الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صيد الكلب المعلم
باب في بيان حكم الصيد يصيده الكلب المعلم، بفتح اللام المشددة، وهو الذي (ق 681) إذا زُجِرَ انزجر، وإذا أُرْسِل أطاع، وإذا أخذ الصيد لم يؤكل فإذا وُجِدَ ذلك منه مرارًا وأقله ثلاث مرات كان معلمًا يحل قتيله، استنبط المصنف رحمه الله تعالى هذه الترجمة من قوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]، في سورة المائدة، حيث قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4]، نزلت هذه الآية حين سأل عدي بن حاتم الطائي وأصحابه وقالوا: يا رسول الله، إنا قوم نتصيد بالكلاب والبزاة، وهو جمع البازي، فما يحل لنا من المطاعم والصيود؟ وذلك السؤال عند آية تحريم المحرمات، فقال تعالى:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4]، أي: الذبائح على ذكر اسم الله تعالى قوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]، أي: أحل لكم صيد الذي صاده الكلاب والبزاة وغيرهما من سباع البهائم وسباع الطيور، قوله:{مُكَلِّبِينَ} ، حال، أي: حال كونكم مدربين بالكلاب والبزاة بإرسالهن على الصيود، والمراد بالكلب جميع سباع البهائم؛ لأن العرب يسمي كل السباع كلبًا، قوله:{تُعَلِّمُونَهُنَّ} ، حال من المكلبين، أي: حال كونكم مدربين الكلاب في طلب الصيد، قوله:{مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} ، أي: على لسان رسوله، فلا بأس بصيد الكلب إذا كان معلمًا، قوله:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ، أن الجارحة المعلمة إذا جرحت بإرسال صاحبها فأخذت الصيد وقتلته ولم يأكل كانت معلمة، وكان المأخوذ حلالًا، وفي الكتب الستة: فأمسك وقتل، عن عدي بن حاتم الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل ولم يأكل فكل، فإن كان أكل فلا تأكل، فإنه أمسك على نفسه"، قوله:{وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، أي: سموا على المذبوح عند الذبح باسم أو على أرسل على الصيد من الكلب والبازي عند الإِرسال، وفي الآية بيان أن ذكر اسم الله على الذبيحة شرط حالة الذبح وحال إرسال الجارحة على الصيد أو حاله رمي السهم إلى الصيد، قوله:{وَاتَّقُوا اللَّهَ} ، أي: من أكل الميتة، أو من ترك التسمية على المذبوح أو المرسل، أو السهم عهدًا، قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ}، أي: سريع المجازاة، كذا في (عيون التفاسير)، وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق وجوب التسمية.
658 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول في الكلب المُعلَّم: كل ما أمسك عليك إن قَتَل أو لم يَقتل.
قال محمد: وبهذا نأخذ، كُلْ ما قتل وما لم يَقْتل إذا ذكّيته ما لم يأكل منه، فإن أكل منه فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وكذلك بلغنا عن ابن عباس، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا نافع بن عبد الله، المدني، مولى ابن عمر، ثقة فقيه، ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، مات سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة، أن عبد الله بن عمر كان يقول في الكلب المُعلَّم، أي: أمر بأمر إباحة بصاحب الكلب المعلم بأن أمر كل ما أي: الصيد أمسك أي: أخذ الكلب المعلم، عليك أي: لأجلك، وكلمة "على" للتعليل، قال الله تعالى في سورة (ق 682) البقرة:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]، أي: لهدايته إياكم، إن قَتَل أو لم يَقتل، أي: ما لم يأكل منه، هذا حديث موقوف حقيقة ومرفوع حكمًا.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه نافع عن ابن عمر، كُلْ أيها المخاطب أمر إباحي، ما قتل وما لم يَقْتل إذا ذكّيته أي: إن ذبحته وهو ظرف لما لم يقتل، ما لم يأكل منه، هذا قيد للفعلين، فإن أكل منه، أي: مما أخذه الكلب، فلا تأكل، هذا تصريح بما علم ضمنًا، فإنما أمسك على نفسه، أي: إنه يأخذ لأجلك والشرط على ما تقدم أنه عليك، فإن فاته يحرم أكله، وعليه أكثر أهل العلم، وكذلك أي: كما بلغك أيها المخاطب عن ابن عمر، بلغنا أي: بإسناد لنا، عن ابن عباس، وهو قول عطاء وطاوس والشعبي، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة أي: الجماعة من فقهائنا، وهو أصح قول
(658) إسناده صحيح.
الشافعي، لما في الصحيح:"وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه"، ورخص بعضهم في أكله، منهم ابن عمر وسلمان الفارسي، وسعد بن أبي وقاص، وبه قال مالك لما رُوي عن أبي ثعلبة الخشني، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلتَ كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه"، ويشترط عند علمائنا الجرح في أي موضع كان لتحقق الذكاة الاضطرارية، ولتحقق التسمية بالجوارح، وإن كانت بمعنى الكواسب، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يشترط، وروى الحسن بن زياد عنهما لإِطلاق قوله تعالى في سورة المائدة:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، هذا إذا أكل الكلب المعلم من الصيد، قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يحل وما صاده قبل ذلك، وقال مالك: يحل، وللشافعي قولان: أحدهما كمالك، والثاني كأبي حنيفة، وهو الراجح، وبه قال أحمد، وجارحة الطير في الأكل كالكلب، وبه قال الثلاثة، وقال أبي حنيفة: لا يحرم ما أكل منه، والله أعلم، كذا قاله علي القاري.
قال جلال الدين السيوطي في (أولياته): من صاد من الملوك وعلم الكلاب وعلم الطير الصيد، واتخذ السروج وقوانين الملوك، وهو: شيخ شاة، وهو القهرمان الأول من بني آدم، وهو المسمى مراد عند الفارس، وهو تلميذ إدريس عليه السلام، وصاحب دعوته على دينه، قصر عفاريت الجن وكان حكيمًا عالمًا بطبائع الأشياء، وعلم المستخير، وهو من حراس الملوك الأول. انتهى. قال الحلواني: للفهد خصال حميدة، فينبغي للعاقل أن لا يجاهر عدوه بالخلاف، ولكن يترصد الفرصة مقصودة من غير إتعاب نفسه، ومنها أنه لا يعدو خلف صاحبه ولا يعطيه حتى يرتبه خلفه، كأنه يقول: صاحبي هو المحتاج إليَّ فلا أذل نفسي، وهكذا ينبغي لكل عاقل أن لا يذل نفسه فيما يفعله لغيره، ومنها أنه لا يتعلم بالضرب، ولكن يضرب الكلب بين يديه إذا أكل من الصيد فيتعلم بذلك، وهكذا ينبغي لكل عاقل أن يتعظ بغيره، كما قيل: السعيد هو من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ منه غيره ولا يتعظ هو بما علمه للناس، ومنها أنه لا يتناول الخبث من اللحم، وإنما يطلب من صاحبة اللحم الطيب، وهكذا ينبغي لكل عاقل أن لا يتناول إلا الطيب، ومنها أنه يثب ثلاثًا وخمسًا، فإن لم يتمكن أي: وإن لم يقدر (ق 683) على أخذه تركه، ويقول: لا أقتل نفسي فيما أعمل لغيري، وهكذا ينبغي لكل عاقل أن لا يلقي نفسه للهلاك لغيره، كذا قاله الزيلعي في (شرح الكنز).