عن شريح قال: جاءت القسامة فلم يوفوا خمسين فردوا

(1) البيهقي في الكبرى (8/ 118).

(2)

أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 126).

ص: 276

عليهم القسامة حتى أوفوا، وروى عبد الرزاق في (مصنفه) عن سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم النخعي: إذا لم تبلغ القسامة كرروا حتى يحلف خمسين يمينًا، ولأن الخمسين واجب بنص الحديث فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيها الوقوف على الفائدة، مع أنها قد تكون سببًا لنكولهم؛ ولأن فيه استعظام أمر الدم فكمل وتكرار اليمين من واحد على سبيل الوجوب ممكن شرعًا كما في اللعان، والله هو المستعان.

لما فرغ من بيان أحكام الديَّات، شرع في بيان أنواع الحدود، فقال: هذا

* * *

ص: 277