الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود في الزنا
أبواب الحدود في الزنا؛ وهي جمع باب، وهو في اللغة: النوع، وفي العرف نوع من المسائل التي اشتملت عليها الكتاب، وإضافتها إلى الحدود من قبيل إضافة العام إلى الخاص، والحدود جمع حد، وهو في اللغة: المنع، ولهذا يسمى لمنعه الناس من الدخول، وفي الشرع: عقوبة مقدرة واجبة حقًا لله تعالى، فلا يُسمى التعزير حدًا؛ لأنه غير مقدر، وإنما قال: الحدود إشعارًا بأنواع الحدود كحد القذف، وحد شرب الخمر، والزنا، لكنها مخصوصة في حد الزنا، كما قيدها بقوله: في الزنا، أي: الزنا بالقصر عند أهل الحجاز، وبالمد عند أهل نجد وطيئ، مكلف من قبل مشتهاه، خالية عن مالك وشبهة، وتثبت الزنا أربعة من الرجال في مجلس واحد بالزنا، فيسألهم الإِمام عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنى؟ ومتى زنى؟ وبمن زنى؟ فإن بيَّنوه وقالوا: رأينا وطئها في فرجها كالميل في المكحلة وعدلوا سرًا وعلنًا، حكم الإِمام بالزنا، كذا في (غرر الأحكام).
وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق التناول بحق الغير بسرعة.
لما فرغ من تعريف الحدود لغة وشرعًا، شرع في بيان الرجم، فقال: هذا
باب الرجم
باب الرجم في بيان ما يوجب الرجم، وهو بفتح الراء المهملة وسكون الجيم: الرمي بالحجارة والقتل به، يقال: رجمه أرجمه رجمًا من الباب الأول، كما قاله محمد الواني في ترجمة (صحاح الجوهري)، ويقال: رجم الزاني بالحجارة في قضاء حتى يموت فيقتل ويكفن ويصلى عليه؛ لما روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) في كتاب الجنائز عن أبي معاوية، عن أبي حنيفة عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة قال: لما رجم ماعز رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله، ما نصنع به، قال:"اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه".
وروى الجماعة إلا البخاري من حديث عمر أن ابن حصين رضي الله عنه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حُبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله أصبت حدًا فأقمه عليَّ،
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها، فقال:"أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها"، ففعل فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قُسِّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدتَ توبة من أجادت بنفسها لله؟ "؛ ولأنه قتل بحق فصار كالمقتول في القصاص، كذا قاله الشمني في (شرح النقاية).
692 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء؛ إذا قامت عليه البيّنة أو كان الحَمْل أو الاعتراف.
• أخبرنا مالك، (ق 727) وفي نسخة: محمد قال: حدثنا، أخبرنا ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، فقيه كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار أهل المدينة، مات بعد المائة من الهجرة، عن عبيد الله أي: بالتصغير ابن عبد الله بن عتبة، ابن مسعود الهذلي، يُكنى أبا عبد الله المدني، ثقة، فقيه ثبت، كان في الطبقة الثالثة من كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، كذا في (تقريب التهذيب)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: الرجم بفتح الراء المهملة وسكون الجيم، أي: القتل برمي الأحجار في كتاب الله تعالى حق أي: ثابت حكمه ولو دفع لفظه، على من زنى أي: وطئ من قبل خال عن مالك وشبهة إذا أحصن بصيغة الفاعل والمفعول، من الرجال والنساء؛ يقال: رجل محصن بالكسر، إذا حصن نفسه بالنكاح، وبالفتح إذا حصنه غيره، وقرئ بهما، {فَإِذَا أُحْصِنَّ} ، والمحصنات، المراد بالمحصن هنا حر مكلف مسلم، وقرئ بهما:{فَإِذَا أُحْصِنَّ} وطء امرأة قبل الزنا بنكاح صحيح، وهما بصفة الإِحصان، إذا قامت عليه أي: على رجل زان البيّنة وهي شهادة أربعة رجال بالزنا، أو كان الحَمْل أي: من غير أن يكون لها زوج، أو الاعتراف، أي: بإقراره أربعًا بأنه زنى في أربعة مجالس، وقال مالك والشافعي: يكفي في الإِقرار مرة
(692) إسناده صحيح.
واحدة، وقال أحمد وابن أبي ليلى: لا يختلف اختلاف مجالس المقر، والأدلة مبسوطة، وسيأتي بعضها مضبوطة، فإن قيل له: أمرنا بالرجم للمحصن دون غيره؟
فالجواب: قيل: لأن فعله فعل الحمير والكلاب، وهن تضرب بالحجارة والخشب؛ لأنه لما تزوج وامتثل أمر الله تعالى حصلت له الكرامة ونشر الشكر عليه، كذلك خالف أمر الله تعالى فينشر الحجارة عليه إهانة له، وقال بعض العلماء: إنما واجب الرجم على المحصن؛ لأنه لما تزوج ذاق طعم الغيرة، وعلم مقدار حرزها، فالإِقدام على الزنا مع علمه على قبحه وما يترتب عليه من الغيرة في أهل أوجب عليه الرجم، لأنه فعل مع الناس ما لا يجب أن يفعل، وأما الذي لم يتزوج فلم يعرف مقدار الغيرة، فوجب عليه الحد بمائة جلدة خاصة، لكنه فيه تنبيه إلى أن ذنب العالم أقبح من ذنب الجاهل، وكذلك عقاب العالم الغير عامل أشد من عقاب الجاهل، قال الله تعالى في سورة الزمر:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، أي: لا يستوي القانتون والعاصون، كذا في (خواتم الحكم)، و (عيون التفاسير).
* * *
693 -
أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح، ثم كَوَّم كَوْمة من بطحاء، ثم طرح عليها ثوبه، ثم استلقى ومدّ يده إلى السماء، فقال: اللهم كَبُرَت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرّط، ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: يا أيها الناس: قد سُنَّت لكم السُّنن، وفُرضت لكم الفرائض، وتُرِكتم على الواضحة - وصفَّق بإحدى يديه على الأخرى - ألا أن لا تضلوا بالناس يمينًا وشمالًا، ثم إياكم أن تهلِكوا عن آية الرجم: أن يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، وإني والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في
(693) إسناده صحيح.
كتاب الله لكتبتها: "الشيخ والشيخة إذا زَنَيَا فارجموهما البتة"، فإنا قد قرأناها، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى قُتِلَ عمر.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا حدثنا يحيى بن سعيد أي: ابن قيس الأنصاري المدني، يكنى أبا سعيد القاضي، ثقة، ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة بعد الهجرة، أنه سمع سعيد بن المسيَّب أي: ابن حزن بن وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، كان في الطبقة الأولى من طبقات أهل المدينة، اتفقوا على أن مرسلاته أصلح المراسيل، وقال المدني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين بيسير، وهو ابن أربع وثمانين سنة، كذا قاله (ق 728) ابن حجر (1) وابن الجوزي.
يقول: لما صدر أي: رجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من منى أي: في آخر حجاته للسنة ثلاث وعشرين، أناخ أي: راحلته بالأبطح أي: المحصب، ثم كَوَّم بتشديد الواو، أي: جمع كَوْمة بفتح الكاف وضمها، أي: قطعة ورفع رأسها من بطحاء أي: صغار الحصى، أي: جمعها لها رأسًا، ثم طرح أي: ألقى ثوبه أي: على الكومة، وفي نسخة: عليه، أي: على المجموع من التراب والحصى ثوبه أي: رداءه، ثم استقلى أي: رقد على قفاه وأسند ظهره عليها، ومدّ يديه أي: رفعهما إلى السماء أي: لإِظهار التضرع والدعاء، وهي قبلة اليدين. فقال: اللهم أي: يا الله كَبُرَت بكسر الموحدة سني أي: عمري، فهي مؤنثة، يعني: طال عمري، يقال: كبر في القدر من باب كرم، وكبر في السن من باب علم على ما في (المغرب)، وضعفت قوتي أي: وهنت قواي وأعضائي وسكوني وحركتي بسبب كبر سني، وانتشرت رعيتي أي: التي أقوم بتسييرها وسياستها، وهي: أي: الرعية كل من جملة حفظ الراعي ونظره، ومنه حديث:"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فاقبضني بكسر الموحدة: فتوفني إليك أي: راجعًا إليك راضيًا مرضيّا وراعيًا مرعيّا حال كوني غير مضيع على صيغة اسم الفاعل، من باب التفضيل، أي: لا تجعلني مضيعًا بأمر من أوامرك التي أمرتني بها، ولا مفرّط من التفريط، وهو
(1) التقريب (1/ 241).
التقصير، يعني فتوفني حال كوني غير مقصر بسبب التهاون بأمرك أو غير مجاوز لحكم من أحكامك، ثم قدم المدينة فخطب الناس أي: وعظهم، وللبخاري (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلنا بالرواح إلى أن قال: فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن، قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ فإني قائل لكم مقالة قد مر التي إذ أقولها لا أدري لو لها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها، أي: حفظها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها، قال: لا أحل لأحد أن يكذب عليَّ، فقال: يا أيها الناس: قد سُنَّت بضم السين المهملة وتشديد النون المفتوحة وسكون الفوقية، أي: شرعت لكم السُّنن، بضم السين وفتح النون المخففة فنون بعدها، أي: الشرائع، وفُرضت على بناء المفعول للعلم بالفاعل، لكم الفرائض، أي: قضى الله لكم أحكامه، وتُرِكتم بصيغة المفعول، أي: وترككم النبي صلى الله عليه وسلم على الواضحة أي: على الطريقة الظاهرة المستقيمة المؤيدة بالكتاب والسنة القديمة، وصفَّق بفتح الصاد المهملة وفتح الفاء المشددة، وفتح القاف، أي: ضرب بإحدى يديه على الأخرى وكان العرب يضرب إحدى اليدين على الأخرى إذا أراد أحدهم أن ينبه غيره، ويستدعي إقباله عليه، وربما فعله إذا صاح على شيء وتعجب من شيء، إلا بكسر الهمزة وتشديد اللام، أي: لكن أن لا تضلوا بالناس وكلمة إن شرطية والباء للتعدية، ولا يبعد أن تكون إلا للتنبيه، وإن زائدة، يمينًا وشمالًا أي: بالانتقال عن الطريقة الواضحة إلى أطرافها واختلاف طرقها لهوى أنفسكم، كما قال تعالى في سورة الأنعام:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الآية [الأنعام: 153]، ثم قال: إياكم أي: أحذركم أن تهلِكوا عن آية الرجم، بفتح الهمزة، (ق 729) أي: سبب الغفلة عنها وعدم العمل بها، أن بفتح الهمزة، يقول قائل: لا نجد حدَّين في كتاب الله تعالى أحدهما: الرجم، والآخر: الجلد، إنما فيه حد واحد وهو الجلد، وفي حديث ابن عباس عن عمر: أن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعينا، أي: حفظناها، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: أمر برجم من أحصن وهو ماعز والغامدية واليهودية، ورجمنا أي: أنا والصدِّيق بمحضر من الصحابة من غير نكير، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قبلنا، وإني وفي نسخة: والذي
(1) البخاري في الصحيح (6/ 2504).
نفسي بيده، لولا أن يقول الناس أي: لولا مخافة قولهم: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله أي: القرآن شيئًا من عنده، لكتبتها أي: آية الرجم وهي: الشيخ والشيخة، قال مالك صاحب المذهب: يريد عمر بالشيخ والشيخة الثيب من الرجال، والثيبة من النساء، كذا في نسخة ابن العربي برواية عن مالك، إذا زَنَيَا فارجموهما البتة، وزيد في رواية: نكالًا من الله والله عزيز حكيم، فإنا قد قرأناها، ثم نسخت تلاوة، وبقيت حكمًا، قال الزركشي في البرهان: ظاهره إن كتابتها جائزة، وإنما منعه قول الناس، وإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة؛ لأن هذا الشأن المكتوب، وقد قال فيه: إنه لو كانت التلاوة باقية، لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس؛ لأنها لا تصلح مانعة، وبالجملة فهذه الملازمة مشكلتهم. انتهى، قاله الزرقاني، والذي يظهر أنه ليس مراد عمر هذا الخطأ، وإنما مراده المبالغة والحث على العمل بالرجم؛ لأن معنى الآية باق وإن نسخ لفظها، إذ لا يسمع عن عمر مع مزيد فقهه تجويز كتبها مع نسخ لفظها فلا إشكال فيه. انتهى.
قال سعيد بن المسيب: فما انسلخ أي: مضى ذو الحجة أي: الشهر الذي خطب فيه هذه الخطبة، حتى قُتِلَ عمر رضي الله عنه، أي: استشهد بيد فيروز النصراني عبد المغيرة بن شعبة، يكنى أبا لؤلؤة.
* * *
694 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر: أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه أن رجلًا منهم وامرأة زنيَا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ "، فقالوا: نفضحهما ويُجلدان، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله: ارفع يدك، فرفع
(694) صحيح، أخرجه البخاري في المناقب (3635)(6841)، ومسلم (1699)، وأبو داود (4446)، والبيهقي في الكبرى (8/ 214)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 18750).
وأخرجه بنحوه البخاري (1329)، ومسلم (1699)، ومختصرًا الترمذي (1436)، وأحمد (2/ 6317).
يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدقت يا محمد، فيها آية الرجم، قال: فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قال ابن عمر: فرأيت الرجل يحنأ على المرأة يقيها الحجارة.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أيّما رجل مسلم زنى بامرأة وقد تزوج قبل ذلك بامرأة حرّة مسلمة وجامعها فعليه الرجم، وهذا هو المحصن، فإن كان لم يجامعها ولم يدخل بها أو كانت تحته أمة أو يهودية أو نصرانية لم يكن بها محصنًا ولم يُرجم، وضرب مائة، وهذا كله قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة بعد المائة من الهجرة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود أي: طائفة منهم من أهل خيبر، وذكر ابن العربي عن الطبري عن المفسرين منهم: كعب بن الأشرف، وكعب بن الأسعد، وسعيد بن عمرو، ومالك بن الصيف، وكنانة بن أبي الحقيق، وعباس بن قيس، ويوسف بن عازوراء، جاءُوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي: في ذي القعدة سنة أربع، فأخبروه أن رجلًا منهم لم يعرف الحافظ اسمه، وفتحت أن لسدها مسد المفعول، وامرأة أي: اسمها بسرة، بضم الموحدة وسكون السين المهملة، ثم راء وفوقية، كذا ذكره ابن العربي في (أحكام القرآن)، زنيَا، أي: والحال أنهما محصنان يهوديان، وذكر أبو داود سبب مجيئهم من طريق الزهري: سمعت رجلًا من مزينة ممن تتبع العلم، وكان عند سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: زنى رجل (ق 730) من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلنا، واحتججنا بها عند الله، وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأفتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المجلس جالس في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم: ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة ما مبتدأ استفهامية، وتجدون جملة في محل الخبر والمبتدأ، والخبر معمول المقول، والتقدير: أي شيءٌ تجدونه في التوراة، فيتعلق حرف الجر بمفعول ثاني بوجه، في شأن الرجم؟ "، أي: في حكمه، هل هو مذكور فيها أم لا، وإذا كان فيها، فما لكم لا تعلمون بها، وهو
موافق لما عندنا، قال النووي: قال العلماء: وهذا السؤال لا لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإِلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافقة لحكم الإِسلام، إقامة الحجة عليهم وإظهار لما كتبوه، وبدلوه من حكم التوراة، فأرادوا تعطيل نصها ففضحهم الله، وذلك إما بوحي من الله تعالى إليه، أنه موجود في التوراة، ولم يغير، وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد الله بن سلام، فقالوا: نفضحهما بفتح النون وسكون الفاء وفتح الضاد المعجمة والحاء المهملة من الفضيحة، أي: لكشف مساويهما ونبينهما للناس، ويُجلدان، بفتح أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول، أي: يُضربان بالجلد مائة.
والحاصل أثبتوا لهما الجلد، وأنكروا الرجم، فقال لهم عبد الله بن سلام، وهو من أحبار اليهود ومن ذرية يوسف بن يعقوب، حليف الخزرج له أحاديث وفضل، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، مات سنة ثلاث وأربعين بعد الهجرة: كذبتم أي: في مقولتكم إن فيها أي: ثبت في التوراة آية الرجم، أي: على الزاني المحصن، وفي رواية للشيخين، فقال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتى، وفي رواية أيوب قال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم: فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فأتوا بفتح الهمزة والفوقية بالتوراة، فنشروها أي: ففتحوها وبسطوها، زاد في رواية أيوب فقالوا: الرجل ممن رضون يا أعور اقرأ، فجعل أي: فوضع أحدهم هو عبد الله بن صور اليهودي الأعور يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، وهذا يدل على أنهم ما حرفوها وأبقوها على حالها، إلا أنهم كانوا ينحرفون عن العمل بها، فقال له عبد الله بن سلام، بفتح السين وتخفيف اللام، أي: لمن وضع يده عليها: ارفع يدك أي: عنها، فرفع يده، فإذا فيها أي: في التوراة آية الرجم، أي: موجودة تحت يده، كما في رواية للشيخين، فقالوا: أي: اليهود، وليحيى: صدق، أي: عبد الله بن سلام، وفي نسخة: صدقت يا محمد، فيها أي: موجودة في التوراة آية الرجم، زاد في رواية أيوب: ولكننا نكاتمه بيننا، وفي رواية البزار: قال - يعني النبي صلى الله عليه وسلم: "فما منعكم أن ترجموهما؟ " قالوا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، زاد في حديث البراء بن عازب: نجد الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا (ق 731) التحميم، أي: تقبيح الوجه والجلد، مكان الرجم.
ولأبي داود عن جابر: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود في أربعة فشهدوا أنهم رأوا
ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، زاد في رواية للشيخين: عند البلاط، وهو مكان عند السوق والمسجد النبوي، قال ابن عمر رضي الله عنهما: فرأيت الرجل يحنأ بفتح التحتية وإسكان المهملة فنون مفتوحة فهمزة، أي: يميل على المرأة، قوله: يقيها الحجارة، جملة حالية أو استئنافية مبنية، أي: يقيها عنها، وليحيى: يحني على المرأة بسكون الحاء المهملة فكسر النون بعده تحتية ساكنة، وقال يحيى: سمعتُ مالكًا يقول: معنى يحني: يكب عليها حتى تقع عليه الحجارة دونها، وقال ابن عبد البر: أكثر شيوخنا قالوا: عن يحيى: يحني بالحاء، وقال بعضهم: بالجيم، والصواب فيه عند أهل العلم يجنأ بالجيم، والهمزة، أي: يميل عليها من جنأ عليه، إذا مال عليه وعطف إليه، وفي (القاموس): حنى عليه كفرح وجعل وأكب، وحنت على ولدها عطفت، كما حنت، فتفسير الإِمام مالك يناسب مادة الجيم والهمزة.
قال الزرقاني: وظاهر الحديث أن الإِسلام ليس شرطًا فلا يرجم كافر، وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة، تنفيذًا للحكم عليهم بما في كتابهم وليس هو من حكم الإِسلام في شيء، وهو فعل في واقعة حال عينية محتملة لا دلالة فيها على العموم في كل كافر. انتهى.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه نافع على العموم عن عبد الله بن عمر، أيّما رجل مسلم زنى بامرأة أي: حرة مسلمة، وقد تزوج أي: ولو مرة قبل ذلك، أى: الزنا بامرأة حرّة مسلمة وجامعها أي: حقيقة ليكون حجة عليه، حيث عرف طريق الحال، فعليه الرجم، وهذا هو المحصن، أي: شرعًا، فإن كان لم يجامعها أي: بعد تزوجها إنما تزوجها ولم يدخل بها أي: مطلقًا، أو دخل بها لكن لم يجامعها، أو كانت تحته أمة أو يهودية أو نصرانية لم يكن بها محصنًا ولم يُرجم، وضرب مائة، أي: مائة جلدة لقوله تعالى في سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، والمراد بهما البكران، والحديث رواه أصحاب الكتب الستة مختصرًا أو مطولًا من حديث ابن عمر، وهذا كله قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
فإن قيل: لم جلد البكر مائة جلدة؟
الجواب: قال النيسابوري: لأن السنة ثلاثمائة وستون يومًا، يذهب منها في الحيض في كل شهر عشرة أيام، فيكون مائة وعشرين يومًا، والنفاس أربعين يومًا، فيبقى