الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد: ليس عندنا فيها أي: فقء العين أرش معلوم، أي: دية مقدرة مفهومة، ففيها حكومة عدل، أي: مطلقة، وفسر صاحب (الاختيار) حكومة العدل، بأن يقوم المجروح عبدًا سالمًا أو صحيحًا وجريحًا، فما نقصت الجراحة من القيمة يعتبر من الدية كما فسرها المصنف بقوله: فإن بلغت الحكومة وفي نسخة: وإن بلغت بالواو مائة دينار أو أكثر من ذلك كانت الحكومة فيها، أي: معتبرة وإنما نضع أي: نحمل هذا أي: الحكم من زيد بن ثابت، أنه، وفي نسخة: لأنه حكم بذلك، فيكون واقعة اتفاقية فرعية لا قضية فرعية شرعية، وتفسير حكومة عدل أن يقوم المجني عليه، وهذا تفسير الحكومة عند الطحاوي، بل هذا الأثر يقوم عبدًا معه، فقدروا التفاوت بين القيمتين من الدية هو الحكومة العدل وبه يفتى، كذا قاله قاضيان، وبه أخذ الحلواني، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وكل من يحفظ عند العلم، كذا قاله ابن المنذر.
وقال بعض المشايخ في تفسيرها: ينظر إلى قدر ما يحتاج إليه من النفقة إلى أن تبرأ هذه الجراحة، فيجب على الجاني، فإن عرف القاضي مقداره وإلا فسأل من له علم بذلك من الأطباء، وقالوا: وهذا لا يقوى لأن الناس يتفاوتون في ذلك، فمنهم من يكون أبطأ براء، ومنهم من يكون أسرع براء، وهذا إذا بقي للجراحة أثر ما إذا لم يبق فقال أبو يوسف: لا شيء على الجاني، وقال محمد: يلزمه قدر ما أنفق إلى أن يبرأ، وقال أكثر أهل العلم بقول أبي يوسف رحمه الله.
لما فرغ من بيان دية السن السوداء والعين إذا فقئت، شرع في بيان ما يتعلق بأحكام أحوال الجماعة يجتمعون على قتل رجل واحد، فقال: هذا
* * *
باب النفر يجتمعون على قتل واحد
باب في بيان أحكام أحوال النفر، بفتح النون والفاء فراء مهملة، أي: الجماعة من الثلاثة إلى العشرة من الرجال، فإضافة الباب إلى النفر من قبيل إضافة العام إلى الخاص، يجتمعون على قتل واحد، أي: بالإِضافة.
ووجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق اللازم والملزوم، والمراد بالأول الدية، وبالثاني سببها.
671 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا - خمسة أو سبعة - برجلٍ قَتَلوه قَتْلَ غِيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء قتلْتُهم به.
قال محمد: وبهذا نأخذ، إن قتل سبعةٌ أو أكثر من ذلك رجلًا عمدًا قَتْلَ غِيلة أو غير غيلة، ضربوه بأسيافهم حتى قتلوه قُتِلوا به كلهم، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا يحيى بن سعيد، بن قيس الأنصاري، المدني، يُكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة من الهجرة، عن سعيد بن المسيَّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، كان في الطبقة الأولى من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين بيسير، وهو ابن أربع وثمانين سنة، كما قاله ابن الجوزي وابن حجر في طبقاته (وتقريب تهذيبه)، (ق 695) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفرًا جماعة خمسة منصوب على أنه بدل بعض من نفر، فإنه جماعة من ثلاثة إلى عشرة، وفي نسخة: خمسة نفر بإضافتها إليه، أو سبعة، شك من الراوي، برجلٍ أي: بسبب قصاص رجل واحد غلام اسمه أصيل من أهل صنعاء، قَتَلوه أي: شاركوا في قتله، قَتْلَ غِيلة، بكسر الغين المعجمة، وسكون التحتية وفتح اللام، فهاء مجرور مضاف إليه لقتل، أي: خدعة وخفية، وقال أي: عمر: لو تمالأ بفتح الفوقية والميم واللام وألف بينهما وفتح الهمزة في آخره على وزن تعاون لفظًا ومعنى، أي: اجتمع عليه أي: على قتله فرضًا، أهل صنعاء بالمد، مدينة عظيمة معروفة في بلاد اليمن، كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، وإنما خصها بالذكر لأنها كانت موضع نزول النازلة التي استغنى فيها، قتلْتُهم به، جواب لو كما ذكر في (الموطأ) ليحيى، وهذا مختصر من أثر وصله ابن وهب.
(671) إسناده صحيح.
ورواه من طريق قاسم بن أصبغ والطحاوي، والبيهقي، قال ابن وهب: حدثني جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم حدثه عن أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنًا له من غيرها غلامًا يُقال له: أصيل، فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلًا، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى، فامتنعت منه، فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادعها فقتلوه ثم قطعوه عضوًا عضوًا منه، وجعلوه في عيبة - بفتح المهملة وسكون التحتية فموحدة - وعاد من أدم فوضعوه في ركية بتشديد التحتية بئر لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء، فأخذ خليلها، ثم اعترف الباقون، فكتب لعلي وهو يومئذٍ أمير بشأنهم إلى عمر، فكتب عمر بقتلهم جميعًا، وقال: والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلهم أجمعين، كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن قتل سبعةٌ أي: وما دونها بالأولى، وذكر السبع إشعار بأن العدد الثابت في القضية كما رواه عبد الرزاق في (مصنفه) من غير شك، أو أكثر من ذلك أي: لو بلغ ألفا رجلًا أي: ممن لا يستحق القتل، عمدًا أي: بالعمد دون الخطأ، قَتْلَ غِيلة أو غير غيلة، فيه إيحاء إلى أن قتل غيلة في الحديث حكاية الواقعة، ضربوه بأسيافهم أي: أو ما يقوم مقامها، حتى قتلوه قُتِلوا به كلهم، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، والعامة من فقهائنا، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، منهم علي وشريح، وقال ابن الزبير، والزهري، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وعبد الملك، وربيعة، وداود، وابن المنذر، وأحمد في رواية: لا تقتلوه به ويجب الدية (ق 696) عليهم؛ لأن مفهوم النفس بالنفس أن لا يقتل بالنفس الواحدة أكثر من واحدة؛ ولأن في القصاص يجب المساواة ولا مساواة بين العشرة والواحدة، وكلهم حملوا حديث عمر على السياسة، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام أحوال الجماعة قتلوا مجتمعين رجلًا واحدًا، شرع في بيان حكم حال الشخصين، فقال: هذا
* * *
(1) في شرحه (4/ 248).