الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السارق يسرق وقد قطعت يده أو يده ورجله
باب في بيان حكم السارق يسرق وقد قطعت يده أو يده ورجله، يعني: يقطع يمين السارق ثم رجله اليسرى إن عاد، فإن عاد ثالث لا يُقطع بل يُحبس في السجن حتى يتوب عند الحنفية، وقال الشافعي: إن سرق ثالثًا يقطع يده اليسرى، وإن سرق رابعًا يقطع رجله اليمنى، لما روى النسائي (1) في (سننه) عن الحارث اللحمي أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِي بلص فقال:"اقتلوه"، قالوا: يا رسول الله، إنما سرق، قالوا: اقطعوا، ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق في عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق الخامسة، فقال أبو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: "اقتلوه"، وروى الدارقطني في (سننه)، والطبراني في (معجمه) عن عصمة بن مالك قال: سرق مملوك أربع مرات والنبي صلى الله عليه وسلم يعفو عنه، ثم سرق الخامسة فقطع يده، ثم السادسة فقطع رجله، ثم السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله، وقال صلى الله عليه وسلم:"أربع بأربع"، أي: أربع عقوبات بسبب أربع خصال.
689 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن رجلًا من أهل اليمن أقطع اليد والرِّجل قدم فنزل على أبي بكر الصديق، وشكا إليه: أن عامل اليمن ظلمه، قال: فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر، وأبيك: ما ليلك بليل سارقٍ، ثم افتقدوا حليًا لأسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر، فجعل الرجل يطوف معهم، ويقول: اللهم عليك بمن بيَّت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوهُ عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به، فاعترف الأقطع أو شُهِدَ عليه - فأمر به أبو بكر فقُطعت يده اليسرى، قال أبو بكر: والله لدُعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته.
قال محمد: قال ابن شهاب الزهري: يُروى ذلك عن عائشة أنها قالت: إنما كان الذي سَرَق حلي أسماءَ أقطع اليد اليمنى فقطع أبو بكر رجله اليسرى،
(1) النسائي (8/ 89).
(689)
إسناده صحيح.
وكانت تُنكر أن يكون أقطع اليد والرجل، وكان ابن شهاب أعلم من غيره بهذا ونحوه من أهل بلاده، وقد بلغنا أن عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب، أنهما لم يزيدا في القطع على قطع اليد اليُمنى والرجل اليسرى، فإن أُتِي به بعد ذلك لم يقطعاه وضمنَّاهُ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، يكنى أبا محمد المدني، ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وعشرين ومائة بعد الهجرة، كما قاله ابن حجر (1)، عن أبيه أي: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات قبل المائة، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحبلي في (طبقاته)، أن رجلًا من أهل اليمن أي: لم يسمّ، أقطع اليد وهو بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الطاء المهملة ونصب العين، صفة رجل، ومضاف إلى اليد، أي: رجل قطع يده اليمنى، والرِّجل أي: اليسرى في (ق 723) السرقة، قدم أي: المدينة، فنزل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أي: في زمان خلافته، وشكا إليه: أن عامل اليمن ظلمه، أي: قطع يده ورجله ظلمًا، قال: أي: الراوي فكان أي: الرجل الشاكي يصلي من الليل، أي: بعضه، فيقول أبو بكر، أي: متعجبًا، وأبيك، قسم على معنى: ورب أبيك، أو كلمة جرت على لسان العرب لا يقصدون بها القسم، ما ليلك أي: في الطاعة بليل سارقٍ، أي: في المعصية؛ لأن قيام الليل ينافي السرقة.
ثم افتقدوا أي: فقدوا حليًا أي: عقدًا أو قلادة لأسماء بنت عُميس بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون التحتية وسين مهملة، امرأة أبي بكر، أي: الصديق رضي الله عنه، أم ابنه محمد، وهي صحابية شهيرة، فجعل الرجل أي: شرع أن يطوف أي: يدور ويفتش معهم، أي: مع اللذين بُعِثُوا للتفتيش عن القلادة، ويقول: اللهم يا الله عليك أي. الزم بقهرك بمن بيَّت بفتح الموحدة وتحتية المشددة من التبييت، وهو تسوية الشيء في
(1) في التقريب (1/ 348).
النفس وتدبيره أو تبديله ليلًا للمكر، أهل مفعول يبيت بمعنى دبر ومضاف إلى أهل البيت صفة هذا الصالح، منصوب صفة بأهل، يعني: اللهم قهر بمن أغار على أصحاب هذا البيت بأخذ العقد ليلًا بالمكر عليهم، فوجدوهُ أي: أصحاب البيت حليّا هو عقد عند صائغ بالصاد المهملة والألف والتحتية المكسورة فغين معجمة، أي: صانع الحلي، زعم أي: قال الصائغ: إن الأقطع جاء به، أي: إليه فاعترف به، أي: بأخذ الحلي الأقطع أو شُهِدَ عليه بصيغة المجهول، شك من الراوي، وفي نسخة صحيحة: وشهدوا عليه بالواو، فأمر به أبو بكر أي: الصديق، كما في نسخة فقُطعت يده اليسرى، وقال أبو بكر: والله لدُعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته؛ لأن فيها خطأ للنفس في الجملة بخلاف الدعاء عليها، أو لما فيه من عدم المبالاة بالكبائر.
قال محمد: قال ابن شهاب الزهري: يُروى ذلك أي: الحديث المذكور عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: إنما كان الذي سَرَق حلي أسماءَ أقطع اليد اليمنى فقطع أبو بكر رضي الله عنه رجله اليسرى، وكانت تُنكر أن يكون أقطع اليد والرجل، وكان ابن شهاب أعلم من غيره أي: من الرواة بهذا ونحوه أي: من الأحاديث، من أهل بلاده، أي: من المدينة وحولها، وقد بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنهما لم يزيدا في القطع على قطع اليد اليُمنى والرجل اليسرى، فإن أُتِي به أي: جيء بالسارق بعد ذلك أي: بعد ما ذكر في قطعهما لم يقطعاه.
روى ابن أبي شيبة عن مكحول أن عمر قال: إذا سرق فاقطعوا يده، ثم إن عاد فاقطعوا رجله، ولا تقطعوا يده الأخرى، وزروه يأكل بها، ويستنجي بها، ولكن احبسوه عن المسلمين، وروى محمد بن الحسن في كتاب (الآثار) عن أبي حنيفة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب، قال: إذا سرق السارق فقطعت يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله اليسرى، فإن عاد حبسه السجن حتى يحدث خيرًا، إني لأستحيي من الله (ق 724) أن أدعه ليس له يد يأكل بها أو يستنجي، ورجل يمشي بها.
وروى ابن أبي شيبة عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول عليٍّ رضي الله عنه، وضمنَّاهُ، أي: عمر وعلي رضي الله عنهما، ما أخذه أو قيمته، وأما ما قطع السارق به أن بقي رد وإلا فلا يضمن، وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور والنخعي وحماد والحسن وإسحاق والليث: يضمن في الحالين، وقال علماؤنا